«شرطة سلام» للأحياء المضطربة في البرازيل

البلاد تريد خفض الجريمة تحسبا لاستضافة مونديال 2014 وأولمبياد 2016

ضباط شرطة خلال زيارتهم مركزا لرعاية الأطفال في حي «سيتي أوف غاد» المضطرب في ريو دي جانيرو «نيويورك تايمز»
TT

كان ليوناردو بينتو يتوق إلى الثأر بعد مقتل شقيقة على يد شرطي قبل 5 أعوام؛ لذلك عندما سمع أن «شرطة السلام» المشكلة حديثا في حي «سيتي أوف غاد» ستعطي دورة مجانية في فن الكاراتيه، قام بتسجيل نفسه على أمل أن يتمكن، على الأقل، من إصابة مدرب الكاراتيه. لكن حدث ما لم يكن متوقعا؛ إذ تمكن مدرب الشرطة إدواردو دا سيلفا من اكتساب محبة بينتو بسلوكه الودود والمرح. ويقول بينتو (22 عاما): «بدأت أدرك أن الشرطي الذي أمامي مجرد إنسان وليس وحشا كما كنت أتصور».

وقد بدأت سنوات من الكراهية وعدم الثقة في التغير في بعض أكثر الأحياء عنفا في ريو. وسعيا إلى تقليل المخاوف الأمنية قبل استضافتها لكأس العالم 2014 ودورة الأولمبياد لعام 2016، شرع المسؤولون في ريو في تنفيذ خطة طموح لانتزاع السيطرة على الأحياء الفقيرة من عصابات المخدرات التي حكمت هذه الأحياء لسنوات بالعنف والإرهاب.

وتلعب شرطة السلام دورا أساسيا في هذا الجهد؛ حيث تتدفق إلى الأحياء التي تقوم الشرطة العسكرية بتطهيرها بعد معارك مسلحة قد تستمر أسابيع. وعمل أفراد شرطة السلام يتضمن المهام التقليدية بالإضافة إلى بعض الأنشطة الاجتماعية؛ فهم يكرسون أنفسهم لكسب تأييد السكان الذين عانوا عقودا من العنف، الذي وقع في بعض الأحيان على أيدي رجال الشرطة. ويقول ضباط الشرطة إن المعلومات التي يحصلون عليها من بعض السكان الذين يدعمون جهودهم تساعدهم في الحفاظ على حالة من السلام النسبي.

وعلى مدى عقود، كان حي «سيتي أوف غاد»، الذي تم تخليد ماضيه المليء بالعنف في فيلم أنتج عام 2002، واحدا من أحياء المدينة الأكثر رهبة وخطورة؛ حيث إن رجال الشرطة كانوا نادرا ما يجرؤون على دخوله. وعلى الرغم من أنه يبدو أن هذه الأيام قد ولت، فإن تجارة المخدرات لا تزال مستمرة، على الأقل في منطقة واحدة، ولا يستطيع أي شخص من الخارج الدخول فيها إلا بإذن من الشباب المحليين الذين يقومون بدوريات في الشوارع. ومع ذلك، فإن الرجال ذوي النفوذ الكبير لم يعد لهم وجود، أو، على الأقل، أصبحوا مختبئين، وبدأت الحياة تعود إلى الشوارع من جديد.

وغدا الأطفال يلعبون خارج منازلهم من دون خوف من أن تصيبهم الرصاصات الطائشة. وأصبحت مباريات كرة القدم، التي كانت تتسم بالعنف في الماضي، أكثر سلاما، ويشارك بعض الضباط في المباريات أحيانا.

ولكن بعد سنتين تقريبا من وصول وحدات الشرطة الجديدة، فإن الكثير من السكان في هذا الحي، الذي يعيش فيه 120 ألف شخص، لا يزالون يحاولون قبول أن 315 من ضباط الشرطة العاملين في نوبات عمل تمتد 12 ساعة حولهم لم يعودوا أعداء. والبعض الآخر يرحب بحالة الهدوء، إلا أنه لا يثق في استمرارها، وهم يعربون عن قلقهم من أن قوات الشرطة، التي تدعى رسميا «وحدات التهدئة»، ستغادر حيهم مرة أخرى بعد نهاية دورة الألعاب الأولمبية.

وليس من الصعب فهم عداء السكان لرجال الشرطة؛ فعلى مدى عقود، رفض المسؤولون الحكوميون تحمل مسؤولية الأحياء الفقيرة، ولأن عصابات المخدرات تبني مخزونها من الأسلحة أصبح من الصعب على الشرطة الدخول إلى الحي من دون حدوث تبادل لإطلاق النار، واستاء السكان من تخلي الشرطة عنهم وكرهوها بسبب الوحشية التي كانت تتسم بها حملاتها الدامية.

وبسبب غياب الشرطة، تدهورت الخدمات في المدينة وترك الأطباء وغيرهم من المهنيين الأحياء الفقيرة خوفا على سلامتهم، وأضحى زعماء عصابات المخدرات القضاة والمحلفين.

ويقول خوسيه ماريانو بيلترام، الذي أصبح مسؤول الأمن العام في ريو منذ عام 2007: «السكان لم تكن لديهم الشجاعة الكافية ليقوموا باستعادة السيطرة على الأحياء الفقيرة. السكان يفضلون التهرب من المشكلة بدلا من مواجهتها».

ونادرا ما استسلمت الأحياء الفقيرة من دون قتال؛ ففي بداية الحملة التي قامت بها الشرطة على حي «سيتي أوف غاد» عام 2008، قتل 8 أشخاص على الأقل. ومن المتوقع أن تزيد هذه المعارك؛ حيث إن الشرطة بصدد دخول أحياء جديدة. وحتى الآن قامت الشرطة بنشر 12 وحدة من وحدات السلام، لتغطي 35 منطقة محلية. لكن بيلترام يخطط لنشر وحدات سلام في 160 منطقة بحلول عام 2014، بما في ذلك الأحياء الفقيرة مثل روسينها وكومبيلكسو دو أليماو، وهي أحياء أكبر من حي «سيتي أوف غاد».

في إحدى ليالي الأحد الأخيرة، قام عشرات الشبان بالسير بحرية في حي روسينها وهم يحملون البنادق والمدافع الرشاشة، وكان أحدهم يحمل منصة لإطلاق الصواريخ الصغيرة. وقالت الشرطة إن الكثير من زعماء العصابات الذين كانوا يقطنون الأحياء التي سيطرت عليها الشرطة انتقلوا إلى حي كومبيلكسو دو أليماو. وقال بيلترام إنه قد لا يكون لديها القوة الكافية للسيطرة على أي من هذه الأحياء هذا العام، واصفا هذه الحملة بـ«العملية المعقدة»، وقال إنه لا يستطيع أن يضمن عدم وقوع قتلى، وحتى مع تحديات مواجهة أعمال عنف، فإن الكثير من السكان في ريو يدعمون هذه الحملة. وقد اقترحت ديلما روسيف، المرشحة الرئيسية لتكون الرئيسة المقبلة للبرازيل، التوسع في تطبيق هذا النموذج ليضم المدن الأخرى. وتتدفق ملايين الدولارات في صورة تبرعات من شركات مثل «كوكا كولا» ورجل الأعمال الملياردير إيكه باتيستا والتي تستخدم في إمداد الشرطة بالمعدات اللازمة لعملها.

وقال بيلترام إن هدفه الرئيسي هو تطهير الأحياء من «أسلحة الحرب»، وليس بالضرورة القضاء على تجارة المخدرات. وأضاف أنه يعمل أيضا على مكافحة الفساد بين أفراد الشرطة. معظم أفراد وحدات السلام اختيروا من بين الضباط حديثي التخرج الذين لم تعرض عليهم إغراءات أموال عصابات الاتجار بالمخدرات لتغطية أجورهم المنخفضة نسبيا.

ومن الواضح أن وجود رجال الشرطة قد غير الحياة على نحو أفضل في جميع أنحاء حي «سيتي أوف غاد». ويقول مسؤول في إحدى المدارس إن نسبة حضور التلاميذ قد زادت؛ حيث بلغت نسبة الزيادة 90% في إحدى المدارس الثانوية، وتقوم الآن المركبات بتطهير النهر الضيق المليء بالقمامة ومياه الصرف الصحي وتقوم الشاحنات بنقل القمامة 3 مرات أسبوعيا. وقد قامت الشرطة بأكثر من 200 عملية اعتقال منذ استعادتها السيطرة على حي «سيتي أوف غاد» وانخفضت الجريمة؛ حيث سجلت 6 جرائم قتل في العام الماضي مقارنة بـ34 جريمة قتل في عام 2008. والكثير من السكان سعداء بهذه التطورات، على الرغم من أن البعض منهم يقول إنهم قد فقدوا شيئا غير ملموس، وهو حالة التحرر المشوب بالقلق.

في الماضي، كان أفراد العصابات يمولون تنظيم حفلات ماجنة بهدف تجنيد التجار، لكن الآن تفرض الشرطة قيودا صارمة على حفلات الرقص وتمنع القاصرين من تناول الخمور وتحظر على النساء ترديد الأغاني التي تمجد عصابات المخدرات. وقال بيلترام: إن المؤكد أن برنامج شرطة السلام سيستمر حتى عام 2014، إلا أن نجاحه سيجعل من الصعب على السياسيين إنهاءه في المستقبل.

وقال الكابتن خوسيه لويس دي ميديروس، الذي يقود وحدة الشرطة في «سيتي أوف غاد» إنه يقوم ببناء قوة على المدى الطويل تعمل جاهدة لكسب ثقة السكان. وقد قام أكثر من 10 ضباط مؤخرا بزيارة مركز جديد للرعاية وأخذوا يلعبون مع الأطفال، بينما كان الأطفال يلعبون بأجهزة اللاسلكي الخاصة بهم ويتسلقون على أرجلهم.

وتم استدعاء بعض الضباط من الخدمة لإعطاء دروس في العزف على الغيتار والبيانو الطبقات وفي اللغة الإنجليزية. والضابط دا سيلفا، مدرب الكاراتيه، هو أحد هؤلاء الضباط الذين يعملون الآن في تدريب الكاراتيه بدوام كامل. وقال بينتو، الذي انضم إلى دورة تعليم الكاراتيه بعد مقتل أخيه، إنه كان يفكر في الانضمام إلى عصابات الاتجار بالمخدرات للوصول إلى الأسلحة، لكن منذ أن التقى الضابط دا سيلفا، غير رأيه، وهو يحاول الآن مساعدة السكان في التغلب على خوفهم من الشرطة. وقال الضابط دا سيلفا: «أنا أتفهم قلق السكان.. من المستحيل بالنسبة لهم نسيان ماضيهم. كل ما أستطيع القيام به هو التأكد أنني منفتح على الجميع». ولتأكيد هذا، فقد جاء إلى حي «سيتي أوف غاد» من دون سلاح أو سترة واقية من الرصاص. وقال: «القوة لا تجلب السلام.. قد تفرض الاحترام، لكن ليس الثقة».

* خدمة «نيويورك تايمز»