تركيا تواجه خيارا صعبا بين التزاماتها في ناتو وعلاقتها بطهران

مع الاتجاه إلى إقرار مشروع الدرع الصاروخية الموجه لإيران

TT

بينما تتجه أوروبا وحلف الناتو إلى دفع مشروع الدرع الصاروخية الموجه أساسا إلى إيران تجد تركيا عضو الحلف نفسها في مأزق إذ يتعين عليها أن تبت في مسألة مشاركتها في مشروع حلف شمال الأطلسي للدرع المضادة للصواريخ فيما هي تطبق سياسة «الابتعاد عن المشكلات» مع جيرانها! ولا سيما إيران التي تستهدفها هذه المنظومة ويتهمها الغرب بالسعي لصنع السلاح النووي.

ووفقا لوكالة الصحافة الفرنسية التقى وزراء الخارجية والدفاع التركيان والأميركيان الخميس في بروكسل على هامش اجتماع حول التوجهات الكبرى للحلف الأطلسي. وكانت مسألة انضمام تركيا إلى مشروع الدرع الأوروبية المضادة للصواريخ محور المناقشات كما ذكرت الصحافة التركية التي أوضحت أمس أن أنقرة تتمسك بـ«تحفظاتها».

لكن وزير الدفاع التركي وجدي غونول رفض هذا التعبير معربا عن ارتياحه «للمفاوضات» في إطار الحلف الأطلسي حول هذا المشروع الكبير الذي يمكن أن يصبح عملانيا في 2015.

وهذه المنظومة الدفاعية التي كانت في الأصل مشروعا أميركيا تبناه الحلف الأطلسي بهدف إقناع بعض البلدان المتحفظة عليه مثل تركيا بالانضمام إليها.

لكن أنقرة تستمر في الإعراب عن ريبتها وهي تتخوف من أن تؤدي المنظومة لدى تطبيقها إلى تدهور علاقاتها مع كل من موسكو وطهران وهي علاقات شهدت تطورا كبيرا في السنوات الأخيرة.

ويتعين على أنقرة أن تسارع إلى بت المسألة لأن الأمين العام لحلف شمال الأطلسي اندرس فوغ راسموسن يأمل في وضع اللمسات الأخيرة على هذه المسألة خلال قمة الحلف الأطلسي المقررة في 19 و20 نوفمبر(تشرين الثاني) في لشبونة.

ورفض رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان ممارسة أي ضغط على بلاده.

وقال مساء أول من أمس: «لم يقدموا لنا طلبا في هذا الشأن وبالتالي ليس مطروحا أن نواجه أمرا واقعا» في لشبونة. وقال سنان اوغان من مركز توركسام للبحوث في أنقرة «إنه مأزق لتركيا. فمن جهة تطبق سياسة صداقة مع جيرانها ومن جهة أخرى تنشر أسلحة تستهدفهم».

وفي تصريح لوكالة الصحافة الفرنسية قال دبلوماسي تركي طلب التكتم على هويته وفقا لوكالة الصحافة الفرنسية إن «تركيا لم تتخذ قرارها بعد، فثمة مشكلات تقنية يتعين تجاوزها مؤكدا أن أنقرة تبحث عن الوسائل التي تخولها التقليل من تأثير (مشاركتها) في المشروع ولا سيما على طهران بعدما تراجعت معارضة روسيا لهذه المنظومة».

وقال مصدر تركي إن أنقرة تطالب بأن تحمي الدرع مجمل الأراضي التركي وليس فقط المناطق القريبة من إيران والجمهوريات السوفياتية السابقة وأنها تعارض أن تستهدف الدرع بلدا معينا وبالتالي إيران.

واعتبر اوغان أن حكومة رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان الإسلامية المحافظة التي يشتبه في أنها تنتهج سياسة الابتعاد عن الغرب! «مضطرة لاتخاذ قرار صعب» سيكون في نهاية المطاف إيجابيا على الأرجح.

وأضاف أن « قول لا لن يؤدي إلا إلى تأكيد الفكرة القائلة بأن تركيا تبتعد في الواقع عن الغرب». وما يزيد المعادلة دقة بالنسبة لأنقرة واقع أن واشنطن هي حليف ثمين في الحرب التي يشنها الجيش التركي ضد متمردي حزب العمال الكردستاني! كما كتب دنيز زيريك في صحيفة «راديكال» أمس.

وفي بروكسل قال الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (ناتو) أندرس راسموسن، إن التاريخ أظهر وبشكل واضح، تمتع أوروبا بمزيد من السلام والاستقرار عبر شراكتها السياسية والعسكرية مع الولايات المتحدة، وذلك حسب ما جاء في بيان صدر عن مقر الحلف الأطلسي في بروكسل، عقب نهاية محادثات أجراها راسموسن في باريس مع القيادة الفرنسية، والتقى الرئيس نيكولا ساركوزي ووزير خارجيته برنارد كوشنير، وألقى الأمين العام للناتو كلمة في المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية، ومن خلال البيان أشاد راسموسن بقرار فرنسا العودة لاحتلال مكانتها بشكل كامل في هياكل الحلف، ويذكر أنه بعد انقطاع دام 44 عاما قررت فرنسا الاندماج مجددا مع الناتو على المستويين السياسي والعسكري بعد أن ظلت خارج المركز الأساسي لصنع القرار بسبب خلاف نشب بين الرئيس شارل ديغول والولايات المتحدة في عام 1966 على مناصب قيادية حيث طالب ديغول الحلف بمغادرة مقره في باريس واضطرت المنظمة للانتقال إلى بروكسل. وأشار البيان الأطلسي إلى أن الأمين العام للحلف تباحث مع ساركوزي حول القمة الأطلسية القادمة والمقررة في لشبونة الشهر القادم، وملفات تتعلق بنظام الدرع الصاروخية، واستراتيجية الحلف، والتنسيق بين الدول الأعضاء لوضع حد لتخفيض النفقات الدفاعية، وقال راسموسن إنه يشارك الفرنسيين وجهة النظر التي ترى أن الدرع الصاروخية المضادة للصواريخ الباليستية التي اقتربت الدول الأعضاء بالحلف من الاتفاق على إنشائها لا بد أن تكون بمثابة استكمال لمنظومة الردع النووي لا بديلا عنها. واتفق ساركوزي وراسموسن أيضا على أنه ما دامت الأسلحة النووية موجودة فسوف يظل الحلف الأطلسي تحالفا نوويا حتى لو كان الردع النووي في فرنسا ذا طابع مستقل.

وقال قصر الاليزيه بعد اللقاء «أكد رئيس الدولة (ساركوزي) أن القوات النووية المستقلة التي تمتلك قوة ردع خاصة بها سوف تستمر في المساهمة في الردع العالمي وتوفير الأمن للحلفاء».

وقال ساركوزي أيضا إنه سيؤيد اقتراح الولايات المتحدة لنظام الدفاع المضاد للصواريخ الذي تجري مناقشته حاليا من قبل دول حلف شمال الأطلسي موضحا أنه يمكن اتخاذ قرار في هذا الشأن في لشبونة إذا ما تم اقتراح مشروع «واقعي» استنادا إلى «تطور التهديد الذي تشكله الصواريخ الباليستية بسبب برامج معينة في الشرق الأوسط» في إشارة مبطنة إلى إيران.

وقال ساركوزي إن نظام دفاع صاروخي كهذا لا بد أن يشمل أيضا الحوار والتعاون مع روسيا مشيرا إلى أن المزيد من التعاون الوثيق مع روسيا أمر مرغوب فيه. وأضاف أن نظام الدفاع الصاروخي يجب أن يكون «مكملا» وليس «بديلا» للردع النووي. وكان وزراء الخارجية والدفاع في دول الناتو اجتمعوا للتحضير للقمة الأطلسية المقبلة في لشبونة 19 و20 من الشهر القادم، وبحث «المفهوم الاستراتيجي» الجديد الذي سيحدد رؤية الحلف الذي يضم 28 دولة للعقد المقبل لمواجهة التهديدات الجديدة ومن بينها خطر أن تطلق دول «مارقة» صواريخ وتشن هجمات إلكترونية. وحدد غيتس كلفة ربط أعضاء الحلف الأطلسي بالشبكة المشتركة المضادة للصواريخ بما بين 85 ومائة مليار يورو. وقال راسموسن إن الكلفة تقل عن مائتي مليون يورو.