روسيا تتوسع في بناء المفاعلات النووية في أوروبا

تستعد لمشروع آخر في التشيك بـ 8 مليارات دولار وتريد رفع حصتها في سوق الوقود العالمية إلى 25%

شركة «روساتوم» النووية الروسية تتنافس مع نظيرتيها «وستينغهاوس» الأميركية و«أريفا» الفرنسية للفوز بصفقة بناء مفاعل في التشيك («نيويورك تايمز»)
TT

حققت الصناعة النووية الروسية أرباحا ضخمة من بناء المفاعلات النووية في البلدان النامية، مثل الهند والصين وإيران، وهي الآن تحاول استكشاف فرص التحول إلى مورد رئيسي لهذه المفاعلات في دول الاتحاد الأوروبي أيضا. ومن دون الالتفات إلى إرث مفاعل تشيرنوبل، تستعد شركة «روساتوم» الحكومية الروسية، التي تعمل في مجال بناء المفاعلات النووية، لتقديم عرض لمشروعها الجديد الثاني في بلدان الاتحاد الأوروبي، وهو بناء محطة تيملين النووية في جمهورية التشيك، وهو مشروع يتوقع أن تبلغ تكلفته 8 مليارات دولار. وتقوم شركة «روساتوم» حاليا ببناء محطة أصغر في بلغاريا.

والروس، الذين يمثلون بالفعل أحد الموردين الرئيسيين لوقود اليورانيوم المنخفض التخصيب إلى الاتحاد الأوروبي، من خلال مشروع مشترك مع شركة «أريفا» النووية الفرنسية، يسعون بشكل مستقل لدخول سوق الوقود المستخدم في المحطات النووية غربية التصميم. فمثلا، تمد شركة «روساتوم» الآن سويسرا بكامل احتياجاتها من الوقود النووي، وتمد فرنسا، أكبر مستهلك للوقود النووي في القارة، بـ 30% من احتياجات جميع مفاعلاتها النووية من اليورانيوم. لكن المحللين يقولون إن العرض الذي ستقدمه «روساتوم» لبناء المفاعل النووي التشيكي يمثل اختبارا ويطرح التساؤل حول إمكانية أن تنجح الاستراتيجيات التي جعلت «روساتوم» أكبر شركة في العالم في مجال بناء محطات الطاقة النووية من خلال مبيعاتها في الأسواق الناشئة، أيضا في دول العالم المتقدم المتعطشة للطاقة.

وقالت مارينا أليكسينكوف، المحللة في «رينيسانس كابيتال»، أحد البنوك الاستثمارية في موسكو: «روسيا لاعب كبير. (ومن الآن فصاعدا)، فإن روسيا ستتقدم بعروض في كل مناقصة، وعلى الصعيد العالمي، ستذهب روسيا إلى كل مكان». وقد يشمل ذلك الولايات المتحدة. وتقوم شركة تابعة لـ«روساتوم» بتوفير نحو 45% من الوقود النووي المستعمل في المحطات النووية الأميركية. وقد تم تصنيع هذا الوقود من المواد المستخدمة في صنع القنابل النووية وذلك بعد القيام بتخفيفها بموجب المعاهدة التي تم إبرامها بعد الحرب الباردة بهدف الحد من انتشار الأسلحة النووية. ويستخدم الوقود المصنع من القنابل النووية الروسية السابقة في توليد نحو 10% من الكهرباء المنتجة في الولايات المتحدة.

وباعتباره إرثا من الحرب الباردة، تملك روسيا نحو 40% من القدرة العالمية لتخصيب اليورانيوم، وهو ما يفوق بكثير احتياجات مفاعلاتها المحلية. وتخصيب اليورانيوم يعني رفع مستوى النظير 235 من نحو 0.7% في اليورانيوم الطبيعي إلى 3 أو 5% في اليورانيوم المستخدم كوقود للمفاعلات النووية المدنية.

وتقول شركة «روساتوم» إنها تسعى لزيادة حصتها في سوق الوقود العالمية لتصل إلى 25% بحلول عام 2025، مقارنة بـ 17% حاليا. وهذه الاستراتيجية تهدف لتحقيق أرباح، لكنها أيضا تسعى للاستفادة من انخفاض تكاليف الوقود في روسيا للفوز بأعمال أخرى، وذلك عن طريق الجمع بين عروض جذابة لبيع اليورانيوم منخفض التخصيب وتقديم خدمات أخرى، مثل بناء المفاعلات. وتروج «روساتوم» لميزة أخرى فريدة لديها، وتظهر كيف أن الروس يشعرون بألفة غريبة تجاه كل ما يتعلق بالأنشطة النووية حتى بعد حادث تشيرنوبل، وهذه الميزة هي أنها مستعدة لأخذ النفايات النووية من العملاء وتولي مسؤولية التخلص منها، لا سيما إذا كان العميل قد اشترى مفاعلا روسيا.

ويقول المسؤولون الروس إنه على الرغم من الانفجار الذي وقع بالمفاعل النووي في تشيرنوبل في عام 1986، فإن صناعتهم لم تتوقف بسبب خيبة أمل الشعب في الطاقة النووية، كما حدث في الولايات المتحدة. وعلى الرغم من أن الروس لم يحققوا قفزات كبيرة في مجال التكنولوجيا في العقود الأخيرة، فإنهم لم يخسروا أيضا أيا من أسواقهم. وقال سيرجي نوفيكوف المتحدث باسم «روساتوم»: «لم نتوقف يوما عن البناء، حتى بعد تشرنوبل. تحركنا ببطء شديد ولكن لم نتوقف قط».

ومن بين 60 مفاعلا يتم إنشاؤها حاليا في جميع أنحاء العالم، تقوم «روساتوم» ببناء 15 (10 في روسيا و5 في الخارج) وفقا لبيانات معهد الطاقة النووية، وهي مجموعة تجارية مقرها واشنطن. وللمقارنة، فإن ويستنغهاوس، أكبر شركة أميركية لبناء محطات الطاقة النووية، لم تقم ببناء مفاعل واحد بصورة كاملة منذ عقود، على الرغم من أنها قد بنت عددا من محطات الطاقة أكثر من أي شركة أخرى في العالم، معظمها كان خلال ستينات وسبعينات القرن الماضي.

والمتخصصون من الخارج يؤيدون بصورة عامة التصاميم الروسية للمحطات النووية، قائلين إنها الآن قادرة تماما على المنافسة مع شركات بناء المحطات النووية الأميركية والأوروبية. ومع ذلك، وفي إشارة إلى إرث تشيرنوبل، تقول فروع الشركة الروسية في الخارج إنها تخصص ميزانيات لأنشطة العلاقات العامة في البلدان التي تنوي العمل بها.

في الوقت ذاته، تناضل «روساتوم» لانتهاز فرصة احتكارها للصناعة النووية في الداخل لمساعدة الصادرات. وتعد «روساتوم» شركة متكاملة في الصناعة النووية، حيث تضم أقساما لاستخراج اليورانيوم وتخصيب الوقود وبناء المفاعلات النووية وحتى تفكيك المفاعلات القديمة. ولتتنافس بشكل أفضل مع «أريفا»، الشركة المهيمنة على صناعة المفاعلات النووية، شكلت «روساتوم» تحالفا استراتيجيا في عام 2009 مع شركة «سيمنز» الألمانية بعد بيعها حصتها في شركة «أريفا».

وفي أعقاب توقيع اتفاق مع الصين الشهر الماضي لبناء مفاعلين متطورين يعملان بالبلوتونيوم، أكد سيرجي كيرينكو، المدير التنفيذي للشركة ورئيس الوزراء الأسبق، للصحافيين، أن مبيعات الشركة سترتفع إلى ثلاثة أضعاف بحلول عام 2030 لتصل إلى 50 مليار دولار. وتقول الشركة إنها تأمل في مواصلة جني العقود عبر صفقات الوقود أو شراكات نقل التكنولوجيا إلى الدول المستهلكة. ويتوقع أن تستخدم الشركة هذه الاستراتيجية في الفوز بعطاء دولة التشيك. وبموجب التشريع الذي ربما كان سيواجه صعوبة أكبر في تمريره عبر نظام أكثر حرية، ستسمح روسيا باستيراد الوقود النووي المستنفد من المفاعلات في دول العالم المختلفة.

وكانت الشركة قد سعت بدعم من فلاديمير بوتين، رئيس روسيا آنذاك، لتبني سياسات لزيادة المبيعات النووية الروسية عالميا لأن الوقود المستنفد يمكن أن يشكل نقطة مهمة في الموافقة على المنشآت النووية الجديدة في الدول الأخرى. وتقول أليكسينكوفا، المحللة الصناعية في موسكو، عن خدمات «روساتوم» لاستيراد النفايات: «لا أعرف مزودي خدمة آخرين قادرين على تقديم خدمة مماثلة». ويقول نوفيكوف، المتحدث باسم «روساتوم»: «تخزين الوقود المستنفد مربح اليوم، وامتلاكه يمكن أن يكون أكثر ربحية لأن وقود البلوتونيوم أصبح يستخدم على نطاق واسع». وفي روسيا، كما هو الحال في فرنسا، تنظر الصناعة إلى الوقود المستنفد لا كمشكلة طويلة الأمد، بل كمادة خام لتجارة وقود مستقبلية في صناعة أكسيد وقود مختلط. وحدها «أريفا» هي التي تقدم مثل هذه الخدمات النووية في كل دورة الوقود النووي، بحسب رأي خبراء الصناعة النووية. أما المصنعون الآخرون فينبغي عليهم توحيد الجهد لتقديم خدمة وقود ومفاعلات متكاملة.

وبالنسبة لمناقصة دولة التشيك، انضمت شركة «أتوم ستوري إكسبورت»، التابعة لشركة «روساتوم» والمتخصصة في بناء المفاعلات خارج روسيا، إلى شركة «سكودا» التشيكية العملاقة للوقوف في وجه شركتي «وستينغهاوس» الأميركية و«أريفا» الفرنسية، لبناء مفاعلين جديدين في تيملين. ويتوقع أن تفوز مجموعة «سي إي زد»، التي تملك الحكومة التشيكية 70% من أسهمها بالعقد في بداية عام 2012.

* خدمة «نيويورك تايمز»