نهاية «سعيدة» لمأساة المحاصرين في تشيلي.. والعالم تابع العملية لحظة بلحظة

عامل وصف رحلة الكبسولة بـ«الممتعة».. وآخر أجهش بالبكاء عند لقاء زوجته

عامل المنجم ماريو غوميز يلوح بيديه بعد إخراجه إلى سطح الأرض، أمس (أ.ب)
TT

تابع العالم أمس بارتياح النهاية السعيدة لمأساة العمال الـ33 الذين بقوا لأكثر من شهرين محتجزين في قاع منجم سان خوسيه في تشيلي. فقد توالت طوال يوم أمس، عملية انتشال كل عامل في أقل من 15 دقيقة داخل كبسولة معدنية قطرها 53 سم تم سحبها من عمق 652 مترا. وقد أفادت السلطات أمس بأنه يتوقع للعملية التي كانت بدأت في حدود منتصف الليلة قبل الماضية، أن تستغرق نحو 24 ساعة.

كان العامل المنجمي فلورينسيو افالوس، أول من وصل إلى سطح الأرض واستنشق الهواء لأول مرة منذ 69 يوما. وبعد أن عانقه وقبله الأقارب، بدا افالوس بصحة جيدة بعد رحلة سالمة إلى السطح استمرت 15 دقيقة. ثم عانقه بعد ذلك الرئيس التشيلي سيباستيان بينيرا الذي أمر بإصلاح أنظمة السلامة بالمناجم بينما أخذ الحضور يهتفون «تحيا تشيلي».

وكان الناجي الثاني هو العامل ماريو سيبولفيدا الذي علت صرخاته الفرحة وصعدت إلى السطح قبل أن يخرج ضاحكا من كبسولة الإنقاذ لتحيط به ضحكات أقاربه الذين كانوا ينتظرونه. ثم جرى إنقاذ الرجل الثالث، وهو الجندي السابق جوان إلانيس بالما (52 عاما)، ووصف وجوده في الكبسولة بأنه «رحلة ممتعة». أما العامل الخامس، الذي تم إنقاذه فيدعى جيمي سانشيز وهو أصغر العمال المحاصرين (19 عاما)، غير أنه بدا في حالة صحية أسوأ نسبيا ممن سبقوه. وبعده، خرج عثمان ارايا (30 عاما)، العامل السادس إلى سطح الأرض واحتضن زوجته وأجهش بالبكاء. وكان هذا الرجل قد أغمي عليه خلال مكوثه في المنجم. ثم توالت عمليات الإنقاذ وشملت 16 عاملا، بينهم البوليفي الوحيد ضمن المجموعة، بحلول عصر أمس. وصممت الكبسولة المخصصة لإنقاذ العمال، على شكل رصاصة وأطلق عليها اسم «فينيكس» نسبة إلى الطائر الأسطوري.

وبعد انتشال ثمانية عمال، صرح وزير الصحة التشيلي خايمي مناليك إن صحة كل من جرى إنقاذهم «جيدة». وأوضح أنهم كانوا قد عانوا من زيادة في ضربات القلب وارتفاع في ضغط الدعم لكن الأطباء ليسوا قلقين من ذلك. وقد خضع أول عاملين تم إنقاذهما لفحوصات من قبل أطباء جلدية وعيون في مستشفى إقليمي في كوبيابو كما أجريت لهما أشعة. وصرح مناليك مسبقا أن الحالات الأكثر تعقيدا هي للعمال الذين سيخرجون ضمن دفعة لاحقة، لأنهم يعانون من مشكلات صحية ومنهم الأكبر عمرا ماريو جوميز. وقال إن عمال المناجم تحت الأرض يشعرون بالتعب، وذلك يرجع بصورة أساسية لأنهم لم يحظوا بفترة نوم كافية خلال الأيام الماضية. وأضاف: «إنني أعتقد أن العملية بأكملها تسير بصورة أفضل من المخطط له».

وقد وصل الرئيس البوليفي ايفو موراليس أمس إلى المكان للترحيب بمواطنه كارلوس ماماني. وبالفعل، التقى موراليس مع ماماني وعائلته، بحضور الرئيس التشيلي سيباستيان بينيرا، ووزير الصحة خايمي ماناليش. وعرض الرئيس موراليس على ماماني وظيفة ومنزلا في بوليفيا إذا رغب بالعودة إلى بلاده. لكن ماماني قال إنه يريد البقاء في تشيلي، على الأقل لبضعة أيام. ويعتزم العامل البوليفي لقاء عمال المناجم الآخرين، بعد انتشالهم جميعا. وأكد الرئيس البوليفي موراليس أن بلاده لا تعرف كيف «تدفع دينها» لتشيلي «للجهود التي بذلتها». وأضاف: «إنه لأمر تاريخي وغير مسبوق ولا يوصف أن يتم إنقاذ هذا العدد من العمال أحياء وبينهم شقيقنا كارلوس».

وقبل بدء عملية انتشال العمال، كانت فرق الإنقاذ أجرت تجارب في آخر لحظة أخرت لعدة ساعات بدء العملية. وفي البداية، نزل المنقذ مانويل غونزاليس إلى قاع المنجم حيث استقبله العمال الـ33 بالتصفيق أمام كاميرا تم نصبها في المكان. ثم تجمع العمال من حوله للاستماع إلى توجيهاته في ورشة أقيمت تحت الأرض رفع فيها علم تشيلي. بدأ غونزاليس مساعدة أول العمال على اتخاذ موقعه في الكبسولة. وقد وضع المنقذون ترتيب صعود العمال مسبقا على قاعدة إعطاء الأولوية للأكثر «مهارة» ثم «الأضعف» وأخيرا «الأقوى» القادرين على تحمل طول الانتظار.

وكان العمال وهم 32 تشيليا وبوليفي واحد، علقوا في منجم النحاس والذهب بسان خوسيه في صحراء اتاكاما (شمال)، في الخامس من أغسطس (آب) إثر انهيار. وبالإضافة إلى 800 شخص من أقارب وأصدقاء العمال، تدفق أكثر من ألفي صحافي من العالم بأسره إلى الموقع لتغطية «النهاية السعيدة» لعملية نجاة تحت الأرض غير مسبوقة.

وخلال شهرين أصبح العمال الـ33 نجوما عالميين فأرسلت لهم قمصان موقعة من نجوم عالميين لكرة القدم ومسبحات مباركة من البابا بنديكتوس السادس عشر وأجهزة «آي بود» أهداهم إياها رئيس شركة «آبل» ستيف جوبز لمساعدتهم على تحمل معاناتهم التي أصبحت مصدر إلهام لمخرجين سينمائيين.

يذكر أنه بعد سبعة أيام من حدوث الانهيار، اعتبر وزير المناجم لورنس غولبورني أن فرص العثور على العمال أحياء «ضئيلة جدا». لكن تحت ضغط الأهالي الذين اعتصموا في المكان غداة حدوث الانهيار، واصل رجال الإنقاذ جهودهم حتى تمكن مسبار في 22 أغسطس الماضي من التقاط رسالة كتبت على ورقة تحمل عبارة أصبحت شهيرة «نحن بخير جميعنا الـ33 في الملجأ» تحت الأرض.