مصادر: تركيا تقبل بحذر «درعا صاروخية» على أراضيها.. بشرط ألا تبدو ضد إيران

الخارجية الأميركية لـ«الشرق الأوسط»: ننتظر دعما تركيا لنشر المشروع * أنقرة تبحث إزالة طهران من قائمة «الدول المعادية»

وزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس يلقي كلمته في مؤتمر المجلس الأميركي ــ التركي التاسع والعشرين في واشنطن أمس (إ.ب.أ)
TT

بينما تواجه أنقرة خيارا صعبا بين التزاماتها مع حلفائها في حلف «الناتو»، عبر المشاركة في مشروع «الدرع الصاروخية»، وبين علاقتها الدافئة مع جارتها إيران، قالت مصادر تركية مطلعة لـ«الشرق الأوسط» إن الموقف التركي لا يزال قيد الدراسة بشأن مشروع «الدرع الصاروخية»، غير أن المصادر ذاتها قالت إن تركيا قد تقبل بهذا المشروع بشرط أن يشمل جميع دول «الناتو»، وألا يبدو وكأنه موجه ضد إيران، في الوقت الذي أكدت فيه المصادر أن مجلس الأمن القومي التركي يبحث لأول مرة منذ انتهاء الحرب الباردة في إزالة إيران عن قائمة «الدول المعادية».

ويتعاطى المسؤولون الأتراك بحذر شديد مع «الرغبة» الأميركية في نشر منظومة «الدرع الصاروخية» في بعض أراضي الجمهورية التركية في مواجهة أبرز حليفين لهذه الجمهورية «العائدة إلى تاريخها» والساعية إلى إقامة نظام «تصفير المشكلات» مع الجيران، وهما الجاران الأكثر تأثيرا، إيران وروسيا.

لكن وزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس، نفى، أمس، تقارير الصحافة التركية من أن الولايات المتحدة تضغط على أنقرة للسماح بنشر مشروع «الدرع الصاروخية» على أراضيها. وقال غيتس، الذي كان يتحدث في مؤتمر في واشنطن عن العلاقات الأميركية - التركية، إن بناء نظام دفاع صاروخي من شأنه أن يحمي جميع حلفاء «الناتو»، وإنه (المشروع) يأتي في أولوية عالية بالنسبة إلى الحلف، ويأمل من جميع أعضاء الحلف المساهمة في المشروع.

وتنتظر الولايات المتحدة من تركيا وبقية أعضاء حلف شمال الأطلسي (الناتو) ردا على مشروع «الدرع الصاروخية» الذي سيكون موجها ضد أي صواريخ قد تستهدف أوروبا أو الولايات المتحدة. وتعتبر إيران الدولة الأبرز التي يوجه هذا النظام الدفاعي ضدها.

ومن المرتقب أن توافق الدول الأعضاء في «الناتو» على هذا المقترح خلال قمة «الناتو» المقبلة في لشبونة. وبينما تزن كل الدول خياراتها، تواجه تركيا الخيار الأصعب بالنسبة إلى علاقاتها مع إيران في حال وافقت على نشر «الدرع الصاروخية». وقد بذلت الولايات المتحدة جهودا كبيرة لإقناع تركيا بأهمية مشاركتها في هذا المشروع الذي اقترح الرئيس الأميركي باراك أوباما أن يصبح مشروعا لحلف «الناتو» بدلا من كونه مشروعا أميركيا بحتا، بعد أن تعرضت دول عدة في أوروبا لرفض نشر «الدرع الصاروخية».

وردا على استفسارات «الشرق الأوسط» حول الجهود الأميركية لإقناع تركيا بالمشاركة في «الدرع الصاروخية»، قال ناطق باسم وزارة الخارجية الأميركية: «لقد تواصلت الولايات المتحدة مع كل حلفائنا في (الناتو)، بما في ذلك تركيا، من أجل الحصول على الدعم للدفاع الصاروخي الأوروبي، وتشجيع (الناتو) لتبني الدفاع الصاروخي الأرضي». بينما امتنع الناطق عن الخوض في تفاصيل تأثير هذه القضية على العلاقات الأميركية - التركية، مشيرا إلى أن المشاورات حول «الدرع الصاروخية» مستمرة قبل عقد قمة لشبونة في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل.

ولا يبدو أن أحدا من المسؤولين الأتراك لديه الرغبة في مناقشة الموقف التركي من هذا الملف قبل نحو شهر من اجتماع قادة حلف شمال الأطلسي في لشبونة في 19 و20 نوفمبر المقبل الذي سوف يبحث خطة «الدرع الصاروخية» التي بدأت أميركية ويجري الآن «أطلستها»، على حد تعبير وزير الدفاع التركي، وجدي غونول.

وقال غونول بعيد عودته إلى أنقرة من اجتماع شارك فيه إلى جانب وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو مع نظيريهما الأميركيين، إنه من المفترض أن يتم بحث كيفية «أطلسة» المشروع الأميركي، معتبرا أن الدول الـ28 الأعضاء في الحلف يجب أن تتمكن من مناقشة المشروع والاستفادة من الحماية التي يؤمنها.

وأكد مصدر قريب من رئاسة الوزراء التركية لـ«الشرق الأوسط» أن رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان ووزيري الدفاع والخارجية، يبحثون هذا الموضوع من مختلف زواياه رغم عدم وجود «عرض رسمي» ليتم الرد عليه علنا. وقالت المصادر إن تركيا ملتزمة بالعمل مع حلفائها في «الأطلسي»، لكنها تضع مصالحها القومية والوطنية في المرتبة الأولى، وهي تعمل على «المواءمة» بين هذين الأمرين. وكشفت المصادر عن أن تركيا تعتبر أن علاقتها مع إيران وروسيا «حيوية للغاية»، وأنها لن تفرط في هذه العلاقة بالتأكيد.

وكشف مصدر عن أن اجتماعات تجري حاليا في مجلس الأمن القومي التركي تبحث لأول مرة منذ انتهاء الحرب الباردة في إزالة هذين الجارين (روسيا وإيران) عن قائمة «الدول المعادية». وأشار المصدر إلى أن هذا القرار الذي يتوقع أن يشمل أيضا العراق واليونان، من شأنه أن يشير إلى مدى ما وصلت إليه العلاقات بين تركيا وجاراتها، وقد يشكل «إجابة واضحة عن الموقف التركي من موضوع (الدرع الصاروخية)».

ويرى الباحث في الشأن التركي، الأستاذ بالجامعة اللبنانية الدكتور محمد نور الدين، أن القرار التركي سوف يتخذ وفق «حسابات معقدة»، مشيرا إلى أن تحويل مشروع «الدرع الصاروخية» من مشروع أميركي إلى أطلسي من شأنه أن يحرج أنقرة، وهو يقلقها نسبيا، موضحا أنه على الرغم من قدرة تركيا على وضع الفيتو على أي قرار بشأن هذا الموضوع داخل حلف «الأطلسي»، فإنها ستجد نفسها في موضع الحرج الشديد. ويشير نور الدين إلى أن أنقرة إذا قبلت المضي في هذا المشروع، فإنها يجب أن تتأكد من أن الموضوع لن يفهم، بأي طريقة من الطرق، على أنه موجه ضد طهران وموسكو، وإلا فإنها سوف تضطر إلى معارضته، معتبرا أن تركيا تفضل مبدئيا علاقاتها مع هذين البلدين، إلا إذا قدمت لها الولايات المتحدة و«الأطلسي» ما لا يمكنها رفضه.

وبدا واضحا السعي التركي لتحويل المشروع إلى «مشروع شامل» لا يشعر معه أحد من جيرانها بالتهديد، خصوصا أن هذه «الدرع» موجهة في الأساس ضد إيران، وهي تزعج روسيا إلى حد كبير، مما قد يؤثر على علاقات تركيا التي تجتهد لإنهاء رواسب الحرب الباردة وانضمامها إلى الحلف الغربي، منذ أن تسلم حزب العدالة والتنمية ذو التوجهات الإسلامية السلطة. وبينما كان رئيس الوزراء التركي يقول إن أحدا لم يعرض على تركيا شيئا بخصوص «الدرع الصاروخية» لتجيب عن هذا الموضوع، أوضح داود أوغلو في أول تصريح رسمي أن بلاده «لا تعارض نشر الصواريخ الدفاعية على أراضيها، لكنها ترفض أن تبدو وكأنها موجهة ضد روسيا وإيران وسورية».

وكشفت مصادر تركية واسعة الاطلاع لـ«الشرق الأوسط» عن أن أنقرة تدرس بجدية كيفية الاستفادة من «العرض» الأميركي - الأطلسي، لكنها تشترط أن يمتد هذا النظام ليشمل كل أراضيها، بالإضافة إلى أراضي الدول الأعضاء في الحلف. ومن شأن هذه التغطية أن توفر على تركيا إنشاء درعها الصاروخية المضادة للصواريخ التي تسعى لإقامتها بتكلفة عالية جدا، و«يمكننا خفض التكاليف بشكل كبير إذا كان نظام الدفاع الصاروخي الأطلسي يغطي كامل أراضي تركيا»، كما أوضح وزير الدفاع التركي الذي نفى وجود «رفض قاطع» للخطة، مشيرا إلى أن «المفاوضات تجري بإيجابية وانفتاح بشأن هذا الموضوع».