مجلس الشيوخ الأميركي: أموال التعاقدات الأمنية تصب في جيوب طالبان

واشنطن: تحقيق يكشف ارتباط حراس في القواعد الأميركية بالمتمردين

TT

كشف التحقيق، الذي أجرته لجنة الخدمات الدفاعية في مجلس الشيوخ، عن تورط القوات الأمنية الأفغانية الخاصة، التي استخدمها الجيش الأميركي لحراسة قواعده في أفغانستان، بعلاقات مع طالبان والشبكات الإجرامية والاستخبارات الإيرانية، ما يعرض جنود الولايات المتحدة إلى هجمات مباغتة ويزيد من صعوبة نجاح مكافحة التمرد.

وأوضح التحقيق أن القصور الكبير في إشراف البنتاغون على الحراس الأفغان سمح بعقد صفقات أمنية محلية بين القادة العسكريين الأميركيين والشركات المتعاقدة الغربية وأمراء الحرب الأفغان ممن هم على صلة وثيقة بالتمرد.

وأشار التحقيق إلى أن الجيش الأميركي لا يملك، على الأغلب، معلومات مستقلة عن الأفغان الذين يقومون بحراسة القواعد العسكرية والذين يعملون كموظفين في المجموعات الأفغانية التي تم استخدامها كمتعاقدين من الباطن من قبل الشركات الغربية التي منحها البنتاغون عقودا أمنية. وكشفت التحقيقات التي أجريت في واحدة من القواعد الجوية الأميركية الكبيرة في غرب أفغانستان، عن أن الجنود الأميركيين في القاعدة لا يعلمون أسماء قادة المجموعات الأمنية الذين يقومون بأعمال الحماية للقاعدة.

وفي واقعة أخرى، قصفت القوات الأميركية منزلا يعتقد أن أحد زعماء طالبان يعقد اجتماعا فيه، ليكتشفوا لاحقا أن المنزل يعود لمتعاقد أمني أفغاني مع الجيش الأميركي، كان يلتقي ابن أخيه، القائد في جماعة طالبان هناك.

وأكد التحقيق أن بعض الأفغان، الذين استأجرتهم شركة «إي أو دي تكنولوجي»، التي أبرمت عقدا مع الجيش الأميركي لتوفير الحماية الأمنية في مركز تدريب لضباط الشرطة الأفغان بأدراسكان، بالقرب من شنداند، كانوا يقدمون معلومات لإيران. وأشارت اللجنة إلى أنها تلقت تقارير استخباراتية من وكالة الاستخبارات الدفاعية بشأن الأفغان العاملين لصالح شركة «إي أو دي»، وكشف التحقيق عن أن بعض هؤلاء الحراس متورطون في نشاطات تتعارض مع المصالح الأميركية في المنطقة.

وقد أيدت لجنة الخدمات المسلحة التحقيق بالإجماع على الرغم من إصدار أعضاء الحزب الجمهوري بيانا تضمن انتقادات للتحقيق لتركيزه الكبير على دراسات الحالة في غرب أفغانستان فقط.

وردا على تحقيق مجلس الشيوخ، أصدر وزير الدفاع روبرت غيتس رسالة تفيد بأن وزارة الدفاع تعرفت على هذه المشكلات وقامت بتشكيل فرق عمل جديدة للمساعدة في مراجعة إجراءات التعاقد في أفغانستان. وكتب غيتس: «أعتقد أن وزارة الدفاع قد اتخذت خطوات مهمة لصالح قواتنا على الأرض من خلال البرامج الجديدة التي قامت بتنفيذها».

يأتي التقرير الأخير في أعقاب سلسلة من التقارير كانت من بينها مقالات في صحيفة «نيويورك تايمز» وشهادة أمام لجنة مجلس النواب تتحدث عن دفع رشا من قبل المقاولين الأمنيين إلى طالبان وأمراء الحرب الآخرين وغيرهم للتأكد من أمن قوافل الإمدادات الأميركية.

لكن تحقيق مجلس الشيوخ يذهب إلى أبعد من ذلك، موضحا وجود علاقات وثيقة بين بعض المقاولين والقوات المناوئة لحكومة كابل والأميركيين، وقال: إن زيادة أعداد المقاولين في البلاد تؤدي، في بعض الأحيان، إلى تأجيج التمرد الذي يحاربه الجيش هناك. وذكر التحقيق أسماء عدد قليل من الشركات، واستخدم القاعدة الجوية كحالة للدراسة، ولكنه وصف المشكلات التي تناولها بأنها واسعة الانتشار.

وقال السيناتور كارل ليفن، النائب الديمقراطي عن ولاية ميتشغان ورئيس اللجنة: «ينبغي علينا وقف تدفق الدولارات الأميركية التي تصب في جيوب أمراء الحرب وسماسرة السلطة الذين يتصرفون خلافا لمصالحنا».

وقال ريتشارد فونتين، وهو زميل بارز في مركز الأمن الأميركي الجديد، مجموعة أبحاث واشنطن: «هناك بعض الادعاءات المشينة حقا هنا، وهي دعوة للاستيقاظ؛ لأننا علينا التعامل بشكل أفضل مع المقاولين في أفغانستان وضمان ألا تقع أموال دافعي الضرائب في نهاية المطاف في يد العدو».

ويوجد في أفغانستان أكثر من 26 ألف موظف أمن خاص، و90% منهم يعملون بموجب عقود مع حكومة الولايات المتحدة أو من الباطن، وغالبيتهم يرتبطون بأمراء الحرب المحليين والشخصيات الأفغانية الأخرى القوية خارج سيطرة الجيش الأميركي أو الحكومة الأفغانية.

ووجد الباحثون أن الشركات المتعاقدة تقوم بتوظيف أفراد في الجيش الأفغاني وقوات الأمن الأكْفاء، ما يقوض الجهود التي تبذلها الولايات المتحدة لمساعدة أفغانستان في بناء قوة عسكرية يمكنها أن تأخذ على عاتقها مواجهة تمرد حركة طالبان.

ويركز تحقيق مجلس الشيوخ بقوة على التعاقدات الأمنية في القواعد العسكرية الأميركية غرب أفغانستان، ومن بينها: القاعدة العسكرية في شنداند القريبة من هيرات، شركة «آرمور غروب»، الشركة الأمنية التي تتخذ من بريطانيا مقرا لها، تم استئجارها من قبل متعاقد للقوات الجوية الأميركية لتوفير الأمن في شنداند، ثم لجأت شركة «آرمور غروب» إلى اثنين من أمراء الحرب الأفغان ممن لديهم ميليشيات خاصة للقيام بالعمل الأمني الفعلي، وأطلقت عليهما «آرمور غروب» لقبي «مستر وايت» و«مستر بنك»، ولا يعلم هويتيهما الحقيقيتين إلا عدد قليل من الأميركيين، على الرغم من ثناء فريق أميركي في القاعدة المذكورة على «مستر بنك».

وقال التحقيق: «إن أميري الحرب وخلفاءهما عملوا على توفير الأفراد لشركة (آرمور غروب) على مدى 18 شهرا، وهي الفترة التي شهدت عددا من حوادث العنف الخطيرة».

لكن سرعان ما اندلعت المعارك بين قوات أميري الحرب، التي انتهت بمقتل «وايت»، ثم سعى «مستر بنك» إلى اللجوء إلى طالبان. وتحولت «آرمور غروب» بعد ذلك إلى أخي «مستر وايت» لإدارة قوتها الأمنية، لكنها في الوقت ذاته واصلت الاستعانة برجال «مستر بنك»، على الرغم من علمها بأنه يعمل الآن مع طالبان.

وخلال الغارة التي شنتها القوات الأميركية في 21 أغسطس (آب) 2008، في عزيز آباد، قصفت الطائرات منزلا يشتبه في أن قائدا محليا في طالبان، هو الملا صادق، عقد اجتماعا فيه. كان المنزل تابعا لـ«مستر وايت 2» والذي قتل في الغارة، إلى جانب 7 رجال آخرين يعملون كحراس أمن في شركة «آرمور غروب للأمن» أو شركة «آرمور غروب لإزالة الألغام»، وهي شركة تابعة متعاقدة مع الأمم المتحدة لإزالة الألغام. أثارت الغارة على عزيز آباد الغضب عبر أفغانستان؛ حيث أكد القرويون المحليون، ونشطاء حقوق الإنسان ومسؤولون في الحكومة الأفغانية أن الغارة أسفرت عن مقتل أكثر من 90 مدنيا. وكان للغارة تأثير واسع على العلاقات بين الحكومة الأفغانية والجيش الأميركي، وكانت واحدة من الحوادث الرئيسة التي أدت إلى إعادة تقييم الرئيس الأفغاني حميد كرزاي لدعمه الغارات الجوية الأميركية في أفغانستان.

زار كرزاي القرية بعد الهجوم، واتصل الرئيس الأميركي السابق جورج بوش بكرزاي للتعبير عن أسفه، لكن التقرير أوضح أن الغارة شنت خلال الشكوك بالروابط بين المتعاقدين الأمنيين وحركة طالبان وأنها شنت خلال لقاء بين «مستر وايت 2» والملا صادق، أحد قادة حركة طالبان المشتبه به.

* خدمة «نيويورك تايمز»