الهامبرغر «الحلال» يثير توترات في فرنسا

انتقادات لسلسلة مطاعم قررت تحويل فروعها لبيع اللحوم المعدة وفق الشريعة

TT

اعتاد سامي دسارجري، وهو فرنسي مسلم، مواجهة مشكلة عندما كان يخرج مع أقرانه في المدرسة الثانوية لارتياد أحد المطاعم المحلية للبرغر لتناول الغداء. ولأن اللحم لم يكن «حلالا»، أي غير مذبوح طبقا لقواعد الشريعة الإسلامية، كان يضطر لتناول ساندويتشات الأسماك، وينشق بذلك عن زمرة أصدقائه.

إلا أن هذه المواقف الحرجة قد ولت بلا رجعة، ففي إجراء ينبئ عن الوجود المسلم المتنامي في فرنسا، أعلنت سلسلة مطاعم «كويك» الفرنسية التي تحاول منافسة «ماكدونالدز»، الشهر الماضي، البدء في خدمة تقديم ساندويتشات هامبرغر «حلال» في 22 من إجمالي فروعها البالغ 367، بينها الفرع الذي يرتاده دسارجري وأصدقاؤه في ضاحية تكتظ بالمسلمين في شمال باريس.

وعلق سامي (16 عاما) وهو فتى يتميز بعينين لامعتين وشعر أسود طويل مموج، بينما كان يتناول هامبرغر ورقائق من البطاطس المقلية بجانب صديق غير مسلم، دارين دي ليمو (17 عاما) بقوله: «إنه أمر مهم حقا بالنسبة لي. لقد اعتدت القدوم إلى هنا من قبل، لكن عجزت دوما عن تناول ما كنت أرغب حقا في تناوله. الآن، أصبح بمقدورنا جميعا تناول الوجبة ذاتها».

أثار قرار تقديم وجبات برغر «حلال»، بما يحمله من استجابة للقوة الشرائية المسلمة، موجة استياء من قبل بعض القيادات السياسية، التي اعتبرته إهانة للتقاليد المسيحية لفرنسا وعلمانيتها الرسمية. وبذلك، تحول الهامبرغر البسيط إلى رمز جديد غير محتمل لمشاعر التوتر الآخذة في الانتشار في أوروبا الغربية تجاه تدفق المهاجرين، الذين ينتمي الكثيرون منهم للمسلمين، والذين مع تزايد أعدادهم يطالبون باحترام تقاليدهم.

وأثار قرار «كويك» انزعاج عدد من العمداء، من تياري اليسار واليمين، داخل المناطق التي نالت فيها مطاعم الوجبات الـ«حلال» شعبية. فمثلا، اتهم رينيه فانديريندون، العمدة الاشتراكي لروبيه، الواقعة شمال فرنسا، «كويك» بممارسة التمييز بتحويل فرعها بالمنطقة إلى تقديم وجبات «حلال» فقط. وجاء تحرك فانديريندون بعد تلقيه اعتراضا من قبل مارين لوبن، القيادية في حزب الجبهة الوطنية المنتمي لليمين المتطرف وابنة مؤسسه والمرشح الرئاسي السابق، جان ماري لوبن.

واستجابة لذلك، فتحت السلطات في منطقة ليل القريبة تحقيقا جنائيا، لكن فانديريندون سحب شكواه بعدما عرضت سلسلة «كويك» التفاوض بشأن تسوية يجري في إطارها تقديم وجبات «غير حلال» لمن يفضلون ذلك. ومنذ ذلك الحين، تم التقدم بشكويين قانونيتين على الأقل بهذا الشأن.

من جهتها، أعلنت جاكلين رويون، العمدة الشيوعية لمنطقة سان أوان، قرب باريس، عزمها على الاتصال بعمداء آخرين بمدن تحولت فيها «كويك» لتقديم وجبات «حلال» فقط، لدراسة إمكانية تنظيم مفاوضات مشتركة، بهدف إجبار الشركة المالكة لسلسة المطاعم على توفير القدرة على الاختيار بين نمطي الطعام لعملائها.

وتقوم المعارضة، فيما يبدو، على فرضية أن غير المسلمين يقفون متجمدين في الشوارع خارج المطاعم التي تقدم وجبات «حلال» لعجزهم عن تناول اللحم «الحلال». إلا أن العملاء غير المسلمين هنا في لا كورنوف، بما في ذلك أصدقاء دسارجري، يشيرون لعدم ملاحظتهم أي تغيير في المذاق بعد التحول للأكل «الحلال»، وأوضح مسؤولو «كويك» أنه من الصعب تخيير العملاء بين الطعام الحلال والآخر غير الحلال لأن الفصل بين النوعين خلال عملية التخزين والطهي مكلفة للغاية.

وأوضح أن «كويك» المملوكة لمجموعة استثمارية ذات إدارة فرنسية، قررت طرح خدمة تقديم برغر «حلال» ليس مؤشرا على تأييدها الاندماج، وإنما كسبيل لزيادة حصتها من السوق، الذي يعادل ثلث نصيب «ماكدونالدز». وقد شهدت فترة اختبار لمدة ستة شهور العام الماضي في ثمانية مطاعم داخل أحياء تكتظ بالمسلمين تضاعفا في حركة النشاط التجاري، بعد تعليق شهادات تضمن أن اللحم المصنوع منه الوجبات «حلال»، حسبما أعلنت الشركة.

من ناحيته، أشار رئيس مجلس إدارة «كويك»، جاك إدوارد تشاريه، إلى أن «كويك» كانت أول مطعم يعرض اللحم «الحلال» بفرنسا، بعدما ظلت أكشاك صغيرة تعرض اللحوم «الحلال» لسنوات. وعلى سبيل المثال، على مسافة قصيرة من مطعم «كويك» في لا كورنوف، توجد متاجر جزارة ومأكولات وبيتزا تعلن، أحيانا بالعربية، عن أن لحومها «حلال».

وكان صاحب التوكيل في مدينة تولوز، الواقعة جنوب غرب البلاد، قد حث على إجراء هذا الاختبار بعد ملاحظته تراجع النشاط التجاري مع ظهور محال صغيرة تقدم اللحوم «الحلال» بشوارع قريبة، حسبما أوضحت المتحدثة الرسمية باسم الشركة، فاليري راينال.

وجرى اختيار المطاعم التي ستجري بها التجربة على أساس عدد ساندويتشات الأسماك التي تقدمها ومدى ضآلة الطلب على لحم الخنزير ومدى تراجع النشاط التجاري خلال شهر رمضان. ولم تتوافر بعد أرقام منذ إقرار خدمة اللحوم «الحلال» بـ22 فرعا لمجموعة «كويك» الشهر الماضي، لكن المؤشرات توحي بازدهار الطلب، حسبما ذكرت راينال.

يذكر أنه لا يوجد إحصاء دقيق حول أعداد المسلمين بفرنسا، نظرا للحظر المفروض على وضع خانة للخلفية العرقية في الإحصاءات السكانية. إلا أن بعض القيادات المسلمة تقدر العدد بـ6 ملايين، بينما تقدره وزارة الداخلية والكثير من المتخصصين الأكاديميين بـ5 ملايين. في كلتا الحالتين، تضم فرنسا، صاحبة الروابط الوثيقة بشمال أفريقيا، أكبر جالية مسلمة في غرب أوروبا.

من ناحيته، قال كاري غانديغا، مهاجر من موريتانيا يدير مطعم «كويك» في لا كورنوف، إن قرار «كويك» تقديم لحوم «حلال» تطلب بعض الجرأة، بالنظر إلى النقاش الساخن الدائر حول الهجرة داخل البلاد، لكنه استطرد أنه أتى بنتائج إيجابية على الصعيد التجاري. وبينما اصطف أمامه عملاء لتقديم طلبات، بينهم سيدات يرتدين الحجاب، قال غانديغا: «هناك اختلاف كبير للغاية».

ومن خلفه، حمل الجدار عدة إعلانات حول وجبات برغر ورقائق بطاطس مقلية ومشروبات غازية سكرية، وبجانبها عدة شهادات بالفرنسية والعربية من سلطات دينية مسلمة تؤكد أن جميع أنواع الطعام «حلال».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»