كيف يرى الأميركيون مسؤوليات إدارتهم الحكومية؟

معظم الأميركيين مع دور محدود للحكومة في حياتهم اليومية.. لكنهم يرحبون بتدخلها على صعيد الضمانات الاجتماعية

TT

إذا كان ثمة موضوع مهم خلال انتخابات 2010، فربما يكون حجم الإدارة الأميركية ومدى تدخلها في حياة المواطنين.

فيبدو أن الأميركيين يحملون اليوم وجهة نظر أكثر سلبية تجاه إدارتهم مما كان عليه الأمر قبل عقد أو حتى قبل سنوات قليلة مضت، إذ يرى معظمهم إن الإدارة الحكومية تركز على المجالات الخاطئة، وتفتقر إلى الثقة في قدرتها على حل المشكلات الداخلية الكبرى. وربما يساعد هذا الشعور العام، المعادي لواشنطن بنسبة كبيرة، في نجاح حملة الحزب الجمهوري لاستعادة السيطرة على الكونغرس الشهر المقبل.

لكن عندما تسأل الأميركي الفرد عما يتوقع أن تقوم به الإدارة حياله وحيال عائلته تبرز صورة أكثر تعقيدا، فقد أظهرت الدراسة الجديدة التي أجرتها صحيفة «واشنطن بوست» ومؤسسة «هنري كيزر» للأسرة، وجامعة هارفارد، أن غالبية الأميركيين الذين يقولون إنهم يرغبون في حكومة أكثر محدودية يقولون أيضا إن الضمان الاجتماعي والرعاية الصحية «غاية في الأهمية»، ويرغبون من واشنطن أن تتدخل في المدارس وتسهم في خفض الفقر. ويرغب ما يقرب من نصفهم من الإدارة الحكومية أن تحافظ على دورها في تنظيم الرعاية الصحية. وتشير الدراسة إلى أن السياسيين في كلا الحزبين سيواجهون في يناير (كانون الثاني) المقبل تحديا وربما حقائق متناقضة حول ما يعتقده الأميركيون بشأن الحكومة. ورغم محاولة الجمهوريين والكثير من الديمقراطيين انتقاد واشنطن، فإن عليهم مواجهة الحقيقة بأن غالبية البرامج الحكومية تلقى إقبالا شعبيا كبيرا، ومن بينها بعض المشروعات التي واجهها السياسيون بانتقادات واسعة.

كما أظهرت الدراسة أيضا أنه رغم أن الديمقراطيين والجمهوريين نادرا ما يتوافقون، فإن الهوة بين الاثنين اتسعت بصورة واضحة خلال عقد من الاستقطاب الحزبي.

يرى 80 في المائة من الجمهوريين أن الأولويات الحكومية خاطئة، فيما عبر 6 في المائة فقط عن إيمانهم الكبير بالحكومة في ما يتعلق بإصلاح المشكلات الاقتصادية أو التعامل مع الضمان الاجتماعي.

وكانت الحكومة قد حصلت في بطاقة التقويم في الاستفتاء الذي أجري على مستوى البلاد قبل 10 سنوات على تقدير «مقبول»، أما اليوم فأربعة من بين كل عشرة يمنحون الحكومة تقدير «ضعيف» أو «ضعيف جدا».

ويلقي غالبية من يعتقدون أن الولايات المتحدة تحيد عن مسارها باللائمة على الحكومة. فيرى 55 في المائة من الأميركيين أن الحكومة لا تكترث بالقضايا الكبرى، فيما قالت نسبة مماثلة إن الحكومة تسيء استخدام أموال الضرائب ولا تلتزم بقيم ولا تساعد عائلاتهم، فيما يرى النصف أن الحكومة أثرت بشكل كبير على حياتهم اليومية بشكل أعمق من السنوات العشر المنصرمة، لكن غالبيتهم تقول إن هذا التأثير كان سلبيا. وقالت نورما أوسونا (48 عاما) في مقابلة أجريت بعد عملية استطلاع الرأي «أعتقد أن ضعف التدخل الحكومي في حياتنا سيكون أفضل»، مشيرة إلى أن الحكومة تتجه نحو الاشتراكية. وأعرب ما يقرب من نصف الـ2054 أميركيا الذين شاركوا في الاستطلاع عن اعتقادهم بأن الحكومة الفيدرالية تهدد حرياتهم الشخصية، وعن أن هناك شعورا مرعبا - يتقاسمه الآن واحد من بين كل خمسة أميركيين - بأن أداء الحكومة الفيدرالية لن يكون جيدا نظرا للمشكلات التي تواجه الولايات المتحدة.

بيد أن هذه المشاعر القوية، التي غالبا ما كانت تتردد في الحملات الانتخابية مؤخرا، لا تنبئ سوى بجانب واحد من القصة. فعلى الرغم من التقدير المتدني الذي يوليه الأميركيون للحكومة الفدرالية، فإنهم لا يزالون يكنون الإعجاب للكثير مما تقوم به، فالدعم للمواقف الحكومية في قضايا معينة مثل الدفاع القومي والرعاية الصحية ومحاربة الفقر لا يزال مرتفعا، وفي بعض نسب قريبة مرادفة لما كانت عليه قبل عقد مضى، فستة من بين كل عشرة أميركيين يعبرون عن رغبتهم في أن يسعى ممثلوهم في الكونغرس إلى إقرار المزيد من الإنفاق الحكومي الإضافي في ولاياتهم لتوفير المزيد من الوظائف، فيما ترغب نسبة أقل (39 في المائة) في وقف الإنفاق الحكومي، حتى وإن عنى ذلك فقط الوظائف المحلية.

وهذا يعد تحولا عن سبتمبر (أيلول) 1994 عندما قال 53 في المائة إنهم يرغبون من ممثليهم الوقوف في وجه الإنفاق، فيما أبدى 46 في المائة رغبة في عكس ذلك.

وعلى الرغم من الأدلة التي تنم عن سخط عام إزاء ارتفاع العجز في الميزانية الفيدرالية، فإن 50 في المائة ممن استطلعت آراؤهم يرون أنهم يفضلون المزيد من الإنفاق الحكومي لتعزيز الاقتصاد. ويقول 46 في المائة منهم إن تجنب الزيادة في العجز يجب أن يحظى بأولوية. ويواصل الأميركيون متابعة أهم مجالات الإنفاق التي يرونها. وسواء كان ذلك في مجال الرعاية الصحية أو الضمان الاجتماعي أو الأمن القومي أو قسائم الطعام أو التعليم أو إعانات البطالة أو حماية البيئة، يؤكد تسعة من بين كل عشرة أن هذه البرامج على الأقل مهمة إلى حد ما. وقد شهد برنامجان من البرامج الحكومية، هما الضمان الاجتماعي والرعاية الصحية، تراجعا متواضعا في نسبة الأميركيين المؤيدين لهما والذين وصفوهما بأنهما «مهمان جدا». لكن التغييرات الكلية كانت محدودة. فقسائم الطعام التي حاول النائب الجمهوري نيوت غينغريتش جعلها قضية في حملة هذا الخريف، ينظر إليها أكثر من أربعة من كل عشرة أميركيين على أنها ضرورية جوهرية. وهو ما يعتبر زيادة في التأييد لها عما كانت عليه أواخر التسعينات.

وعلى الرغم من الشعبية التي تحظى بها هذه البرامج، فإن الثقة في قدرة الحكومة على حل المشكلات قد تراجعت بشكل واضح خلال العقد الماضي، خاصة في ما يتعلق بالاقتصاد. فقبل ثماني سنوات، عبر ما يقرب من ستة من بين كل عشرة أميركيين عن عدم قدرة الحكومة على حل المشكلات الاقتصادية، أما اليوم فلا يؤمن سوى أقل من النصف بقدرة الحكومة على حل المشكلات الاقتصادية التي تعاني منها.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»