أزمة اللاجئين (الحلقة 4): اللاجئون العراقيون في لبنان.. وضعهم القانوني أساس مشكلاتهم وتعرضهم للاستغلال

عائلات تعيش في قلق دائم.. وتتقاسم المنازل الضيقة في الأحياء الشعبية

عائلة عراقية تفترش الأرض في منزلها المتواضع في أحد أحياء بيروت (أ.ف.ب)
TT

استكمالا لحلقات اللاجئين العراقيين، فأن ظروفا معيشية صعبة يعيشها العراقيون في لبنان، الذي لا يوافق على إعادة التوطين، إذ إنه ليس عضوا في اتفاقية جنيف لعام 1951، والخاصة بوضع اللاجئين أو بروتوكول عام 1967 المرفق بها. ونتيجة عدم انضمام لبنان إلى هذه الاتفاقية، فإنه لا تشريعات أو ممارسات إدارية من شأنها تلبية الاحتياجات المحددة للاجئين وطالبي اللجوء في لبنان، ومن بينهم العراقيون.

وبذلك، ينظر لبنان إلى من يدخل حدوده خلسة أو من يبقى فيه بعد انتهاء المدة القانونية المحددة في تأشيرة دخوله بمثابة مقيم غير شرعي، ما لم يلجأ إلى تسوية وضعه القانوني أسوة بباقي الأجانب. ولا يحول ذلك دون تعرضه للملاحقة بسبب دخوله أو بقائه في البلد بطريقة غير شرعية.

وفق مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في لبنان، فإن العراقيين يدخلون إلى لبنان بطريقة شرعية عبر المطار أو غير شرعية عبر الحدود مع سورية، ومن يدخل بطريقة شرعية يصبح وجوده بعد انتهاء مدة تأشيرته غير شرعي. وأوضحت لور شدراوي، من المكتب الإعلامي للمفوضية، في اتصال مع «الشرق الأوسط» أنه «لا إطار قانونيا في لبنان يتطرق لهذه الحالات من الناحية القانونية، وتتدخل المفوضية لدى السلطات لمعالجة كل حالة على حدة».

وشددت على أن «معظم مشكلات العراقيين في لبنان ناتجة عن وضعهم غير القانوني، وما يتفرع عن هذا الوضع من مشكلات تتعلق بالتعليم والعمل واستغلالهم من قبل أرباب العمل لوجودهم بصورة غير شرعية وتهديدهم الدائم بإمكانية التبليغ عنهم».

وفي حين تلفت إلى أن «بقاءهم مؤقت لأن لبنان ليس دولة لجوء ونحن نلتزم بهذه المعادلة ونحاول إيجاد حلول للاجئين العراقيين خارج لبنان»، أوضحت برنا حبيب من جمعية رواد فرونتيرز - وهي جمعية تعنى بمتابعة الوضع القانوني للحالات الفردية عن طريق محامين ومتخصصين في قانون اللجوء أمام مفوضية شؤون اللاجئين وأمام السلطات اللبنانية المعنية حسب الحالة - أنه «لا يجوز القول بأن لبنان ليس بلد لجوء». وتستند في ذلك إلى أن «مقدمة الدستور اللبناني التي هي جزء لا يتجزأ من الدستور أقرت حق اللجوء، حيث أدخل الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في الدستور وهذا الإعلان ينص في المادة 14 منه على حق التماس اللجوء هربا من الاضطهاد، كما أن القوانين اللبنانية تقر هذا الحق في المواد 26 - 31 من قانون 1962 الخاص بالدخول والخروج من لبنان».

ومع استنفاد كل الموارد التي يحملونها من العراق، يجد عراقيو لبنان أنفسهم في حالة قلق دائم من الغد، ولا يجدون حلا لبقائهم في لبنان سوى العمل بطريقة غير شرعية، مع صعوبة إيجاد كفيل يضمنهم عبر المصارف اللبنانية. ويبقى قبول طلب إعادة التوطين في بلد ثالث الحل الأمثل.

بناء على إحصائيات مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، فإن قرابة 7878 شخصا هو إجمالي عدد اللاجئين المسجلين لدى المفوضية، قدمت طلبات 2100 لاجئ منهم من أجل إعادة التوطين في بلد ثالث. وحتى أواخر أغسطس (آب) الفائت، ساعدت المفوضية 1308 على مغادرة لبنان إلى بلد ثالث، واحتلت الولايات المتحدة المرتبة الأولى، إذ وصل إليها 1172 لاجئا.

وعلى الرغم من عودة الهدوء النسبي إلى العراق، فإن شدراوي توضح أن معظم العراقيين في لبنان ليسوا في وضع يسمح لهم بالعودة لأسباب أمنية، من جهة وخوفا من انتهاكات حقوق الإنسان، من جهة ثانية. وتلفت إلى أن «معظم الموجودين في لبنان هم من بغداد وجوارها، وأوضاعهم النفسية والاجتماعية لا تسمح بعودتهم أو حتى ببقائهم في لبنان، وتشكل إعادة التوطين في بلد ثالث الحل الوحيد أو خشبة الخلاص لهم».

وترد المتحدثة باسم جمعية «رواد فرونتيرز» الوضع الاجتماعي والنفسي للاجئين العراقيين في لبنان، إلى المعاناة جراء انعدام وضعهم القانوني، في غياب أي إطار قانوني شامل وفاعل ينظم عملية اللجوء في لبنان بشكل يتطابق مع المعايير الدولية.

وأشارت إلى أن مذكرة التفاهم التي وقعها لبنان مع مفوضية الأمم المتحدة العليا لشؤون اللاجئين من أجل تنظيم كيفية تقديم طلبات اللجوء إلى المفوضية، قاصرة عن توفير الحماية وفق المعايير الدولية، خصوصا أنها لا تتضمن مبدأ عدم الإبعاد القسري ولا تحمي من الاحتجاز بسبب الدخول خلسة إلى البلاد.

ويضاف إلى ذلك، غياب أي نظام لدى الدولة اللبنانية لاستقبال طالبي اللجوء على الحدود، حيث تغيب مفوضية الأمم المتحدة عنها، الأمر الذي لا يوفر للأشخاص الفارين من بلدانهم إلى لبنان طلبا للحماية الدولية أي فرصة لتقديم أنفسهم وأسباب لجوئهم فور وصولهم إلى لبنان، ويعرضهم ذلك لإمكانية إعادتهم عبر الحدود.

وتشرح حبيب نطاق عمل جمعيتها، فتشير إلى «أننا نقوم بمتابعة حالات المحتجزين بسبب الدخول خلسة من اللاجئين وطالبي اللجوء، ونعمل على توكيل محامين للدفاع عنهم أو للطعن باحتجازهم التعسفي، كما نرفع حالاتهم إلى السلطات اللبنانية من وزارة الداخلية بصفتها المشرفة اليوم على السجون وعلى نظارات قوى الأمن الداخلي والأمن العام لوضع حد ممارسة الاحتجاز التعسفي الذي لا يهدف إلا للضغط عليهم ليوافقوا على ترحيلهم، والنيابة العامة التمييزية بوصفها حامي الحريات وممثل المجتمع».

يقدر المجلس الدانمركي للاجئين، وفق آخر دراسة له في يناير (كانون الأول) 2009، عدد اللاجئين العراقيين في لبنان بين 14 و21 ألفا، في غياب إحصاءات لبنانية رسمية. وهم يتوزعون في مناطق عدة، وبشكل خاص في محافظة جبل لبنان وتحديدا في الضاحية الجنوبية وفي شرق بيروت، في السبتية وسد البوشرية والنبعا.

في محلة السبتية، تكتظ الأحياء الشعبية فوق بعضها البعض. وعلى الرغم من أن قسما كبيرا من سكان المحلتين هم من اللبنانيين، فإن نسبة كبيرة من العراقيين، لا سيما المسيحيين منهم، يقصدونهما للسكن والبحث في أحياء محددة، بحثا عن فرصة عمل في المحلات التجارية المنتشرة وفي المدينة الصناعية القريبة. وقرب الكنيسة الآشورية في السبتية، يستوطن العراقيون حيا بأكمله. عائلات تتقاسم منازل ضيقة بهدف تخفيف كلفة الإيجار، ينتظرون مساعدات تعينهم على متابعة حياتهم من مفوضية الأمم المتحدة أو من جمعيات المجتمع المدني في لبنان ومن كنائسهم. خلال شهر أغسطس الفائت، ساهمت الولايات المتحدة بمنحة مالية بقيمة نصف مليون دولار أميركي لمساعدة العراقيين في لبنان، كما قدمت وزارة الهجرة والمهجرين العراقية حزمة مساعدات نقدية عبارة عن 200 دولار إلى نحو 800 أسرة محتاجة.

لا يمكن لهذه الإعانات وحدها أن تسد حاجات اللاجئين العراقيين اليومية في لبنان. ويجمع الناشطون في إطار رعاية اللاجئين في لبنان على أن المشكلة تكمن في اعتبار الدولة اللبنانية اللاجئين العراقيين وكافة اللاجئين غير الفلسطينيين في حكم غير الموجودين، ومن شأن كل ذلك أن ينعكس سلبا على كافة جوانب حياتهم النفسية والاجتماعية والاقتصادية.