واشنطن تساعد طالبان على المشاركة في محادثات حول السلام في كابل

للتشجيع على تسوية سلمية وإنهاء الحرب داخل أفغانستان

TT

سمحت قوات بقيادة الولايات المتحدة لقيادات بارزة في جماعة طالبان بالتحرك لحضور محادثات مبدئية حول السلام في كابل، في أوضح المؤشرات حتى الآن على الدعم الأميركي للمناقشات رفيعة المستوى الرامية لإنهاء الحرب داخل أفغانستان، حسبما ذكر مسؤولون بارزون في حلف الناتو وإدارة أوباما.

وفي الوقت الذي يشارك أعضاء بارزون بطالبان في المحادثات، شدد مسؤولون على أن المحادثات مبدئية، وعجزوا عن تحديد مدى جدية المتمردين - أو حكومة الرئيس حميد كرزاي الواهنة - حيال الرغبة في التوصل لاتفاق.

إلا أن التعليقات الصادرة عن مسؤولين بإدارة أوباما في واشنطن ومسؤول رفيع المستوى في الناتو في بروكسل، أول من أمس الأربعاء، توحي بأن الولايات المتحدة تبذل مزيدا من الجهد للتشجيع على تسوية سلمية في أفغانستان عما كشفه مسؤولون من قبل، وربما يعكس ذلك تنامي مشاعر التشاؤم حيال إمكانية أن يثمر تعزيز القوات الأميركية هناك مكاسب حاسمة ضد حركة التمرد التي تشنها طالبان.

وأكد مسؤول بحلف الناتو على أنه «جرت محاولات تقارب من جانب أعضاء بارزين للغاية في طالبان نحو أعلى مستويات الحكومة الأفغانية». وقال: «رغم أن المحادثات ما تزال مبدئية، فإن إمكانيات التوصل عبر المفاوضات لتسوية للحرب المستعرة منذ تسعة سنوات، مغرية بما يكفي لأن نجد مسؤولين من الدول الأعضاء في الناتو المشاركة بأفغانستان (قد عمدوا بالفعل إلى تيسير الاتصالات بدرجات متنوعة) عبر السماح لزعماء طالبان بالانتقال إلى العاصمة الأفغانية».

وقد حاول كرزاي على مدار عدة شهور إقناع قيادات طالبان بالانضمام لحكومته، وتكثفت هذه الجهود أواخر العام الماضي بعد إعلان الرئيس أوباما عزمه الشروع في خفض أعداد القوات الأميركية في أفغانستان بحلول صيف 2011. وقد أصر مسؤولون أميركيون من قبل على أن مثل هذه المحادثات ليست سوى حدث هامشي بالنسبة للجهود المرتبطة بالحرب الأساسية، وأنها من غير المحتمل أن تثمر نتائج حتى تسفر هجمات الناتو المكثفة عن إنهاك طالبان.

الآن، يبدو بعض المسؤولين حريصين على الظهور بمظهر من يتبع نهجا جديدا في أفغانستان يستكشف إمكانية تحقيق تسوية سياسية، حتى في الوقت الذي تصعد المؤسسة العسكرية من الضغوط على طالبان.

يذكر أن أعلى قائد عسكري أميركي بأفغانستان، جنرال ديفيد إتش. بترايوس، أخبر مراسلين في أفغانستان مؤخرا أن قيادات رفيعة المستوى من طالبان تحاول التواصل مع مسؤولين حكوميين أفغان بارزين لبدء مناقشات بين الجانبين. ويبدو الجنرال بترايوس عاقد العزم على إظهار حدوث تقدم على صعيد تحقيق الأهداف الأميركية في أفغانستان - على الصعيدين العسكري والسياسي - قبل مراجعة الحرب التي أمر أوباما بإجرائها في ديسمبر (كانون الأول).

ويأتي تأييد المحادثات أيضا في وقت أعرب فيه مسؤولون أميركيون عن تفاقم إحباطهم حيال الدور المعقد الذي تضطلع به باكستان، التي توفر ملاذا آمنا للكثير من المتمردين ولديها طموحات حيال فرض الوضع السياسي فيما بعد الحرب على أفغانستان.

من ناحيتها، أصرت باكستان على أن أي حل دائم داخل أفغانستان لا بد أن يشمل مصالحة مع طالبان، وحثت واشنطن على المشاركة في محادثات السلام. في الوقت ذاته، أعاقت باكستان بعض جهود كرزاي للتواصل مع قيادات طالبان المختبئة لديها. ومن المفترض أن السبب وراء ذلك هو إقدامه على هذه الخطوة من دون موافقتها.

ومن غير الواضح أي من قادة طالبان سمح له بالسفر إلى كابل لإجراء المحادثات مع حكومة كرزاي. ولم يفصح مسؤول الناتو عما فعله أعضاء قوة أفغانستان التابعة للناتو، المعروفة باسم «القوة الدولية للمساعدة الأمنية»، أو «إيساف»، لدعم هذه المحادثات بخلاف توفير ممر آمن للمتمردين المشاركين في المناقشات.

وقال المسؤول: «من العسير للغاية على أي مسؤول بطالبان الوصول إلى كابل من دون أن يتعرض للقتل أو الأسر لو لم تكن إيساف على علم بالسماح بزيارته، وهو الحال فعلا».

في واشنطن، أبدى المسؤولون حذرا أكبر حيال إمكانيات التوصل لتسوية سلمية. وأشار أحد كبار المسؤولين الأميركيين مؤخرا إلى أن طالبان، رغم ما تعانيه من إنهاك بسبب الحرب، ليس لديها دوافع كبيرة لتقديم تنازلات لأنه ما يزال يتملكها شعور بأن بإمكانها الاستمرار لما بعد رحيل الوجود الأميركي عن البلاد. كما أن كرزاي وآخرين قد يبدون سلوكا غريب الأطوار كمفاوضين، ومن بين علامات التساؤل القائمة في كابل ما إذا كان يخطر الأميركيين وحلفاءه بمستجدات محادثاته أولا بأول.

في مطلع هذا العام، أعلن أوباما تأييده سياسة إمكانية الدخول في محادثات ما دام قادة طالبان في نهاية العملية سيوافقون على نبذ العنف والتخلي عن السلاح وإعلان الولاء للدستور الأفغاني. وفي أغسطس (آب) الماضي، قال مسؤولان أميركيان بارزان إن أوباما مطلع على مستجدات هذه الجهود، وأكدوا مجددا على ضرورة مساعدة واشنطن هذه العملية، حتى وإن كان أعضاء طالبان المشاركون في المحادثات لا يمثلون سوى فصائل منشقة عن الجماعة المتمردة.

في هذا الصدد، اعترف مسؤول بارز في الإدارة بأنه «لا نتوقع أن يدخل الملا عمر الباب علينا. لكن هناك مؤشرات من جانب قادة أقل منه قليلا في المرتبة».

وذكر مسؤول الناتو أن «هذه ما تزال المراحل الأولية تماما للمحادثات، لذا لا يمكن إطلاقا وصفها الآن بالمفاوضات».

وناقش مسؤول الحلف التطورات في أفغانستان شريطة عدم الكشف عن هويته لحساسية مناقشات المصالحة. وتحدث المسؤول مسبقا عن اجتماع للناتو في بروكسل، أمس الخميس، يحضره وزراء الخارجية والدفاع بالحلف. ومن المقرر أن تشارك به وزيرة الخارجية، هيلاري كلينتون ووزير الدفاع روبرت إم. غيتس.

في الشهر القادم، من المتوقع أن يحضر أوباما قمة للناتو في لشبونة، حيث يتعين على واشنطن إقناع حلفائها المتوترين - والذين يستعد بعضهم للرحيل قريبا عن أفغانستان - بأن لديها خطة مستدامة لبسط سيطرة الحكومة على المزيد من الأراضي الأفغانية. ويعتقد كثير من المسؤولين أنه ليست هناك فرصة كبيرة لنجاح هذه الجهود حال عدم توافر مسار سياسي لاجتذاب مقاتلي طالبان من المستويات الدنيا والتصالح مع القادة.

من جانبهم، أعرب أعضاء بالكونغرس وخبراء مستقلون، الأربعاء، عن تشككهم إزاء إمكانية أن تثمر المناقشات الراهنة عن أي إنجاز فوري.

عن ذلك، قال بروس أو. ريديل، زميل «معهد بروكنغز» البارز الذي تولى قيادة المراجعة الأولى للسياسة تجاه أفغانستان التي أمر بها أوباما: «مر عامان حتى الآن ونحن نتلقى تقارير عن محادثات، لكن لم تتضح جدية أي منها».

من ناحية أخرى، من الواضح أن العمليات العسكرية المتزايدة التي ينفذها الناتو بجنوب أفغانستان الرامية لقتل أو أسر القيادات المتوسطة من طالبان أصابت بعض قيادات الجماعة «بالقلق حيال الحياة والثروة»، حسبما ذكر ريديل.

* خدمة «نيويورك تايمز»