محادثات رسمية لبنانية إيرانية في قصر بعبدا يتخلّلها توقيع اتفاقيات تعاون

نجاد: لبنان محور مهم للمقاومة والصمود أمام القوى التوسعية * سليمان: نؤيد حق طهران في استخدام الطاقة النووية السلمية

الرئيس الإيراني يضع إكليلا من الزهور على نصب الشهداء في الوسط التجاري للعاصمة اللبنانية بيروت (أ.ف.ب)
TT

أثنى الرئيس اللبناني ميشال سليمان، بعد محادثات رسمية أجراها في قصر بعبدا مع نظيره الإيراني محمود أحمدي نجاد، على «وقوف إيران إلى جانب لبنان في وجه الاعتداءات الإسرائيلية»، وأكد «حرص الدولة اللبنانية على تنفيذ القرار 1701 بكل مندرجاته، وانسحاب إسرائيل من الأراضي اللبنانية التي ما زالت تحتلها»، مشددا على «صون الوحدة الوطنية اللبنانية بما يساعد على مواجهة المخاطر والمؤامرات الهادفة إلى زرع الفتنة بين اللبنانيين ونشرها في المنطقة»، ومؤيدا «حق إيران في استخدام الطاقة النووية السلمية».

أما الرئيس الإيراني فجدد دعم بلاده للبنان، وأكد أن «صمود لبنان في وجه العدو الصهيوني يستحق المديح، وهو مبعث فخرٍ لجميع أبناء المنطقة»، وقال «نحن واللبنانيون شعبان نطلب العدالة ولدينا أعداء مشتركون، وندعم لبنان في تحرير أرضه المحتلة»، داعيا في الوقت نفسه إلى «حلّ القضية الفلسطينية على أسس العدالة، وأن يعود الفلسطينيون إلى ديارهم»، وطالب بـ«منطقة ملؤها الهدوء والاستقرار والتطور، وهذه المنطقة لا تحتاج إلى تدخل القوى الإقليمية والأجنبية».

وقبيل إقلاع طائرته والتوجه إلى بيروت، أعلن نجاد من مطار طهران، أن «لبنان هو محور مهمّ للمقاومة والصمود أمام القوى التوسّعية»، واصفا العلاقات بين إيران ولبنان بـ«المتجذّرة»، وقال إن زيارته «تهدف إلى تعزيز العلاقات السياسية والاقتصادية والعلمية والثقافية والسياحية بين البلدين والتباحث مع المسؤولين اللبنانيين حول العديد من القضايا الإقليمية والدولية».

وكان نجاد وصل عند العاشرة إلا ربعا في موكب رئاسي إلى القصر الجمهوري في بعبدا، حيث استقبله عند المدخل رئيس الجمهورية ميشال سليمان، وتوجها إلى المنصة الرئاسية وأطلقت المدفعية 21 طلقة ترحيبا بالضيف، وعُزف النشيدان الوطنيان الإيراني واللبناني، وبعدها استعرض الرئيسان حرس الشرف، ثم صافح نجاد الشخصيات اللبنانية التي اصطفت لاستقباله، بعدها قدم الضيف الإيراني إلى الرئيس سليمان أعضاء الوفد الرسمي المرافق له وأركان سفارة إيران في لبنان وتوجها إلى مدخل القصر حيث قدم طفلان يرتديان لباس التراث اللبناني باقتين من الزهر إلى الرئيسين. ثم انتقل سليمان ونجاد إلى صالون السفراء على السجاد الأحمر بين ثلة من لواء الحرس الجمهوري ليعقدا لقاءً ثنائيا بحضور السفير الإيراني غضنفر ركن آبادي بصفته مترجما. وتوجه أعضاء الوفد الرسمي الإيراني ونظراؤهم اللبنانيون إلى قاعة مجلس الوزراء حيث انضم إليهم لاحقا الرئيسان سليمان ونجاد، وعقدت قمة المحادثات الموسعة بحضور رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري أعقبها توقيع على الاتفاقيات. وإثر انتهاء اللقاء الموسع توجه الرئيسان إلى حديقة الرؤساء يرافقهما الحريري حيث غرس نجاد أرزة الصداقة اللبنانية الإيرانية ووقّع بعدها على السجل الذهبي في صالون السفراء.

وبعد انتهاء المحادثات الموسعة عقد الرئيسان اللبناني والإيراني مؤتمرا صحافيا مشتركا، فتحدث بداية الرئيس ميشال سليمان الذي عبّر عن سعادته «للقاء»، وقال «لقد أجرينا محادثات ذات اهتمام مشترك، واستعرضنا الأمور التي تخص بلدينا من دولة إلى دولة مما يخدم المصلحة المشتركة لبلدينا، وشكرته على وقوف إيران الدائم إلى جانب لبنان في وجه الاعتداءات الإسرائيلية الدائمة». وأكد أن «لبنان استطاع دحر العدوان الإسرائيلي بفضل شعبه وجيشه ومقاومته، ولبنان حريص على العمل لإجبار إسرائيل على تنفيذ مقررات الأمم المتحدة». وأوضح أنه «تم التوقيع على مذكرات التفاهم ولا سيما في مجال الاقتصاد والتجارة والبيئة والمياه والكهرباء، كما تم التأكيد على صون الوحدة الوطنية مما يساعد على مواجهة المخاطر والمؤامرات التي تسعى لزرع الفتنة بين اللبنانيين ونشر بذور الفوضى والتشرذم في المنطقة ككل».

وشدد سليمان على «حرص لبنان على تنفيذ القرار 1701 في جميع مندرجاته ولا سيما الانسحاب الكامل وغير المشروط من جميع الأراضي اللبنانية التي ما زالت تحت الاحتلال»، لافتا إلى أن المحادثات «تطرقت إلى الإرهاب الدولي والفرق بينه وبين المقاومة»، مؤكدا على «حق الدول في الاستخدام السلمي للطاقة النووية وحق إيران باستعمالها». مثنيا على «الدعم والمشاعر الطيبة الذي خص بها لبنان ومسؤوليه»، وقال: «نبادل الشعب الإيراني والرئيس نجاد نفس المشاعر، واللبنانيون يرحبون بزيارة الرئيس نجاد إلى لبنان ويتطلعون إلى علاقات وثيقة وجيدة كما كانت عبر التاريخ علاقات مميزة بين اللبنانيين والإيرانيين».

وأضاف سليمان «نحن بصدد توقيع اتفاقيات أخرى وسنوقعها في أسرع وقت ممكن، وهذه شملت وستشمل كافة المواضيع وسنبحث في كيفية إيصال الغاز إلى لبنان واستيراد الكهرباء من إيران إلى لبنان وهذه ستتم عبر دول أخرى مثل تركيا، وسنبحث موضوع تزويد لبنان ببعض المشتقات النفطية»، مشيرا إلى أن «هذا الأمر ليس بمستغرب لأن إيران وقفت دائما إلى جانب لبنان ونحن نعبر عن الشكر لوقوفها إلى جانبنا في تصدينا لإسرائيل وقد وقفت إلى جانبنا في حرب تموز وساهمت في الإعمار».

ثمّ تحدث الرئيس الإيراني نجاد، فاعتبر أن «لبنان يتميز بموقع رفيع على المستوى العالمي»، لافتا إلى أن «صمود لبنان مقابل العدو الصهيوني يستحق المديح، وهو مبعث الفخر لجميع أبناء المنطقة ويمثل لواء العزة والحرية». وقال: «نحن شعبان نطلب العدالة، ولدينا مصالح مشتركة ولدينا أعداء مشتركون». وأضاف «لا بد أن تحل القضية الفلسطينية على أسس العدالة وأن يعود أبناء فلسطين إليها، وأن تحرر كافة الأراضي المحتلة، كما أننا ندعم لبنان كاملا وندعو إلى تحرير كل الأراضي المحتلة في لبنان وسورية». وطالب بأن «يكون لبنان متحدا وقويا، ونقف إلى جانب الحكومة والشعب كي يحقق هذا الشعب كامل أهدافه». وإذ رأى أن «منطقتنا لا تحتاج إلى تدخل القوى الإقليمية والأجنبية»، طالب بـ«منطقة ملؤها الهدوء والاستقرار والتطور، وأن يكون لهذه المنطقة علاقات جيدة مع كافة الدول».

وقدم نجاد شكره للرئيس سليمان لأنه «رئيس قوي»، كما شكر «رئيس مجلس النواب نبيه بري، وأخي العزيز الرئيس سعد الحريري لأنه يعمل لسيادة استقلال لبنان». وختم نجاد «سيقف الشعب الإيراني إلى جانب الشعب اللبناني الأبي الصديق، كما اتفقنا مع الرئيس سليمان على تكثيف الاتصالات بيننا، وتبادل الزيارات مع كبار المسؤولين لنصل إلى الذروة في العزة وفي الإعمار».

وعلى إثر انتهاء المؤتمر الصحافي انتقل الرئيس نجاد إلى صالون السفراء وعقد لقاءً مع رئيس المجلس النيابي نبيه بري، أعقبه اجتماع مماثل مع رئيس الحكومة سعد الحريري. ثم عقد الرئيسان سليمان ونجاد لقاء ثانيا في صالون السفراء أعقبته مصافحة المدعوين إلى حفل الغداء، الذي أقامه الرئيس اللبناني على شرف نظيره الإيراني في القصر الجمهوري.

وفي كلمة ألقاها خلال مأدبة الغداء أكد الرئيس ميشال سليمان، أن «لبنان يحفظ لإيران وقوفها الدائم معه وإلى جانب قضاياه المحقة في مواجهته الاعتداءات الإسرائيلية الدائمة»، وأشار إلى أن لبنان «الذي يسعى لإجبار إسرائيل على تطبيق القرار 1701، يحتفظ بحقه في استرجاع أو تحرير أراضيه بجميع الطرق المتاحة والمشروعة». وأضاف أن « المحافظة على بلدنا هي في وحدتنا الوطنية وفي المؤسسات الشرعية وفي أسس العيش المشترك ووفق الوفاق الذي قام عليه لبنان منذ إنشائه». وأشار إلى أنه «إلى جانب التعاون السياسي يسعدنا أن يأخذ التعاون جوانب أخرى، وقد وقعنا هذا الصباح (أمس) على مجموعة كبيرة من الاتفاقات، إن اجتماعنا أكد تعزيز علاقة التعاون والصداقة القائمة بين بلدينا».

وردّ نجاد بكلمة أبدى فيها شكره وتقديره على الاستقبال الذي لقيه في لبنان، مؤكدا أن «علاقات الصداقة تاريخية ومتجذرة بين إيران ولبنان خصوصا في المجال الثقافي المتميز». وقال: «ننظر إلى المواقف المشتركة السياسية والاستقلال وحرية الفكر كجهود تبذل حاليا من أجل التطور المادي والمعنوي، والوجود في هذه المنطقة بفرصها وتحدياتها المشتركة التي يواجهها بلدانا مما يعزز التواصل بيننا».

يذكر أن رئيس المجلس النيابي نبيه بري مثّل الرئيس اللبناني في استقبال نجاد على أرض مطار رفيق الحريري الدولي في بيروت، وقد رحّب بري في تصريح ألقاه في صالون الشرف بالرئيس الإيراني، وقال: «قبل وصول طائرتكم قلت إن هذه الزيارة هي جدا مهمة بالنسبة للأصدقاء، ولكنها أصبحت أكثر أهمية بفضل أعدائنا، فأحيانا العدو يخدم أكثر من الصديق». وخاطب بري نجاد قائلا: «فخامة الرئيس أنت شاغل الدنيا ومالئ الناس في لبنان منذ أن أعلن عن هذه الزيارة، الحمد لله على السلامة، ولبنان كل لبنان وخصوصا الجنوب متعطش لرؤيتكم». فرد نجاد شاكرا لبري على هذا الاستقبال والترحيب وقال: «إنني بين إخواني وأنا أعتز بذلك كثيرا... لدينا مثل فارسي يقول: إن العدو يصبح سبب خير إذا أراد الله، إن الأعداء دائما يتوحشون عندما يرون أن الأصدقاء يستمتعون مع بعضهم البعض».

وقالت مصادر الوفد الإيراني المرافق لـ«الشرق الأوسط»: «الرئيس الإيراني تأثر كثيرا بالاستقبالات الشعبية التي أقيمت له عند وصوله وهو كعادته يولي كل الاهتمام لوجود عوائل الشهداء في الاحتفالات التي تقام على شرفه ويفضل التكريم الشعبي على ألف تكريم رسمي». وأوضحت المصادر عينها أن «نبرة نجاد وخطابه الدبلوماسي في قصر بعبدا مختلفان بالطبع عن نبرته وفحوى خطابه في الاحتفال الشعبي في ملعب الراية لأن لكل مقام مقالا».