لبنان لم يطلب مساعدات عسكرية إيرانية تجنبا لمواجهة محتملة مع المجتمع الدولي

مصادر إيرانية: كنا مستعدين لتقديمها وبيروت لم تتجاوب

TT

مع اختتام الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد زيارته الرسمية إلى لبنان، يقف اللبنانيون متأملين ما أفضت إليه هذه الزيارة على الصعيد السياسي – الاقتصادي، والعلاقات الثنائية بين البلدين، وهم بمعظمهم يجمعون على أن الفوائد الاقتصادية فاقت وبكثير النتائج السياسية الإيجابية الملموسة. إلا أنهم لم يستطيعوا حتى الساعة تفهم استبعاد ملف المساعدات العسكرية عن القضايا التي طرحت، خاصة أنه كانت له الأولوية إيرانيا ولبنانيا قبيل إتمام هذه الزيارة.

وكانت إيران قد عرضت رسميا، ومن خلال سفيرها لدى لبنان، في أغسطس (آب) الماضي، تقديم مساعدات عسكرية للجيش اللبناني بعد الاشتباك الأخير الذي وقع على الحدود مع إسرائيل بين الجيشين اللبناني والإسرائيلي على خلفية قطع شجرة على الشريط الشائك. ورحب معظم الفرقاء حينها بهذا العرض، حتى فرقاء «14 آذار»، معتبرين أن المساعدات مقبولة، من أي فريق أتت، ما دامت النية تقوية الجيش وبالتالي المؤسسات اللبنانية الرسمية.

لكن وعندما أتت ساعة الحقيقة، سحبت الدولة اللبنانية يدها، أو اضطرت إلى ذلك، شاكرة الخطوة الإيرانية، راضخة للقرار الدولي 1929 الذي يفرض عقوبات على إيران مانعا أي دولة من التعامل معها عسكريا.

ويكشف مصدر في الوفد الإيراني الزائر لـ«الشرق الأوسط» أن «إيران أعلنت سابقا عبر سفيرها رغبتها في مساعدة لبنان عسكريا، وجددت استعدادها للقيام بهذه الخطوة أكثر من مرة وعبر أكثر من وسيط». وأضاف «كنا مستعدين لتقديم مساعدات عسكرية، لكن لبنان لم يتجاوب».

ولم تنف مصادر وزارية لبنانية مطلعة صحة هذه المعطيات، لكنها فضلت عدم التعليق على الملف تماما كعدد من الوزراء، مشددة على أن لوزير الدفاع إلياس المر ما يقوله في هذا السياق.

ويوضح الأستاذ في القانون الدولي شفيق المصري، لـ«الشرق الأوسط»، أن «ما وقعه لبنان من اتفاقيات مع إيران لا يشكل لا من قريب أو من بعيد خرقا للقرار 1929، فهو لم يأت شاملا للاقتصاد الإيراني ككل»، مشددا على أن «أي تعامل عسكري مع إيران، سواء في إطار الاستيراد أو التصدير أو الهبات أو المساعدات، كان ليشكل مخالفة واضحة وصريحة لقرار مجلس الأمن تعرض الدولة اللبنانية نفسها لعقوبات دولية». وأضاف «لبنان تجنب من خلال عدم تجاوبه مع العروض العسكرية الإيرانية مواجهة المجتمع الدولي».

وكان مجلس الأمن الدولي في 9 يونيو (حزيران) 2010 قد أقر حزمة جديدة من العقوبات على إيران تحت إطار القرار رقم 1929، لإخفاقها في التجاوب مع مطالب دولية حول برنامجها النووي المثير للجدل. وحصل القرار الذي تقدمت به الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وآيرلندا على تأييد 12 دولة من أصل 15 دولة، ومعارضة البرازيل وتركيا وامتناع لبنان عن التصويت.

واستهدف القرار الاستثمارات الإيرانية والنشاطات البحرية والمصرفية، كما حظر على إيران بيع ثماني فئات من الأسلحة الثقيلة هي الدبابات القتالية والعربات القتالية المصفحة والمدافع من العيار الثقيل والمقاتلات الجوية والمروحيات القتالية والبوارج والصواريخ وأنظمة الصواريخ، وطالب الدول «بالحذر والتريث» قبل بيع أي نوع من الأسلحة إلى إيران.

ورأى مدير «مركز الشرق الأوسط للدراسات» العميد الركن المتقاعد هشام جابر أن «لبنان امتنع عن طلب المساعدة العسكرية من إيران لأنه يخشى غضب الولايات المتحدة الأميركية التي حذرت الرسميين اللبنانيين مؤخرا من الموافقة على أي مساعدات بالأسلحة قد تعرضها إيران». وقال لـ«الشرق الأوسط»: «هناك قرار واضح وصريح بأنه ممنوع تسليح الجيش اللبناني خاصة مدّه بالسلاح المضاد للطائرات، فبعد تجميد أميركا لمساعداتها العسكرية للبنان بقرار إسرائيلي، باتت اليوم تهدد الدول بتقديم هذه المساعدات للجيش اللبناني خوفا - كما تقول - من انتقال هذه الأسلحة لحزب الله، وهو ما يعد غير منطقي، لأن سلاح المقاومة معروف وهو لا يعتمد لا على الدبابات أو على الصواريخ».

ويكشف جابر أن «إيران اشترت في الربع الثاني من عام 2010 أي بين شهري أبريل (نيسان) ويوليو (تموز) عتادا عسكريا وتكنولوجيا بما قيمته 2.5 مليار دولار من 18 دولة مختلفة»، متسائلا «ألا يجب معاقبة هذه الدول التي تعاملت مع إيران عسكريا؟ لماذا التهديد يسري فقط على لبنان؟».

وكان الرئيس الإيراني وفي المؤتمر الصحافي المشترك الذي عقده مع الرئيس اللبناني في قصر بعبدا، تجنب الرد على سؤال حول مصير الوعود الإيرانية بتسليح الجيش اللبناني، مكتفيا بالقول «أتينا إلى لبنان لتعاون شعبينا، وليس هناك أي مانع في ذلك، ما دمنا شعبين مستقلين وصديقين، ونرغب في زيادة تعاوننا في كل المجالات، فلنعمق جذور التعاون».