العلاقات اللبنانية ـ الإيرانية بدأت مطلع القرن الماضي وتوطدت في عهد «الجمهورية الإسلامية»

نجاد يزور بيروت ونفوذ إيران في أوجه

TT

لم تأت زيارة الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد إلى لبنان كخطوة على طريق فتح آفاق جديدة للعلاقات الثنائية بين البلدين وتوطيدها، بل جاءت لأسباب ودواع مختلفة جذريا، منها أن الرئيس الإيراني يحط في لبنان لتثبيت نفوذ إيران الذي بلغ أوجه، لا بل ذروته، في هذه المرحلة، وليقول للقريب من لبنان والبعيد عنه: «انتبهوا، نحن الأقوى في هذا البلد ولا أحد يجرؤ على مقارعتنا»، وليس خفيا على أحد أن الرئيس الإيراني استفاد من تراكمات العقود الماضية في العلاقات اللبنانية - الإيرانية التي انطلقت منذ بدايات القرن الماضي، وتقدمت خطوة تلوى الأخرى على الرغم مما اعتراها من طلعات ونزلات إلى أن أحكمت الجمهورية الإسلامية سيطرتها شبه الكاملة على لبنان من خلال «حزب الله» الذي بات القوة التي لا تقهر عسكريا وسياسيا، وحتى ماديا، خصوصا بعد خروج الجيش السوري من لبنان في ربيع 2005 إثر اغتيال رئيس حكومة لبنان الأسبق رفيق الحريري.

صحيح أن زيارة نجاد ليست الأولى لرئيس إيراني إلى لبنان، فقد سبقتها زيارة الشاه إلى بيروت عام 1957 والرئيس الإصلاحي محمد خاتمي عام 2003، في مقابل زيارة للرئيس اللبناني السابق إميل لحود إلى طهران وزيارات متعددة لرئيس الحكومة الراحل رفيق الحريري، ومن ثم زيارة الرئيس ميشال سليمان العام الماضي، إضافة إلى عدد كبير من الشخصيات اللبنانية القريبة من السياسة الإيرانية والحليفة لـ«حزب الله» وتدعم سياسته في لبنان. وفي قراءة وتحليل معمق للعلاقات اللبنانية - الإيرانية والمراحل التي قطعتها، يشير الكاتب والمحلل السياسي اللبناني الخبير في الشؤون الإيرانية، علي الأمين، إلى أن «هذه العلاقات تمتد إلى بدايات القرن العشرين، وربما بدأت مع عائلة عسيران اللبنانية التي يقال إن أصولها أتت من إيران، وإلى مظاهر الاحتفال بذكرى عاشوراء في مدينة النبطية الجنوبية التي بدأتها بعض العائلات الإيرانية مطلع القرن العشرين. وتوطدت الروابط بين العائلات الإيرانية وآل عسيران بعد جلاء السلطنة العثمانية عن لبنان؛ حيث جرى في منتصف العشرينات تعيين قنصل أو دبلوماسي إيراني في مدينة صيدا الجنوبية».

ويؤكد الأمين، لـ«الشرق الأوسط»، أن «العلاقات الرسمية بين الدولتين بدأت في عهد الرئيس اللبناني الراحل كميل شمعون (بين عامي 1952 و1958)، والتي ترافقت مع إنشاء حلف بغداد الذي كانت إيران جزءا منه والذي أريد له أن يكون قوة في وجه امتداد نفوذ الرئيس جمال عبد الناصر. وقد أسهم هذا الحلف في التقارب اللبناني - الإيراني وتوج هذا التقارب بزيارة شاه إيران إلى لبنان عام 1957، ثم أتبع ذلك مجيء الإمام موسى الصدر إلى لبنان عام 1958 بالتنسيق مع الشاه الذي كان (الشاه) قد أنشأ علاقة مع الجمعية العالمية الشيعية، ومن ثم قام ببناء مسجد الصفاء في محلة رأس النبع في بيروت بتمويل منه. وقد تولى الإمام الصدر إمامة هذا المسجد، وتمكن عندها الصدر بالاستناد إلى مكوناته الشخصية وكفاءاته العلمية وميزاته الشخصية وامتداده الإيراني من أن يحظى برعاية القوى المارونية الأساسية مثل الرؤساء كميل شمعون وفؤاد شهاب وشارل حلو. واستطاع السيد موسى الصدر من موقعه الديني أن يحد من تأثيرات اللعبة السياسية، وأن ينشئ حركة شعبية (عرفت يومئذ بحركة المحرومين) في وجه القوة الشيعية التقليدية المتمثلة بكامل الأسعد، خصوصا أن الجو الشيعي كان ينحو صوب الحركات التحررية». ويقول الأمين: «إن مجيء السيد موسى الصدر إلى لبنان كان بالتنسيق مع إيران، وكان للشاه دور أساسي في ذلك بهدف تكوين حضور إيراني في لبنان تكون له أبعاد إقليمية، غير أن التعبير الإيراني كان محدودا ومختلفا كليا عما هو عليه اليوم، بسبب وجود دولة لبنانية يومئذ». ويرى الأمين أن «الثورة الإسلامية الإيرانية فجرت باب العلاقة المستجدة مع شيعة لبنان، فعندما انتصرت هذه الثورة عام 1979 لم يكن كثير من الشيعة في لبنان متحمسين لهذه الثورة، والسبب أن الإمام الخميني بعد انتصاره في إيران كان يركز على العلاقة مع الفلسطينيين في لبنان وتحديدا حركة (فتح) ورئيسها ياسر عرفات. ومنذ 1979 حتى 1981، بدء الحرب الإيرانية – العراقية، كانت إيران أقرب للفلسطينيين منها إلى الشيعة في لبنان، لكن بعد اندلاع هذه الحرب بدأت (إيران الثورة) تسهم في خلق دوائر شيعية لبنانية توليها اهتماما أكبر، وبدأت تتقارب مع شخصيات شيعية مثل السيد محمد حسين فضل الله والشيخ محمد مهدي شمس الدين، وغيرهما، إلى أن حصل الاجتياح الإسرائيلي للبنان في صيف العام 1982، عندها دخلت إيران بقوة أكبر وعبر الحرس الثوري إلى البقاع اللبناني لمواجهة هذا الاجتياح، وبعدها بدأت بتأسيس وإعداد قوتها الخاصة التي هي حزب الله، الذي وإن كان مكونا من أشخاص لبنانيين، لكن سياسته وآراءه وتوجهاته وتمويله كلها إيرانية وعبر الحرس الثوري الذي ظل ماكثا في لبنان عسكريا حتى بداية التسعينات؛ حيث خرج عسكريا وبقي سياسيا».

هذا في طلعات العلاقة الإيرانية - اللبنانية، أما في نزلاتها فذكر الكاتب علي الأمين بـ«دخول الحرس الثوري الإيراني عام 1983 إلى الضاحية، وكان رئيس الجمهورية يومها، أمين الجميل، فبدأ يتلمس الحركة الإيرانية في الضاحية الجنوبية وخارجها، فحصلت مواجهة بينه وبين الإيرانيين أدت إلى قطع العلاقة الدبلوماسية وإخراج السفير الإيراني من لبنان لنحو سنة قبل أن تعود هذه العلاقة إلى طبيعتها، وبعد هذه المرحلة المهتزة، دخلنا في مرحلة جديدة ووضع مستقر وإقرار لبناني بالمساحة الإيرانية، وكان الدور السوري المعبر الأساسي لهذه المساحة؛ بحيث كانت سفارة إيران في دمشق حتى في منتصف التسعينات هي المسؤولة عن حزب الله وليست السفارة الإيرانية في بيروت، وهذا له دلالة على أن القرار كان يطبخ في سورية. وعندما وقعت الصراعات المسلحة بين حزب الله وحركة «أمل» في الضاحية الجنوبية وإقليم التفاح والجنوب وسقط فيها مئات القتلى والجرحى من الطرفين كانت هذه الصراعات صورة عن الصراع الإيراني - السوري، وقد استمرت إلى أن سلم الإيرانيون بدور سورية».

ويؤكد الأمين أن «التحول الكبير حدث عام 2005 بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وبدأنا نرى المشهد الجديد؛ حيث استفادت إيران من الانسحاب السوري من لبنان وملأت الفراغ، وعبر عن ذلك بحضور واسع لإيران وحزب الله على الساحة اللبنانية.