الحكومة الإسرائيلية تطلق حملة استيطانية في القدس الشرقية المحتلة

السلطة تدين القرار وتحذر من دوامة عنف.. وترى في أي موافقة أميركية أمرا خطيرا

عامل فلسطيني يعمل في بناء منزل استيطاني في مستوطنة راموت في القدس المحتلة، امس (ا ب)
TT

في خطوة أغضبت الفلسطينيين واعتبروها إجراء جديدا لتدمير مفاوضات السلام، أطلقت الحكومة الإسرائيلية حملة استيطانية جديدة في القدس الشرقية المحتلة. ومع أن المشروع أعلن باسم وزارة الإسكان، فإن أوساطا سياسية أكدت أن رئيس الوزراء نفسه، بنيامين نتنياهو، يقف وراءها. بل إن هذه العناصر ادعت أن الإدارة الأميركية أحيطت علما بالمشروع قبل النشر عنه، وأنها دخلت في مفاوضات مع نتنياهو حول حجم هذا البناء و«نجحت» في تقليصه.

وأكدت مصادر في وزارة الإسكان أن الوزير أريه أتياس، وهو من حزب شاس لليهود الشرقيين المتدينين، اتفق مع نتنياهو على إصدار رخص بناء لنحو 3500 وحدة سكنية في المدن الإسرائيلية. وعند التدقيق في تفاصيل هذه التراخيص تبين أن 240 وحدة منها ستقام في مستوطنة بسغات زئيف، الواقعة ضمن أراضي الضفة الغربية التي احتلتها إسرائيل عام 1967 وضمتها إلى تخومها كجزء من مدينة القدس الشرقية المحتلة.

وقالت هذه المصادر إن المشروع الأصلي تحدث عن 370 وحدة، ولكن الإدارة الأميركية قلصتها إلى 240، بدعوى أن هذا البناء يكفي لسد حاجات التكاثر الطبيعي في المستوطنة. وأما الوزير أتياس فدافع عن القرار بقوله إن القدس تعتبر جزءا من إسرائيل وقرار تجميد البناء في المستوطنات الذي اتخذته حكومته قبل 11 شهرا لا يشمل هذه المدينة.

ومع إعلان القرار، بادر أريه كنجغ، قائد إحدى منظمات الاستيطان العاملة على تهويد القدس الشرقية المحتلة، إلى الإعلان عن خطة لتوسيع الاستيطان في حي الشيخ جراح في القدس الشرقية. وقال إن الاستيطان في القدس لا ينبغي أن يقتصر على المشاريع الحكومية، وإنه «يحق لليهود العائدين إلى أرض الوطن أن يبنوا في كل مكان في أرض إسرائيل، وبشكل خاص في القدس». وعقد كنجغ مؤتمرا صحافيا في إحدى العمارات التي يسيطر عليها المستوطنون في هذا الحي دعا فيه الفلسطينيين في الحي إلى بيع بيوتهم لليهود بأسعار مغرية.

ورد حاتم عبد القادر، مسؤول ملف القدس في منظمة التحرير الفلسطينية، على هذه الهجمة الاستيطانية بالقول إنها جاءت لتدمير الجهود الأميركية لعملية السلام. وقال مصدر مقرب من نتنياهو إنه ينوي المبادرة إلى حملة استيطانية أوسع، ردا على الموقف الفلسطيني الرافض لاستئناف المفاوضات من دون تمديد تجميد البناء الاستيطاني. وأضاف المصدر أن الفلسطينيين بهذا الموقف يبتزون إسرائيل وهي ترد على الابتزاز بتوسيع الاستيطان، «خصوصا في المناطق التي بات واضحا أنها ستصبح جزءا من إسرائيل في إطار التسوية الدائمة، مثل أحياء القدس ومناطق الكتل الاستيطانية». وتابع قائلا إن الإدارة الأميركية أيضا ضجرت من المماطلة الفلسطينية، ولذلك لن تجد ما تفعله لثني إسرائيل عن خططها.

وأدانت السلطة الفلسطينية بشدة أمس القرار. وقال الناطق الرسمي باسم الرئاسة نبيل أبو ردينة، في بيان مقتضب: «إن إجراءات إسرائيل تقوض جهود استمرار العملية السلمية». ودعا المجتمع الدولي للضغط على إسرائيل كي توقف كل أشكال الاستيطان، منبها إلى أن فشل العملية السلمية يهدد بجر منطقة الشرق الأوسط إلى دوامة العنف.

وجاءت الخطوة الإسرائيلية في وقت كانت تنتظر فيه السلطة أخبارا أخرى من الإدارة الأميركية التي تبذل جهودا لإقناع إسرائيل بتجميد البناء الاستيطاني لعدة أشهر. وقال رئيس الدائرة السياسية لمنظمة التحرير الفلسطينية صائب عريقات إن هذا القرار يدل على مدى وضوح حكومة إسرائيل في اختيار الاستيطان وليس السلام.

وزاد الطين بلة، ما ساقته مصادر إسرائيلية من أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو قام هذه المرة بإحاطة الإدارة الأميركية علما بنية طرح العطاءات وأن موفده إلى المحادثات يتسحاق مولخو أجرى اتصالات مع المسؤولين الأميركيين بهذا الخصوص حيث تم في نهاية الأمر التوصل إلى تفاهم ضمني بين الطرفين. وأعرب عريقات عن انزعاجه البالغ مما قاله مسؤولون إسرائيليون من أن هذه العطاءات تمت بالتشاور مع الإدارة الأميركية، واصفا ذلك بالأمر الخطير جدا. وأكد أثناء لقاء المبعوث الأوروبي لعملية السلام، مارك أوت، أن الحكومة الإسرائيلية تتحمل المسؤولية الكاملة عن انهيار المحادثات المباشرة، داعيا واشنطن والاتحاد الأوروبي وروسيا والأمم المتحدة، وباقي أعضاء المجتمع الدولي، لتحميل الحكومة الإسرائيلية مسؤولية انهيار المحادثات المباشرة. وأجرى عريقات أمس عددا من الاتصالات مع المسؤولين في هذه الدول.

وجدد عريقات التأكيد على أن الطريق الوحيد لاستئناف المفاوضات يتمثل في وقف كافة النشاطات الاستيطانية، وبما يشمل القدس الشرقية، «إذ لا توجد حلول وسط لوقف النشاطات الاستيطانية التي تعتبر خرقا فاضحا وصارخا للقانون الدولي ولميثاق لاهاي لعام 1907، وميثاق جنيف لعام 1949». وجدد عريقات الدعوة للولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي إلى الاعتراف بدولة فلسطين وعاصمتها القدس الشرقية على حدود 4 يونيو (حزيران) 1967، مشيرا إلى أنه لا يوجد قانون دبلوماسي يمنعهم من ذلك وأن كل من يتحدث عن خيار الدولتين ويدعو إلى إنهاء الاحتلال الإسرائيلي عليه أن يعترف بدولة فلسطين. وأدانت حركة فتح الخطوة الإسرائيلية، واعتبر الناطق باسمها أسامة القواسمي أن حكومة إسرائيل اتخذت القرار لإفشال حل الدولتين وكافة الجهود الدولية الرامية لاستئناف المفاوضات.

واعتبرت فتح «أن مضي الحكومة الإسرائيلية قدما في البناء الاستيطاني يثبت أنها تعتبر نفسها دولة فوق القانون، وأن قرارها اليوم يشكل تحديا واضحا للقانون والمجتمع الدوليين.