القضاء الباكستاني يهدد استقرار الحكومة المنتخبة قبل انتهاء ولايتها

بعد أن نجح في إسقاط حكومة مشرف العسكرية

TT

بعد أن أطاح برويز مشرف الذي كان يحكم باكستان برئيس المحكمة العليا عام 2007، نزل المحامون في تحرك عاصف إلى الشوارع محتجين على ذلك، ومن ثم أسهموا في عودة الديمقراطية. وفي الوقت الحالي نجد نفس المحكمة تستعد لإنهاء ولاية الحكومة الباكستانية المنتخبة قبل موعدها.

ومنذ حكم صدر في ديسمبر (كانون الأول) يلغي عفوا يحمي الرئيس آصف علي زرداري ومسؤولين آخرين من مزاعم جنائية قديمة، تضغط المحكمة العليا على الحكومة فيما يتعلق بقضايا فساد، ولا سيما قضية غسيل الأموال القديمة ضد زرداري. وقد أثيرت مخاطر بينما أزكت عمليات إرجاء متكررة من جانب الحكومة حالة من الإحباط داخل الجيش والمعارضة السياسية. وثمة مواجهة أخرى يوم الأربعاء، حيث يمكن أن تضع المحكمة رئيس الوزراء في موقف صعب أو تشير إلى أنها ستعيد النظر في حصانة زرداري الرئاسية من الادعاء. وقد عززت هذه المواجهة من موقف المحكمة العليا كلاعب رئيس في الديمقراطية الناشئة داخل باكستان. ولكنها في الوقت نفسه، ألقت الضوء على تساؤلات بشأن مدى قوة هذه المنظومة وقدرتها على البقاء.

وبالنسبة إلى الكثيرين هنا فإن هذا المشهد الدرامي يمثل تقدما؛ فداخل دولة لها تاريخ من الانقلابات العسكرية يظهر قضاء مستقل ليمثل تهديدا كبيرا أمام حكومة لا تحظى بشعبية. وبالنسبة إلى آخرين، ومن بينهم بعض المنتقدين داخل الحكومة ومخلصون لحركة المحامين، فإن الحكومة ورئيسها في طريقهم لحرب ضد زرداري تهدد الديمقراطية الناشئة التي تحتاج إلى إتمام الحكومة المنتخبة لولايتها حتى لو كانت حكومة سيئة.

ويقول المحامي خرام لطيف خوسا، الذي يقدّم والده المحامي أيضا استشارات لرئيس الوزراء يوسف رضا جيلاني: «لقد دخل هذا القاضي والمحكمة في معترك السياسة». ويضيف: «المحامون الذين كانوا يرددون هتافات من أجلهم يحرقون حاليا دمى تمثل مَن يحبونهم».

ويقول محللون إن هذه المواجهة لا يحتمل أن تعرض النظام الديمقراطي لمخاطر. بل يرون أنه فصل آخر في أداء فني مسرحي داخل الساحة السياسية الباكستانية يتنافس خلاله الأبطال من أجل الحصول على السلطة فيما تنتظر الجموع قيادة تحسن من أوضاعهم المعيشية. وتؤكد الحكومة على أن القضايا المرفوعة ضد زرداري مدفوعة سياسيا وأن وسائل الإعلام المعادية أزكت الجدل الدائر داخل المحاكم.

ويقول منير مالكي، وهو رئيس سابق لنقابة محامي المحكمة العليا: «يوحي عدم إثارة مشاكل الحكم في الماضي بأن المحكمة أكثر عدوانية ضد الحكومة الديمقراطية منها ضد الحكومات الاستبدادية. ولكن هذا هو الطريق من أجل المضي قدما».

وقد اكتسبت المحكمة شعبية من خلال مناقشة مظالم المواطنين العاديين، ولا سيما بعدما قرأ تشودري عنها في الصحف. ويأتي تشودري، وهو صغير الحجم وذو شارب كث، في الاستطلاعات من بين أكثر الشخصيات احتراما داخل باكستان. ويقول إبراهيم رشيد، الذي كان بين مجموعة من المحامين يحتسون الشاي أخيرا بمكتب نقابة المحامين في إسلام آباد: «إنه الشخص الوحيد الذي يقف بحزم في مواجهة الممارسات غير القانونية التي تقوم بها الحكومة».

ويوم الاثنين، وبعد رفض طلب الحكومة بتأجيل جلسة الاستماع المقررة يوم الأربعاء، أخذ تشودري وزملاؤه يسيرون وفق جدول الأعمال الصباحي. قال رجل في إحدى الدعاوى إن سياسات معينة داخل المعهد الطبي الفيدرالي الذي يعمل به أعاقت ترقيته بصورة تفتقر إلى العدل. وزعمت قضية أخرى «لعاملات صحة» أنهن تحصلن على أجور أقل من وزارة الصحة داخل الإقليم.

وبعد ذلك، واجه القضاة رئيس شرطة إسلام آباد بسبب العجز عن إلقاء القبض على مشتبه فيه في عملية قتل محاي عام سابق لأشهر، وهو «رجل بارز» كما قال القاضي خليل رامداي. وتساءل القاضي: «ما الذي سيحدث مع الرجل العادي؟ رجاء قم بكل ما يتعين عليك القيام به». ويشير منتقدون للمحاكم، من بينهم محام بارز في مجال حقوق الإنسان، إلى أن القيود التي تفرضها المحكمة على أسعار السكر وإلغاء قانون ضريبة الكربون ترضي الحشود ولكن تعد أحكاما مبالغا فيها. وفي الأسبوع الماضي، وبعد أن اتهم وزير فيدرالي المحكمة بالتدخل، أصدرت بيانا ينتقد «التعليقات غير المبررة وغير الضرورية» لقرارها.

ويقول بعض الخبراء القانونيين إنهم يشعرون بالقلق من أن المحكمة نادرا ما تتبع شؤونا تتضمن سياسيين من غير الحزب الحاكم أو المؤسسة العسكرية. وإبان حكم مشرف، كان تشودري ناشطا له صوت عال لصالح قضايا تتضمن مشتبها فيهم اختفوا، ويزعم أن ذلك كان على يد خدمات استخباراتية داخل باكستان. ولم تحقق القضايا تقدما كبيرا منذ العام الماضي.

ويقول المحامي بإسلام آباد بابار ستار، وهو خبير دستوري يدعم جهود المحكمة في قضايا الفساد: «يمكن انتقاد الحكومة، ليس لما تقوم به ولكن بسبب الإهمال».

وقد ركزت المحكمة العليا على مزاعم عمرها 13 عاما تقول إن زرداري، وهو أرمل رئيس الوزراء السابقة بي نظير بوتو، خبأ عمولات غير قانونية قيمتها 60 مليون دولار داخل أرصدة في مصارف سويسرية. وقامت السلطات السويسرية بإغلاق القضية عام 2008 بعد اتفاق عفو باكستاني عام 2007.

وعندما أبطلت المحكمة العليا هذا العفو، أمرت الحكومة بأن تكتب خطابا يخطر السلطات السويسرية عن هذا التطور. وبعد ذلك أشار مدع سويسري علنا إلى أن زرداري له حصانة رئاسية، ويقول الكثير من خبراء القانون داخل باكستان إن الحكومة قد تهدئ القضاء من خلال إرسال الخطاب. وتقول الحكومة إنه لا يجب عليها القيام بذلك.

ويقول خبراء قانونيون إن التحدي يمكن أن يجعل رئيس الوزراء أو وزير القانون في موقف صعب أو يدفعهما إلى مراجعة دستورية حصانة زرداري. وأي من هذين الاحتمالين ربما يمثل تهديدا لإدارة زرداري، ويعرض التحالف الذي يعتمد عليه من أجل الحكم لمخاطر – وفي سيناريو متطرف قد يثير الجيش ليسيطر على مقاليد الأمور. ويقول مشرع بارز من الحزب الحاكم عن تشودري: «إنه لا ينظر إلى الأزمة الموجودة داخل البلاد. هذا القاضي لا يلين».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ «الشرق الأوسط»