الاستراتيجية الجديدة لتنظيم «القاعدة»: تفجيرات أقل.. وقتال في الشوارع أكثر

الجيل الثاني.. غربيون من الجاليات المسلمة في أوروبا

TT

لقد ذكرني المشهد، في أوروبا، الأسبوع الماضي، بذروة نشاط الجيش الجمهوري الأيرلندي في سبعينات القرن الماضي وذروة الإرهاب في الجزائر في تسعينات القرن نفسه؛ حيث كان قصر باكنغهام وميدان «ترافالغار» يعجان برجال الشرطة وتم إخلاء برج إيفل أكثر من مرة وسيطر القلق والخوف على السائحين في كل مكان. وقد انطوى هذا التهديد على نوع جديد من الأعمال الإرهابية؛ حيث حذرت وكالة الاستخبارات الأميركية المركزية ووكالات الاستخبارات الأوروبية من تخطيط تنظيم «القاعدة» لقتل مدنيين في فرنسا وألمانيا وبريطانيا، وطالبت المسافرين، خصوصا الأميركيين، بأن يكونوا على أعلى درجات الحذر واليقظة.

وقد تم الإعلان عن القليل من تفاصيل هذه المؤامرة، لكن خلافا للكثير من عمليات «القاعدة» التي تم إحباطها في السابق، مثل مؤامرة مطار هيثرو عام 2006، التي كانت تهدف إلى تفجير عدد من طائرات الركاب المتجهة من لندن إلى الولايات المتحدة بصورة متزامنة، كان من الواضح من التقارير الإخبارية أن الخطة التي كانت تستهدف دولا أوروبية تنطوي على القيام بهجمات، أقل في الحجم وفي عدد المهاجمين، قد تتضمن استخدام مدافع رشاشة لاستهداف مجموعات من السياح الموجودين بالقرب من المعالم العامة.

وهل يعني هذا أن تنظيم «القاعدة» أصبح مثبط الهمة؟ الإجابة: لا.

فالعمليات الأخيرة، بما في ذلك هجوم مومباي في نوفمبر (تشرين الثاني) 2008، ومحاولة تفجير سيارة في ميدان «تايمز سكوير» في مايو (أيار) من هذا العام، والآن التهديد الذي يستهدف أوروبا، تبين أن تنظيم «القاعدة» ليس فقط حيا من الناحية العملية وبحالة جيدة، ولكنه أيضا تمكن من تطوير تكتيك التراجع في فترة ما بعد الحرب على أفغانستان إلى استراتيجية جديدة وهائلة. وخلال الجزء الأول من العقد الماضي، لم يكن أمام تنظيم «القاعدة» أي خيار إلا استخدام المتفجرات التقليدية والتكتيكات الإرهابية القديمة لضرب أهداف سهلة، وأفضل مثال على ذلك هو التفجير الذي استهدف ملهى ليليا في جزيرة بالي عام 2002. ومع خضوع قيادته للحصار في باكستان، افتقد التنظيم قدرته على شن هجمات منسقة ومتطورة، فضلا عن أن تتجاوز، العمليات المبتكرة والصادمة التي شاهدناها في 11 سبتمبر (أيلول) 2001، أو حتى في تدمير المدمرة الأميركية «يو إس إس كول» عام 2000.

وبمشاهدة هذا التحول، كان الافتراض الضمني من قبل معظم المسؤولين في مكافحة الإرهاب والمحللين أن تنظيم «القاعدة» يحاول، ببساطة، كسب الوقت لإعادة بناء قدرته للقيام بهجمات كبيرة غير مسبوقة على الولايات المتحدة وأوروبا. ولكن حتى لو كان هذا هو هدف التنظيم في فترة ما، فيبدو أنه قد تغير.ويبدو أن تنظيم «القاعدة» الجديد يدرك حدود قدراته ويسعى إلى الاعتماد على وسائل أكثر واقعية لتحقيق أهدافه الكبرى، وليس هناك أي سبب للاعتقاد أن تنظيم «القاعدة» قد تخلى عن فكرة الجهاد الشامل للدفاع عن الإسلام ضد ما يعتبره قرونا من القمع والإذلال على يد الغرب. ولكن بدلا من إثارة غضب ثوري باستخدام لافتات كبيرة، فإن التنظيم يقوم بصورة تدريجية بإعداد جيش جديد مؤهل لشن حرب مدن تقليدية. وبعض أعضاء هذا الجيش، الذي يمثل الجيل الثاني لتنظيم «القاعدة»، تم إعدادهم من خلال حركات التمرد التقليدية في العراق وأفغانستان، والبعض الآخر هم غربيون من أفراد الجاليات المسلمة الموجودة في الغرب أو متحولون إلى الإسلام. وعلى الرغم من أن الكثير منهم قد تلقوا التدريب في معسكرات تنظيم «القاعدة»، فإن عددا كبيرا منهم يفتقر إلى أساسيات العمل الإرهابي التقليدي وليس لهم سجلات جنائية.

وبمساعدة من يطلق عليهم أصحاب البشرة النظيفة، والذين يصعب على أجهزة الأمن الغربية اكتشافهم، تبنت قيادة تنظيم «القاعدة» الانتهازية والبراغماتية تكتيك حرب المدن من النوع الذي استخدمه الإرهابيون منذ عقود مضت، والذي ينطوي على القيام بعمليات تتضمن عددا قليلا من المهاجمين، على غرار عمليات الجيش الجمهوري الأيرلندي، وتستهدف مناطق مكتظة بالسكان، وذلك باستخدام الأسلحة التقليدية (مثل الرشاشات والقذائف الصاروخية) والأسلحة التي عادة ما يستخدمها الإرهابيون (مثل العبوات الناسفة). وهذا النمط، المختلف عن نمط التفجير المتزامن لطائرات ركاب أو تدمير ناطحات السحاب، هو النمط الجهادي الذي وضعه عبد العزيز المقرن، الزعيم الراحل لتنظيم «القاعدة» في السعودية، والذي وضع دليلا للقتال في المدن، عنوانه: «الحرب ضد المدن».

* خدمة «نيويورك تايمز»