نجاد يطالب بفريق دولي محايد للتحقيق في أحداث 11 سبتمبر ويتهم «القوى المتغطرسة» بتلفيق الاتهامات لحزب الله

نصر الله: لا يوجد مشروع إيراني في لبنان بل «واجب إلهي»

رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري يرحب بالرئيس اللبناني ميشال سليمان ونظيره الإيراني لدى وصولهما إلى السراي الحكومي في بيروت أمس (إ.ب.أ)
TT

أنهى الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد يومه الأول في لبنان بالمزيد من المواقف المثيرة للجدل بمطالبته بـ«فريق مستقل وحيادي لتقصي الحقائق ولكشف حيثيات وعناصر أحداث 11 سبتمبر (أيلول) 2001» التي استهدفت الولايات المتحدة. معتبرا أن الركون لهذا الأمر «يشكل فرصة ومخرجا لائقا بالنسبة لهم»، مشيرا إلى أن «كل نوع من أنواع الممانعة أمام هذا المطلب القانوني والإنساني يبين أن أحداث 11 سبتمبر قد نفذت بتخطيط مسبق ولأهداف معينة». واتهم نجاد من سماهم «القوى المتغطرسة» بالسعي إلى «إيجاد الخلافات في منطقتنا»، واضعا في هذا الإطار «تلفيق الأخبار» لتوجيه الاتهامات لحزب الله في جريمة اغتيال الرئيس الراحل رفيق الحريري. وكان حزب الله وحركة أمل قد نظما ليل أمس احتفالا جماهيريا حاشدا لنجاد في ضاحية بيروت الجنوبية، خالف فيه الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله التوقعات بظهوره المباشر للترحيب بنجاد، مكتفيا بالإشادة فيه عبر شاشة عملاقة نصبت في المكان الذي تجمع فيه عشرات الآلاف من مناصريه. وبعد أن رحب نصر الله بنجاد «باسم أشرف الناس وأطهر الناس»، قال له: «أرحب بكم أخا عزيزا وسندا للمجاهدين والمظلومين، نشم فيك رائحة الخميني ونتلمس منك أنفاس قائدنا الخامنئي، ونرى في وجهك وجوه كل الإيرانيين الشرفاء من أبناء شعبك العظيم الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه».

وكانت ردة فعل «ابن الإمام القائد» أن قاوم بخجل دموع ترقرقت في عينيه وهو يستمع إلى الخطيب وإلى مقدم الاحتفال الخطابي وإلى الفرقة الغنائية يتسابقون للإشادة بثورة بلاده وقائدها، فيما كان أحد أعضاء الوفد الإيراني يقول إن الحفاوة التي يلقاها نجاد تفوق تلك التي تقابله في طهران، مضيفا أن «الرئيس يشعر هنا بأنه بين أهله فعلا بعيدا عن البروتوكول والرسميات».

وكانت الساحة، التي كانت أصلا ملعبا رياضيا قبل أن تتحول إلى مركز لاحتفالات الحزب ومعارضه، قد امتلأت عن بكرة أبيها بجماهير أرادت أن ترى عن قرب ولو عبر الشاشة العملاقة التي نصبت في المكان «أحد أصحاب الفضل في انتصار يوليو (تموز) 2006، كما قال يوسف، الشاب الأربعيني الذي أتى إلى المكان قبل ساعتين من بدء الاحتفال ليضمن موقعا يسمح له برؤية نجاد، فخاب أمله وارتضى الشاشة التي تقول له على الأقل إن الرجل قريب منه، فيما كانت الجماهير تردد العبارة التي أصبحت الأكثر شهرة بين اللبنانيين خلال الأيام الماضية «خوش آمديد».

في الساحة، غنت له فرقة من حزب الله نشيدا أعد له خصيصا باللغتين العربية والفارسية تلقبه بـ«النسر» وترحب به في «معقل الأمجاد». وتقول الأغنية معترفة بفضل الدعم الإيراني: «بكم رسخت مقاومتي وشع بريق ألويتي»، متوجهة إليه كونه «ابن القائد الأعلى (آية الله علي خامنئي) ووريث الراحل الأغلى (الخميني)» لتنتهي إلى وصفه بأنه «خميني التقوى صدقا على الأعداء كالحمم»، ولا ينسى الشاعر أن يقول لنجاد في آخر الأغنية «أهلا بالغد الواعد بلغ سلامنا السيد القائد، وأخبره أن النار باتت تصد النار، وأن المقاوم يحسم الأمر».

وما أن نزل نجاد إلى الساحة للجلوس في الصفوف الأمامية، حتى هاجت الجموع محاولة قطع السياج الحديدي الذي أقامه المنظمون للفصل بين الجمهور والحضور الرسمي.

وقال نصر الله: «في لبنان ما تريده إيران هو ما يريده الشعب اللبناني، الذي يتطلع إلى أن يكون شعبا مستقلا سياديا، حاضرا في المعادلة الإقليمية، وليس هناك مشروع إيراني آخر. أنا في هذه المسؤولية في حزب الله، أشهد أمامكم أن إيران التي كانت دائما تدعمنا وما زالت لم تطلب مني في يوم من الأيام موقفا ولم تصدر أمرا ولم تتوقع منا شكرا، مع أننا نفتخر بإيماننا العميق بولاية الفقيه العادل والحكيم والشجاع». وشدد نصر الله على أنه «ليس لدى إيران مشروع خاص، مشروعها في لبنان هو مشروع اللبنانيين، كذلك في فلسطين والمنطقة العربية، وما تقوم به إيران في منطقتنا أنها تؤدي واجبها الإلهي وهي منسجمة مع عقيدتها ودينها».

واستغرب نصر الله أن يكون «هناك من يروج دائما أن إيران مصدر الفتنة، وتسعى إلى تمزيق الصفوف»، وقال: «هنا يجب أن نشهد أن الجمهورية الإيرانية الإسلامية هي من أهم الضمانات الكبرى اليوم في عالمنا الإسلامي لتعطيل الحروب ونصرة الشعوب. الكلمة الأخيرة هي كلمة شكر لإيران، يا سيادة الرئيس نشكركم على زيارتكم ومحبتكم، نشكركم على شجاعتكم وحكمتكم، وتواضعكم الجم وخدمتكم لشعبكم وقضايا أمتنا، نشكركم على مساندتكم في كل الصعاب، وأنت لا تطلب شكرا، نشكركم لحضوركم في أرض الضاحية، أرض المقاومة والصمود».

ثم ألقى الرئيس الإيراني كلمة استهلها بالإعراب عن سروره بوجوده في «لبنان وهو مدرسة المقاومة والصمود أمام جبابرة هذا العالم» مشيرا إلى أن «عالمنا يقف اليوم على عتبة تغيير كبير بدأت ملامحه من منطقتنا هذه بالذات». وقال: «أنتم تدركون جيدا أن المتغطرسين والمهيمنين توسلوا القوة المادية والتزييف والعنف منذ عشرات لا بل منذ مئات السنين من أجل بسط سيطرتهم، واتخذوا من منطقتنا منصة نحو إخضاع العالم بأجمعه. هؤلاء لم يقفوا عند أي حد ولم يرضوا بأقل من تطويع المنطقة لإرادتهم. ومن وجهة نظر هؤلاء المسلم والمسيحي واليهود وكل موحد حقيقي ينشد العدالة يعتبر على حد سواء وينظر إليه كعدو». وأضاف: «الحقيقة هي أن المستعمرين والمستعبدين السابقين بعدما أن منوا بهزيمة نكراء بادروا إلى تغيير جلدهم وتلوين شعاراتهم ولكن الأهداف المتوخاة ما زالت على حالها». وتابع: «أمعنوا النظر جيدا فهل تجدون في سجل الصهاينة سوى الجرائم والجنايات؟ وأنتم ترون بأم العين أن قتل الرجال والنساء والأطفال في فلسطين واستخدام الأسلحة المحظورة والاغتيالات المعلنة سلفا ومهاجمة المدنيين وقوافل المساعدات في المياه الدولية وارتكاب جرائم الحرب في لبنان وفلسطين، كل هذه الفظائع تحولت إلى أمور عادية وخبز يومي بالنسبة لهؤلاء».

ورأى نجاد أن «الكيان الصهيوني هو وثيقة معبرة عن مخاتلة النظام الرأسمالي والأفكار المادية وتجسيد لها، والدليل الساطع هو إجماع الدول المتغطرسة على تقديم الدعم المطلق لهؤلاء، وكل هذه الدول تعتبر هذا الكيان عامل اتحادها وأداة سيطرتها على هذا العالم ولذا قامت بتزويده بالسلاح النووي». واتهم نجاد هذه القوى بالسعي إلى «إيجاد الخلافات في منطقتنا، ففي لبنان نجد أن يد الغدر الآثمة قد امتدت إلى صديق عزيز وشخصية غيورة على وطنها (الرئيس الأسبق للحكومة رفيق الحريري) ثم نرى كيف تلفق الأخبار لتوجيه الاتهامات إلى بقية الأصدقاء سعيا للوصول إلى مرام باطلة عبر زرع بذور التشرذم. يريدون الإيقاع بين شعوب تتألف من فئات وأديان متنوعة عاشت مع بعضها بمحبة ووئام، يريدون إلحاق الأذى بالعلاقات الأخوية بين الشعوب، كالعلاقة بين الشعبين اللبناني والسوري».

ووجه نجاد انتقادات عنيفة إلى الأميركيين الذين «تذرعوا بأحداث 11 سبتمبر ليهاجموا أفغانستان، ثم احتلوا العراق بحجج واهية ودمروا كل بناه التحتية وقتلوا مئات الآلاف من الناس»، وقال: «عندما ننظر إلى أبعاد ما قام به المحتلون في أفغانستان والعراق، ومؤخرا في باكستان، ندرك جيدا أن هدفهم ليس محاسبة من تسببوا في أحداث 11 سبتمبر بل ذريعة للتواجد في المنطقة لمتابعة الأهداف الاستعمارية بعينها، إن معرفة حقيقة ما جرى في 11 سبتمبر وفحص الصندوق الأسود من شأنه حل الكثير من المشكلات، ومن هنا أعلن أن تشكيل فريق مستقل وحيادي لتقصي الحقائق ولكشف حيثيات وعناصر أحداث 11 سبتمبر هو مطلب كل شعوب المنطقة والعالم». وتوجه إلى الساسة الأميركيين ومن يتحالف معهم بالقول «إن الركون لهذا الأمر يشكل فرصة ومخرجا لائقا بالنسبة لهم أيضا، وكل نوع من أنواع الممانعة أمام هذا المطلب القانوني والإنساني يبين أن أحداث 11 سبتمبر قد نفذت بتخطيط مسبق ولأهداف معينة»، وشدد على أن «أفضل مخرج لمحتلي أفغانستان والعراق هو ترك المنطقة والاعتذار من الشعوب، وإذا لم يلتفتوا إلى هذه النصيحة فإن يد شعوب المنطقة سوف تطردهم من المنطقة طردا ذليلا، وستضع الجناة في قبضة العدالة».

* مظاهرة إسرائيلية ضد نجاد.. وبالونات زرقاء

* حلق الطيران الحربي الإسرائيلي بشكل دائري بعد ظهر أمس فوق الجنوب، ملقيا وراءه سحبا من الدخان الأبيض، مترافقا مع تحليق لطيران الاستطلاع فوق مدينة بنت جبيل التي ستستقبل نجاد اليوم.

وأطلق مستوطنون إسرائيليون، تظاهروا قرب الحدود اللبنانية احتجاجا على زيارته، بالونات زرقاء اللون باتجاه الأراضي اللبنانية، لكن الهواء أعادها جميعا باتجاه مستعمرة المطلة.

وقد بلغ عدد المستوطنين نحو 50 شخصا، لم يقتربوا من السياج الشائك الفاصل بين لبنان وفلسطين، بل ابتعدوا عنه مسافة كيلومتر وأكثر.

* أغان إيرانية - عربية نظمها حزب الله للترحيب بنجاد

* «أهلا وسهلا حامل البشرى، عمت بلادي فرحة كبرى. يا مرحبا بنجاد في معقل الأمجاد، في أرض نصر أثلج الصدر».

بهذه الكلمات المغناة رحب حزب الله بالرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد. فصدحت أصوات مستقبلي الضيف الإيراني على طريق المطار، وفي ملعب الراية في ضاحية بيروت الجنوبية ترددت هذه الكلمات باللغتين العربية والإيرانية، بالإضافة لأناشيد أخرى نُظمت للمناسبة. ولم تغب أناشيد حزب الله عن حرب 2006 عن الاحتفالات، فعمدت وسائل إعلام حزب الله إلى تكرارها مرارا مع لقطات وصول الرئيس نجاد والاستقبال الشعبي الحاشد الذي لاقاه.