بان كي مون تحدث عن مخاطر حول استفتاء السودان وتجنب التطرق إلى نزاع الصحراء

الأمين العام تعرض لوعكة خفيفة أثناء إلقاء خطابه في مراكش.. وملك المغرب حذر من «عولمة متوحشة»

بان كي مون أثناء القاء خطابه في مراكش أمس («الشرق الأوسط»)
TT

أفرد بان كي مون، الأمين العام للأمم المتحدة، حيزا مهما في خطابه، الذي ألقاه في الجلسة الافتتاحية لمؤتمر السياسة العالمية، للأوضاع في السودان والاستفتاء المرتقب هناك، بيد أنه تحاشى التعرض لنزاع الصحراء، بينما دعا العاهل المغربي الملك محمد السادس في كلمته بالمؤتمر إلى «عولمة عادلة ومنصفة تقضي على أسباب الفقر والإقصاء والتهميش» كما تطرق إلى نزاع الصحراء واقتراح تطبيق حكم ذاتي موسع في الأقاليم الصحراوية، بينما قال مشاركون: إن تزايد السكان في جميع مناطق العالم أصبح يجلب معه الكثير من الأمراض والمشكلات الاجتماعية، ما يحتم انتهاج سياسة عالمية للقضاء على الفقر تعتبر المدخل الصحيح لتحسين صحة الملايين.

وفي التفاصيل بدت لهجة بان كي مون متشائمة وهو يتحدث عن استفتاء جنوب السودان ومصير منطقة أبيي الغنية بالنفط والمتنازع عليها بين الشمال والجنوب. وقال بان كي مون: «إن حجم المخاطر كبير بالنسبة للسودان وأفريقيا والمجتمع الدولي». ومضى قائلا: «لا بد من مساعدة الشعب السوداني لإيجاد طريق سلمي يعبرون خلاله أهم مرحلة في تاريخ بلادهم». ولم يتطرق بان كي مون إلى مسألة نشر قوات لحفظ السلام بين الشمال والجنوب خلال فترة الاستفتاء كما يطالب الجنوبيون، المقرر في 9 يناير (كانون الثاني) المقبل، بيد أنه أكد ضرورة أن يجري الاستفتاء في موعده المقرر ومن دون إبطاء.

وحول المؤتمر الذي بدأ أمس في مراكش ويدوم يومين، ركز بان كي مون في دورته الثالثة على فكرة «الحكامة العالمية»، وقال في هذا الصدد: إن حسن الإدارة أصبح من أهم القضايا في عالم اليوم.

وقال بان كي مون، أيضا: إن المغرب هو أفضل مكان لمناقشة التحديات التي تواجه العالم في مجال التغير المناخي والبيئة والسكان والصحة، مشيرا إلى أن الموقع الجغرافي للمغرب يجعله في الخط الأمامي لقضية التجارة الدولية والهجرة. وأشار إلى أن المغرب، بسبب التغيرات المناخية، يسعى إلى تلبية حاجياته المتزايدة من المياه والطاقة.

وقال بان كي مون، الذي تعرض إلى شبه وعكة صحية: إنه الوقت المناسب أيضا لبحث موضوع «الحكامة العالمية»، بسبب انبثاق قوى اقتصادية عالمية، كما أن تحديات عالمية جديدة برزت خلال هذا الوقت، مشيرا إلى ضرورة إيجاد أفضل الطرق للعمل من أجل بناء أنظمة حديثة تتناسب مع الأوقات الحاضرة.

وأكمل بان كي مون خطابا مزج فيه بين الإنجليزية والفرنسية أمام حشد من الشخصيات من مختلف القارات، وهو يسعل بصوت متحشرج؛ حيث دعا إلى العمل ضد الفقر والكوارث المناخية، ومواجهة التحديات المعاصرة، ومن ذلك وجود 200 مليون مهاجر حول العالم، مشيرا إلى وجود تناقض يتجسد في بعض المناطق التي ترتفع فيها نسب البطالة، على الرغم من وجود حاجة إلى عمالة أجنبية.

ودعا بان كي مون إلى «حكامة جيدة» من أجل اقتصاد عالمي يخدم جميع الناس، وليس فقط الأقليات المحظوظة. كما حث قمة الدول العشرين، التي ستنعقد في العاصمة الكورية سيول بعد 4 أسابيع، على معالجة القضايا التنموية. وكرر بان كي مون دعوته إلى حكامة جيدة للتصدي لقضايا المناخ.

وتطرق بان كي مون، في ختام كلمته وبطريقة واضحة، إلى موضوع عضوية مجلس الأمن وإصلاحه، وقال في هذا الصدد: «يتزايد الاقتناع بضرورة أن تستجيب عضوية مجلس الأمن إلى حقائق الوقت الحاضر، وليس الحقائق التي كانت تسود العالم قبل عقود»، في إشارة إلى منح حق الفيتو إلى الدول المنتصرة في الحرب العالمية الثانية، كما اقترح إدخال إصلاحات على عمل المجلس.

من جانبه، دعا العاهل المغربي، الملك محمد السادس، إلى «عولمة عادلة ومنصفة ومشاركة»، تضمن «تنمية متوازنة ومتناسقة ومستدامة وبشرية، وتضع الإنسان في صلبها، وتحفظ له كرامته، وتنبذ كل أشكال المهانة والتبخيس والتمييز، وتقضي على أسباب الفقر والإقصاء والتهميش».

وتطرق العاهل المغربي إلى نزاع الصحراء، وقال في هذا الصدد: إن اقتراح تطبيق حكم ذاتي موسع في الصحراء وجد قبولا من طرف مجلس الأمن والمجتمع الدولي، مشيرا إلى أن الجميع اعتبره اقتراحا له «مصداقيته وجديته»، مؤكدا أن «الاقتراح ينطوي على واقعية محلية وأفق جهوي مغاربي، ومعايير ديمقراطية متعارف عليها دوليا». بيد أن بان كي مون، الذي يزور المغرب لأول مرة، لم يتطرق إلى نزاع الصحراء في خطابه، واكتفى بالتنويه «بالضيافة وحرارة الاستقبال» اللتين لقيهما في المغرب، وامتدح مدينة مراكش وقال: «إنها مدينة سياحية عرفت لقاءات دولية مهمة لها انعكاسات على السياسة والاقتصاد العالميين».

وتحدث العاهل المغربي في خطابه، الذي ألقاه الطيب الفاسي الفهري، وزير الخارجية المغربي، عن «التعقيدات التي تحاصر الحياة الحقيقية للمليارات من بني الإنسان المتميزين». وقال: إن هذه التعقيدات «تحمل في طياتها بذور الاختلالات العالمية»، مشددا على أن هذا التجاهل يعتبر «مرادفا للعولمة المتوحشة والعمياء، والضالة عن سبيلها القويم ومقاصدها المثلى»، وأن «المحلي، الذي منه ينطلق كل شيء، وإليه ينتهي كل شيء، ليس نقيضا لما هو كوني، بل على العكس من ذلك، فإن الكوني لن يكون جديرا بهذه الصفة إلا بمراعاته للبعد المحلي، واستلهامه لغنى وحدته من تعدد روافده المحلية، كما أنه لن يكون عمليا وملموسا، إلا إذا كانت التنمية المحلية مستدامة ومفتوحة على العالم».

وعبر العاهل المغربي عن اعتقاده أن «من شأن تقاسم رؤية خلاقة للعلاقات عبر الأطلسية جنوب - جنوب، تقرب التجمعات الإقليمية الأفريقية من مثيلاتها في أميركا اللاتينية، أن تفتح آفاقا جديدة لنقل الكفاءات، معلنة بذلك عن تحول عميق في ميزان القوى السياسية، وقواعد المبادلات الاقتصادية، وحركية الأفكار». ولتحقيق ذلك، يضيف العاهل المغربي: «يتعين القيام بتحديد أدق للأدوار، التي يجب أن تضطلع بها الفضاءات الجهوية الرئيسية، واعتماد وسائل مبتكرة في مجال الحكامة، هدفها مساهمة تشاركية في تحديد معالم حكامة عالمية فعالة». وحث العاهل المغربي على «تشجيع قيام ما يمكن تسميته (التنوع البيولوجي للعولمة)».

إلى ذلك، رأى العاهل المغربي أنه «يتعين اعتبار الجهات بصفة عامة، والأفريقية منها بصفة خاصة، شريكا قائم الذات في العولمة، ولبلوغ هذا الهدف، يجب العمل على وضع الآليات اللازمة، التي من شأنها ضمان الاستقرار السياسي، ومبادلات اقتصادية منصفة، فضلا عن احترام الثقافات والهويات الإقليمية». وتحدث العاهل المغربي، في معرض خطابه، عن النهج الذي سار عليه المغرب لتحقيق الاندماج، بين ما هو محلي ووطني، وما هو كوني، مشيرا إلى «المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، التي تهدف أساسا إلى تلبية أشد الاحتياجات ارتباطا والتصاقا بالمعيش اليومي للأفراد والمجموعات البشرية، التي تقطن غالبا في هوامش الحواضر، وأقاصي البوادي والأقاليم».

كما تناول العاهل المغربي، في خطابه، العناية التي توليها بلاده للبعد البيئي، وحرصها على تعزيز التنمية البشرية المستدامة، لا سيما من خلال الاستخدام الأمثل للتكنولوجيا الحديثة النظيفة، ممثلا لذلك بخطة المغرب للطاقة الشمسية، والمشروع المندمج للطاقة الريحية، اللذين قال إنهما «سيكون لهما الأثر الملموس في تمكين المغرب من تلبية نصف حاجياته الطاقية تقريبا، في أفق 2020، عن طريق الاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة والنظيفة».

وفي ختام الجلسة الافتتاحية، طمأن بان كي مون الحضور، وبعد انتهاء إلقاء خطابه، إلى أن الوعكة الصحية الخفيفة التي تعرض لها قد زالت، وفور انتهاء خطابه غادر مراكش. ولم يحضر باقي جلسات المؤتمر، الذي كان أيضا من بين حضوره: ميغيل أنخيل موراتينوس، وزير الخارجية الإسباني، وعمير بيريس، وزير الدفاع الإسرائيلي السابق، وهو في الأصل يهودي مغربي من بلدة أبي الجعد في وسط المغرب، إضافة إلى عدد من وزراء الصحة والبيئة والسكان الحاليين والسابقين من مختلف أنحاء العالم.