الصبغة العشائرية تسيطر على الأحزاب مع مقاطعة الحركة الإسلامية

مع إغلاق تقديم طلبات الترشح.. 853 مرشحا لانتخابات مجلس النواب الأردني

TT

انتهت أمس فترة تقديم طلبات الترشح للمجلس النيابي الأردني السادس عشر. وبلغ عدد المتقدمين 853 مرشحا من بينهم 142 سيدة.

وقال وزير الداخلية الأردني رئيس اللجنة العليا للانتخابات، نايف القاضي، للصحافيين إن اللجان المركزية في المحافظات ستبت في طلبات الترشيح خلال 3 أيام من تاريخ تقديم الطلب وفي حالة الرفض لأي سبب فبإمكان المرشح المعني الاعتراض على قرار اللجنة لدى محكمة البداية التي ستبت في الاعتراضات خلال 3 أيام تزود بعدها اللجان المركزية بقراراتها النهائية حول هذا الموضوع.

وفيما يتعلق بالمشاركة الحزبية، قال القاضي إن هناك حراكا حزبيا واضحا تمثل في إعلان عدد من الأحزاب عن قوائم حزبية مشتركة، علما أن المشاركة كانت تتم في السابق بشكل فردي إضافة إلى أن الأحزاب أعلنت عن خططها التي ستشكل أساسا لبرامج عملها في البرلمان المقبل.

ومع مقاطعة الحركة الإسلامية، أقوى الأحزاب السياسية، الانتخابات يرى البعض أن المرشحين لهذه الانتخابات المقررة في 9 نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل جلهم يمثل العشائر. فحتى مرشحو الأحزاب المشاركة يرشحون بأغلبيتهم لانتماءاتهم العشائرية وهذا يعطي قراءة مبكرة وواضحة لهوية المجلس المقبل.

وإذا أخذ بعين الاعتبار شطب الحكومة الأردنية للامتيازات من مكافآت وسيارات غير مجمركة وتعيينات وإلغاء راتب التقاعد وحصرها بمكافأة شهرية دون أي امتيازات، فإن دافع المرشحين الذين قرروا خوض هذه الانتخابات، الوجاهة في مجتمع طبعت عليه الصبغة العشائرية.

واللافت في هذه الانتخابات هو ارتفاع عدد النساء المرشحات إلى 142، بعد أن ضاعفت الحكومة عدد المقاعد المخصصة لهن إلى 12 مقعدا من أصل 120 مقعدا.

ولا تزال الحكومة الأردنية بشهادة كافة منظمات حقوق الإنسان ملتزمة بالشفافية بإجراءاتها من حيث تسجيل قوائم الناخبين والاعتراض عليها وغيرها من الإجراءات التي يتطلبها قانون الانتخاب المؤقت الذي اعترضت عليه الحركة الإسلامية وقاطعت الانتخابات من أجله، مما أكسبها حسب إجماع المراقبين، مزيدا من الشعبية لدى الأوساط المتعاطفة معها من فئات الشعب إضافة إلى قواعدها التي بدأت حراكا مبكرا من أجل المقاطعة. غير أن مراقبين آخرين يرون في مقاطعة الحركة الإسلامية، توجسا من النتائج التي قد تكون مخيبة للآمال بعد تراجع تمثيلهما في المجالس النيابية السابقة من 22 مقعدا عام 1989 إلى 17 مقعدا عام 1993 ثم 12 مقعدا إلى أن حصلوا في الانتخابات الأخيرة على 6 مقاعد.

إلى ذلك تغير المزاج العام لدى الشعب الأردني، وأصبح النائب لا يمثل للمواطن أي شيء، كما كان الأمر عليه في تسعينات القرن الماضي، إذ كان النائب يحاسب الحكومة وينتزع وظائف شاغرة لقواعده الانتخابية ويحصل على امتيازات خاصة له ولمنطقته.

وتكرست مفاهيم لدى المواطن الأردني أن بإمكانه الوصول إلى مؤسسة العرش (الديوان الملكي) بمجرد إرسال «استدعاء» إلى الملك عبد الله الثاني يحصل فيه على ما يطلب من علاج في المستشفيات أو التعليم في الجامعات الحكومية والبعثات والتعيينات وغيرها من شؤون الحياة، لذلك فإن المواطن يلجأ إلى مؤسسة العرش عندما لا يجد آذانا صاغية له من قبل أفراد الحكومة، خاصة أن الحكومات في الأردن لا تعمر كثيرا.

وفي هذه الانتخابات يطرح التساؤل التالي: هل يمكن تطوير الواقع الاجتماعي ونمط الاختيار من غير استعداء العشائرية؟

رغم كثرة الشعارات الخدماتية وتعدد وسائل الإعلان عن برامج المرشحين سواء في اللافتات التي تكثر في الشوارع والميادين العامة أو من خلال المواقع الإلكترونية مثل «فيس بوك» و«تويتر» أو حتى الرسائل القصيرة فإنها لم تلق القبول المنتظر من المواطن الأردني الذي أصبح مهموما ومشغولا بنيران الأسعار التي طالت كل شيء تقريبا حتى أسعار السلع الغذائية الأساسية وآخرها البندورة التي تسبب ارتفاعها الجنوني مؤخرا في اختفائها من البيوت والمطاعم الأردنية.

لقد سعى العاهل الأردني خلال جولاته التفقدية للمحافظات الأردنية لحث العشائر الأردنية على الإقبال على الانتخابات واختيار الأفضل، خاصة أن صاحب القرار يريد أن يتعرف على التمثيل الحقيقي للعشائر الأردنية بدلا من الاعتماد على العشائر التقليدية.

وعلى ضوء الطلب الملكي للمشاركة في الانتخابات، فإن العشائر الأردنية بدأت حراكها والسعي لفرز مرشح لها كي يكون مرشح إجماع لديها، إلا أن معظم هذه التوجهات فشلت في الخروج بمرشح إجماع، ونرى في العشيرة الواحد أكثر من مرشح يتنافسون على المقعد النيابي، أدى ذلك إلى شرخ في العشيرة الواحدة.

ويجزم المعارضون والحزبيون بأن العشائرية السبب وراء ضعف فرص الأحزاب، خصوصا الوسطية منها، ويقولون: «كيف نفهم أن حزبا وسطيا يواجه من بعض كوادره بالرغبة في الترشح خارج لافتة الحزب خشية انقلاب عشائرهم عليهم، وبالتالي تضعف فرصهم في الفوز بأحد المقاعد.

ولا ينسى المعارضون الإشارة إلى أن تكريس هذه الطريقة في اختيار المرشحين يحول دون إنضاج مفهوم الدولة المدنية وجعله واقعا، وبالتالي تغيير شكل وجوهر اختيار المجتمع لنخبته.. بدل الواقع الراهن الذي ينتج في بعض الأحيان نخبا تفتقد الكثير من المهارات السياسية وشحيحة القدرات على العمل العام، على نحو ينتج موظفا كبيرا لا شخصية نيابية سياسية عامة.

والمراقب للمشهد الأردني بصورته الكلية، حينما يدقق في تفاصيله، فسرعان ما يصل لنتيجة جوهرية مفادها أن الأطر الحزبية كلها، بما فيها الحركة الإسلامية استسلمت لحقيقة أنه ليس بمقدورها تجاوز العشائرية إذا ما أرادت تحقيق وجود في مجلس النواب.

بمعنى أن الحزبية، بكل صورها، تتكئ على العشيرة أو على المناطقية في خططها لخوض الانتخابات النيابية. فمن يراجع تركيبة مجالس النواب السابقة يكتشف بيسر أن الحزبية، لم تستطع بذاتها تحقيق انتصارات قائمة على المبدأ والبرنامج الحزبي.

وأفضل مثال يمكن القياس عليه هو الحركة الإسلامية، مع بعض الفارق، فالحركة الإسلامية اختارت نوابا من عشائر متعددة لتحقيق عدة أمور، أولها: الاستفادة من الثقل العشائري في زيادة حصتها. وثانيها: ضمان وجود عدة ألوان في كتلتها النيابية منعا للاتهامات المعلبة، وثالثهما: إدراكها أن العشائر خزان سياسي وشعبي لا بد من اختراقه وتحويله إلى قاعدة اجتماعية تمد الحركة بنشطاء وتجعل منه حاضنة لها عند الحاجة. والميزة التي تنفرد بها الحركة الإسلامية عن غيرها من الأحزاب.. هو قبولها من العامة لتناغمها مع فطرة الإنسان أولا، وثانيا وعيها بما يجب قوله من مواقف تدغدغ مشاعر الناس في كل القضايا السياسية والاقتصادية، وفي كل الشؤون.