سعود الفيصل: غياب الدور العربي خلق فراغا استراتيجيا تستغله الدول المجاورة

قال: إن السعودية ترى التركيز على النهوض بالعمل العربي * وزير الخارجية السعودي يطالب الجامعة بعدم الحياد في موضوع السودان

الأمير سعود الفيصل في القمة (أ.ب)
TT

أكد الأمير سعود الفيصل، وزير الخارجية السعودي، رؤية بلاده التي تدعو إلى التركيز مرحليا على سبل النهوض والارتقاء بالعمل العربي ليكون بالفعل والممارسة عملا مشتركا وفاعلا ومؤثرا على الصعيدين العربي والدولي، مشيرا إلى أنه على الرغم من غياب الدور العربي الفاعل والمؤثر والذي خلق فراغا استراتيجيا يتم استغلاله من قبل الكثير من الدول المجاورة، فإنه يرى أن إصلاح هذا النظام يستدعي، من الجميع بالدرجة الأولى، تفعيل التعاون العربي من خلال تقوية مؤسسة جامعة الدول العربية «وهذا الأمر لا يحتاج منا إلى تعديلات جوهرية في الميثاق بقدر ما يحتاج إلى الالتزام الجاد والعملي بما سبق الإجماع عليه من إصلاحات ومقررات وضمان أعلى درجات المصداقية والجدية في تنفيذ القرارات».

جاء ذلك في الكلمة التي ألقاها وزير الخارجية السعودي الذي ترأس أمس وفد المملكة في القمة العربية الاستثنائية، ناقلا تحيات وتمنيات خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز إلى المشاركين في القمة، مؤكدا أهمية تدارس السبل الكفيلة بتطوير منظومة العمل العربي المشترك.

وقال الأمير سعود الفيصل: «إن مجرد السعي للنهوض بفكرة العمل العربي المشترك وطرق كل سبل ممكنة خدمة للمصالح العربية، بما في ذلك مقترحات الأمين العام في هذا الشأن، يدلل على إدراك وتحسس أمتنا العربية لأبعاد المخاطر والتحديات التي تواجه أمتنا العربية، وهذا أدى إلى أن يكون هذا الأمر بندا دائما في جدول أعمال لقاءاتنا العربية على مختلف مستوياتها».

وأضاف: «إن احترام الالتزامات وأداء الواجبات والتعهدات العربية المشتركة، طبقا لميثاق جامعة الدول العربية وقراراتها، يعتبران مقدمة ضرورية لا يمكن تجاهلها أو التقليل من شأنها إذا أريد لمسيرتنا العربية أن تبلغ أهدافها وتحقق غاياتها، وأمامنا في هذا الاجتماع نتاج جهد مخلص لمبادرتين مهمتين تقدمت بهما الجماهيرية العظمى واليمن الشقيق تضمنتا رؤى وتوصيات بشأن سبل النهوض بالعمل العربي المشترك، وصاحب هذا الجهد رعاية كريمة من قبل لجنة خماسية عليا تولت الإشراف عليه والتأكد من أنه يستجيب لمتطلبات المرحلة الراهنة بكل ما يكتنفها من مستجدات وتحديات، هذا بالنسبة للأفكار والمشاريع المرتبطة بتفعيل العمل العربي المشترك».

وفيما يتعلق برؤية الأمين العام بشأن سياسة الجوار العربي، والتي تعكس خلاصة لقراءة السيد عمرو موسى للأوضاع العربية في منطقة الشرق الأوسط عموما، قال وزير الخارجية السعودي: «إننا ننظر إليها باعتبارها نابعة من شعور بتآكل الدور الإقليمي للنظام العربي في محيطه ومركزه، مقارنة بتصاعد دور بعض الدول الأخرى، ناهيك عن استمرار التحدي الإسرائيلي، ووفقا للفرضيات التي استند إليها مقترح الأمين العام فإن واقعنا العربي بات يفرض علينا تدشين حقبة جديدة في تاريخ علاقة النظام العربي بمحيطه الجغرافي على اعتبار أن هذا الأمر يقصد من ورائه توفير أساليب وآليات مبتكرة تجعله أكثر قدرة على مواجهة التحديات الراهنة والمقبلة واحتواء الأخطار المقبلة وإحداث نقلة نوعية في النظام العربي تمنحه الفاعلية والحيوية بدلا من الركود والجمود».

وأضاف: «إن مجرد الشعور بضرورة عقد قمة استثنائية لتدارس سبل النهوض بالعمل العربي المشترك ومبادرة سياسة الجوار العربي فيه الدلالة الكافية على أهمية هذا الأمر، والذي نراه مرتبطا بحاضر ومستقبل أمتنا العربية، وإذا كانت مسألة العمل العربي المشترك قد ألقت بظلالها على اللقاءات العربية في مختلف مستوياتها وأطرها وكانت محل نقاش وجدال مستمرين تمخضت عنهما جملة من المشاريع والخطط، إلا أن ذلك كله لم يفض إلى نتائج ملموسة حتى الآن، وحقيقة الأمر أن مثل هذه المبادرة مهمة للغاية وجديرة بالاهتمام والعناية ولا يخالجنا شك في الأهداف النبيلة التي تسعى إليها والمصلحة التي تروم إلى تحقيقها، وإذا كان هناك من ملاحظة حولها فتتعلق بتوقيت طرحها وطبيعة العلاقات المتوترة بين بعض الدول العربية ودول مجاورة، الأمر الذي لا يساعد على بلوغ غاياتها». واستطرد: «في تقديرنا أن الخوض في موضوع يتناول ترتيب علاقات النظام العربي، الذي ما زلنا بصدد ترميمه وإصلاحه، مع جوار جغرافي قد لا نكون مهيئين للتعامل معه، هذا الأمر يستوجب التهيئة له جيدا في إطار البيت العربي أولا».

وقال وزير الخارجية السعودي: «إننا نتطلع بطبيعة الحال إلى أن نصل بعلاقاتنا مع دول الجوار إلى الحد الذي يحقق الغايات التي نتوخاها على أقل تقدير، غير أنني أحسب أنكم تشاركونني الرأي أن مقترح سياسة الجوار لن يحقق غايته المنشودة إلا بعد أن نوفر لهذا النوع من العلاقة المميزة متطلبات نجاحها، والتي من أهمها معالجة المعوقات والإشكالات التي تعترض قيام نظام عربي فاعل وقادر على التعامل مع دول الجوار ككتلة متجانسة وموحدة». وأضاف: «بناء عليه، فإن بلادي ترى أن من المصلحة التركيز مرحليا على سبل النهوض والارتقاء بالعمل العربي ليكون بالفعل والممارسة عملا مشتركا وفاعلا ومؤثرا على الصعيدين العربي والدولي، صحيح أن غياب الدور العربي الفاعل والمؤثر قد خلق فراغا استراتيجيا يتم استغلاله من قبل الكثير من الدول المجاورة، غير أنني أرى أن إصلاح هذا النظام يستدعي منا بالدرجة الأولى تفعيل التعاون العربي من خلال تقوية مؤسسة جامعة الدول العربية، وهذا الأمر لا يحتاج منا إلى تعديلات جوهرية في الميثاق بقدر ما يحتاج إلى الالتزام الجاد والعملي بما سبق الإجماع عليه من إصلاحات ومقررات وضمان أعلى درجات المصداقية والجدية في تنفيذ القرارات، ويستدعي ذلك أيضا تمكين الأعضاء الراغبين من الالتزام بتطوير العمل العربي المشترك من دون عرقلة وإعاقة من الأطراف غير الملتزمة، بحيث لا يبقى العمل العربي المشترك حبيسا لتوافقات الحد الأدنى، ومن هذا المنطلق فإننا ندعو إلى الرجوع إلى مضامين وثيقة العهد والوفاق التي اتفقنا عليها في قمة تونس ووضع ما تبنيناه من رؤى وأفكار موضع التطبيق العملي مع إمكانية تطويرها أو تعديلها على النحو الذي يكفل زيادة فعالية نظامنا العربي ويجعلها أكثر تأهيلا لبلورة سياسة جوار عربي تكتسب عندها العلاقات مع دول الجوار البعد الاستراتيجي المنشود». وبين بالقول: «وقد بدأنا نجني ثمار توصيات وثيقة العهد والوفاق؛ حيث نجد أن الجامعة العربية أصبحت تكتسب فعالية وقوة في محيطها الإقليمي العربي عبر المؤسسات المستحدثة مثل مجلس الأمن والسلم والبرلمان العربي وغيرهما من المؤسسات».

وقال الأمير سعود الفيصل: «لا بد لنا أن نشير إلى ما يجري في السودان، البلد العربي العضو في جامعتنا والمهدد بالتقسيم، فلا يمكن تبرير بقاء أعضاء جامعة الدول العربية على الحياد تجاه ما يحصل في السودان، خاصة أننا على أبواب اجتماع عربي – أفريقي، ما يحتم علينا السعي إلى معالجة هذا الوضع في إطار من التضامن العربي - الأفريقي. إن خطر الانفصال لا يمكن أن تحقق معه أية مصلحة للسودان، ومصلحة الطرفين في نظرنا أن نساعد السودان في تخطي هذه المخاطر بأن يكون الاستفتاء نزيها لا تمارس فيه ضغوط قد تؤدي - لا سمح الله - إلى نتائج لا تحمد عقباها؛ لذلك نأمل أن يكون هناك موقف عربي - أفريقي مشترك يشكل بداية لعهد جديد من التضامن العربي - الأفريقي.

وفقنا الله إلى كل ما يحقق لأمتنا الخير والرفاه والتقدم».