رغم نجاتها من العمليات الإرهابية لا تزال ألمانيا مرتعا خصبا للجهاديين

هامبورغ أصبحت مقصدا للراديكاليين الإسلاميين رغم إغلاق مسجد القدس

TT

تروج مدينة هامبورغ الساحلية الثرية لقنواتها وجسورها وكنائسها ذات الأبراج التي تعود إلى القرن التاسع عشر لجذب الزائرين من جميع أنحاء العالم.

من ناحية أخرى لا ترغب السلطات في المدينة في جذب مزيد من الاهتمام إلى مسجد القدس حيث كان يصلي محمد عطا أحد خاطفي الطائرات التي ضربت برجي مركز التجارة العالمي في الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) والذي أصبح مقصدا للسياحة الجهادية، فأصدرت السلطات المحلية في الولاية أمرا بإغلاق المسجد، هذا الصيف، نهائيا بعد أن أعيد تسميته بمسجد طيبة.

وعلى الرغم من نجاة ألمانيا من الهجمات التي أصابت الولايات المتحدة وبريطانيا وإسبانيا لا تزال مدينة هامبورغ - وألمانيا كلها - مرتعا خصبا للراديكاليين الإسلاميين، على حسب اعتراف مسؤولي الأمن بها.

فقد أكدت عمليات الاعتقال الأخيرة والتهديدات الإرهابية في أوروبا وأفغانستان المخاطر التي يشكلها عدد قليل من المواطنين الألمان العازمين على شن مجموعة جديدة من الهجمات سواء في ألمانيا أو في مناطق أخرى في أوروبا.

ويؤكد المسؤولون في هامبورغ أن الغالبية العظمى من السكان المسلمين - الذين يقدر عددهم بنحو 130 ألف شخص - يرفضون العنف. لكن مسؤولا في الاستخبارات الألمانية قال إنه هناك ما يقرب من 2000 شخص يعتنقون الآيديولوجية الراديكالية وإن 45 آخرين يعتنقون فكر القاعدة الجهادي.

وقال مسؤول الاستخبارات، الذي تحدث مشترطا عدم الكشف عن اسمه بسبب الطبيعة السرية لعمله: «بعد كل ما شاهدناه في الولايات المتحدة والدول الأخرى، يمكننا القول إن هذه الظاهرة من الإرهابيين الذين تربوا في الداخل هنا تنمو سريعا. وهذا النوع من التطرف ينمو هنا الآن، حيث تجري عملية التجنيد والردكلة هنا لا في دول أخرى».

جدير بالذكر أن الأحداث الأخيرة أصابت المواطنين الألمان بالخوف من الإرهاب. ففي يوليو (تموز) اعتقلت القوات الأميركية في أفغانستان مواطنا ألمانيا يدعى أحمد صديقي، 36 عاما، قيل إنه كانت له صلات بالجماعة التي نفذت هجمات سبتمبر، وجاءت عملية الاعتقال بعد التحذير من هجمات إرهابية الذي أصدرته واشنطن بناء على معلومات من صديقي. ويقول المسؤولون الباكستانيون إن الكثير من المواطنين الألمان لقوا مصرعهم في هجمات الطائرات من دون طيار في الشريط القبلي في باكستان.

وقد أصدر الجيش الأميركي مؤخرا تحذيرا بحق شاب ألماني يبلغ من العمر 23 عاما، يشتبه في انضمامه إلى مجموعة تدعى مجاهدي طالبان ألمانيا. وقد أصدرت سلطات إنفاذ القانون الفيدرالية أمر اعتقال بحق الرجل المدعو هايرتن برهان سورلاند وسط مخاوف من إمكانية عودته من الحدود الباكستانية الأفغانية لشن هجمات في ألمانيا ربما ضد أفراد عسكريين أميركيين.

وقال مسؤولون ألمان إن التحذيرات لا ترقى إلى تهديد معين وإن النوايا والقدرات الموجودة لدى هؤلاء الذين ألقي القبض عليهم لا تزال غير واضحة، فقد انتقدوا علانية القرار الذي اتخذته الولايات المتحدة في إصدار تحذير لمواطنيها بعدم السفر إلى أوروبا، مشيرين إلى أن هذه التصريحات تصب في صالح الإرهابيين وتخيف الأفراد دون داع. وقال وزير الداخلية الألماني توماس دي مايزير، في مقابلة إذاعية: «ما من شك في أن ألمانيا مستهدفة من قبل الإرهابيين، لكن من ناحية أخرى ما من دليل ملموس وقوي على إمكانية وقوع هجمة».

على الرغم من ذلك قال مسؤول الاستخبارات إن ألمانيا تواجه بالفعل «خطرا مبهما قويا» من الإرهاب الراديكالي الذي تربى في ألمانيا. وقد صرحت وزارة الداخلية هذا الأسبوع بأنها قامت بتعيين 200 محقق إضافي للاضطلاع بالتركيز على الإرهاب.

ويقول المسؤولون الألمان إن مئات من المواطنين والسكان المقيمين بصورة شرعية قد سافروا إلى هذه المنطقة الحدودية بين باكستان وأفغانستان وإن أكثر من 100 منهم عادوا إلى ألمانيا. وكان هناك طوفان من البيانات التي تأتي من الاستخبارات الألمانية وعمليات الشرطة التي توضح المخاوف المتزايدة من ردكلة الشباب العائدين من معسكرات الإرهاب،إلى ألمانيا لتنفيذ هجمات.

وتحدثت صحيفة «دير شبيغل» الألمانية أن الشرطة الفيدرالية حددت 131 شخصا يعتقد أنهم مستعدون لتنفيذ أعمال عنف. وتشير الوكالات الأمنية الإرهابية إلى أنه خلال العقدين الماضيين، تلقى ما يقرب من 215 مواطنا أو مقيما بصورة شرعية تدريبا شبه عسكري أو توافرت لديهم النية في القيام بذلك، وأن 65 منهم أنهوا التدريب بالفعل وأن هناك نحو 105 من بين الـ215 موجودين في ألمانيا منهم 15 في السجن.

بيد أن هذه الأرقام الدقيقة تؤكد حقيقة أن المسؤولين الألمان يناضلون لفهم الكيفية التي ينجذب بها المسلمون المسالمون للراديكاليين في هذه المناطق النائية. ويقول رولف توفوفين، مدير معهد السياسات الأمنية وأبحاث الإرهاب في إيسن، عن هذه الإحصاءات: «هؤلاء من يسمون بالإرهابيين، والأشخاص المشتبه بهم. أما غير المعروفين، فلا يذهبون إلى المسجد للصلاة لأنهم يخافون من اكتشاف أمرهم، لا يعقدون اجتماعات في المؤسسات الدينية، وربما يجتمعون في أحد المنازل الخاصة، وهذا هو القلق الأكبر».

كانت ألمانيا قد استيقظت للمرة الأولى على هذه الحقيقة عام 2001، عندما علمت أن الرجال الثلاثة الذين كانوا يصلون في مسجد في هامبورغ، كانوا القادة الذين نفذوا أحداث الحادي عشر من سبتمبر، من بينهم محمد عطا الذي قاد إحدى الطائرات التي اصطدمت بمركز التجارة العالمي. طفت هذه الذكريات إلى السطح مرة أخرى بعدما اعتقلت القوات الأميركية صديقي، المواطن الألماني ذو الأصول الأفغانية الذي عمل من قبل في مطار هامبورغ. وقال مسؤول الاستخبارات الألماني إن صديقي كان يخضع لمراقبة على مدى سنوات وإنه كان يتردد على مسجد القدس في هامبورغ مثل محمد عطا. وأوضح المسؤول أن صديقي كان أيضا صديقا لمنير المتصدق الذين أدين عام 2006 على دوره في مساعدة خاطفي طائرات 11/9. وقال مسؤول هامبورغ إن صديقي كان واحدا من بين 11 شخصا في هامبورغ سافروا إلى باكستان عام 2009 للقتال إلى جانب الجماعات الإسلامية الراديكالية في الخارج لا في الداخل.

جاء قرار إغلاق مسجد هامبورغ لمنع الراديكاليين من اتخاذه معلما لحشد الأفراد من أجل القضية، لكن مسؤولي الاستخبارات وخبراء الإرهاب أكدوا أن إغلاق المسجد لن يعمل على التخلص من الأفراد الذين تمت ردكلتهم بالفعل، لكنه سيدفعهم إلى العمل في الخفاء بدلا من ذلك. وأضاف توفوفين: «هناك بعض الاضطراب في مجتمع الاستخبارات الألماني، من أنهم لم ينتبهوا إلى مجتمع المقاتلين الإسلاميين، الذين لم يدركوا أنهم موجودون هنا داخل ألمانيا، يعملون كخلايا إرهابية نائمة، ومن ثم فهم قلقون من إمكانية وقوع ذلك».

*خدمة «نيويورك تايمز»