وزير خارجية اليونان: لا نلعب دور المارق المحايد في تعاملنا مع العالم العربي وإسرائيل

قال في حديث لـ«الشرق الأوسط»:‏ علاقتنا بالسعودية متينة وسأزور الرياض قريبا

ديمتريس دروتساس
TT

قبيل جولته إلى منطقة الشرق الأوسط، التي تشمل 4 دول عربية وإسرائيل، وزيارته لمصر اليوم، خص وزير الخارجية اليوناني ديمتريس دروتساس، «الشرق الأوسط» بحديث شامل عن علاقة بلاده التقليدية بالعالم العربي ورغبة أثينا في دفع عملية السلام والقيام بدور من شأنه المساهمة في حل الصراع في المنطقة، موضحا أن علاقة اليونان بالسعودية علاقة قوية ومتينة. واعتبر الوزير اليوناني أن العلاقات بين بلاده من جهة والعالم العربي وإسرائيل من جهة أخرى، ليست علاقة تنافسية، ولكن العكس، باعتبار أنه يتم توظيفها مقابل دعم الجهود التي تبذلها اليونان لتسهم إسهاما كبيرا في معالجة القضايا التي تواجه المنطقة، مؤكدا ما عكسته العلاقات الدافئة والقريبة من أي وقت مضى في اليونان مع العالم العربي. وكان لافتا تأكيد وزير الخارجية اليوناني على أن بلاده لم تلعب أبدا ولن تلعب دور المارق المحايد، وأن لها مواقف واضحة تقوم على المبادئ والقيم الثابتة، مضيفا أن المبدأ الأساسي ذا القيمة هو سعي بلاده لتطوير علاقاتها الودية مع جميع البلدان في العالم، وأكثر من ذلك بكثير مع جيرانها، «وينبغي أن يكون واضحا أن تطوير علاقاتنا مع جميع شركائنا يهدف إلى المنفعة المتبادلة، فاليونان تريد السلام والاستقرار في المنطقة وفي هذا الاتجاه نريد المساهمة بصدق بجميع قوانا».

* كيف تقيمون جولتكم لـ«الشرق الأوسط»؟

- أعتقد أنها واحدة من أهم الزيارات التي أجريتها حتى الآن في مسيرتي، فحكومة حزب الباسوك الاشتراكي كما فعلت في الفترة ما بين 1999 – 2004، فإنها تعطي اهتماما كبيرا للعلاقات مع العالم العربي، فمنطقة الشرق الأوسط تمثل نقطة ذات أهمية حيوية بالنسبة لليونان، ونحن على استعداد تام لبذل كل جهد ممكن للمساهمة بقدر ما في وسعنا لتحقيق السلام والاستقرار في منطقتنا.

* يقول المراقبون إن علاقتكم بالسعودية في الفترة الأخيرة تشهد فتورا.. ما تعليقكم؟

- علاقتنا بالسعودية قوية ومتينة جدا، وقبل نحو شهر التقيت نظيري الأمير سعود الفيصل، على هامش اجتماعات الأمم المتحدة في نيويورك، وأجرينا محادثات ثنائية وناقشنا كيفية زيادة التعاون المشترك في الفترة المقبلة، كما أنه وجه لي دعوة لزيارة الرياض، وسوف ألبي الدعوة في أقرب فرصة ممكنة، كما أن اليونان تقدر دور السعودية المحوري في المنطقة وجهود خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز في دعم السلام والاستقرار في المنطقة، وهناك اتفاق في الآراء حول القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك، ونعمل سويا لتحقيق السلام في الشرق الأوسط.

* هل لديك مقترحات أو مبادرات محددة سوف تعرضها أثناء الزيارة؟

- أولا وقبل كل شيء، سوف نوقع مذكرة للمشاورات السياسية من أجل إضفاء الطابع المؤسسي وتكثيف الاتصالات الثنائية على المستوى السياسي والدبلوماسي، وسوف نناقش أيضا أفكارا محددة لتطوير التعاون الاقتصادي والتجاري، وتبادل الأفكار حول الشرق الأوسط، من خلال استكشاف إمكانيات مساهمة كبيرة في جهود اليونان ومن داخل الاتحاد الأوروبي، وبالطبع فإن الاتحاد يتمتع بالدبلوماسية العامة الجيدة، ولكن في بعض الأحيان يحتاج إلى اتصالات مستمرة لتعطي الدفعة للمفاوضات الصعبة.

* ما توقعاتكم للتعاون المستقبلي بين اليونان وبلدان العالم العربي؟

- مع العالم العربي توجد بيننا علاقة عميقة الجذور تاريخية وثقافية، وهي التي أكدها الزمن، وهذا يعتبر أحسن رأسمال في العلاقات، وعلينا من كلا الجانبين أن نستثمر ذلك ونتجه به إلى الأفضل، وأشير هنا إلى أن مشاركة اليونان في الاتحاد الأوروبي والاتحاد من أجل المتوسط، تسمح لنا بنقل احتياجات العالم العربي لشركائنا الأوروبيين بمصداقية متوازنة مع تطلعات وأولويات الدول العربية من أجل تعزيز النمو والاستقرار والتعاون في حوض البحر الأبيض المتوسط، التي تعد واحدة من أهم المناطق في العالم من الناحية الجغرافية والسياسية والاستراتيجية، وفي المجال الاقتصادي الذي هو أساس التطوير، علما بأن اليونان تضمد جراحها على خلفية الأزمة المالية الدولية، وبدأت الآن معرفة إمكانات اقتصادية كبيرة وفرص استثمارية كبيرة في قطاعات رئيسية مثل السياحة والطاقة البديلة. هذا، جنبا إلى جنب مع موقعها الاستراتيجي على مفترق الطرق والمدخل إلى البلقان، حيث الوضع الاقتصادي السائد، وخلق ظروف ممتازة للتعاون الفعال مع العالم العربي، وكما هو مبين، فقد أبدت الكثير من الدول العربية ارتياحها من الاستثمار في اليونان.

* و ما أهمية زيارتكم لمصر ضمن الجولة؟

- مصر بلد مهم في المنطقة، وتعتبر مفتاح الاستقرار في الشرق الأوسط، بفضل القيادة الحكيمة للرئيس مبارك، وقد اتخذت مصر خطوات مهمة لتعزيز التنمية في المنطقة، وأتطلع بكل احترام واهتمام كبيرين في الاجتماع المقرر لي مع الرئيس مبارك ومسؤولين آخرين رفيعي المستوى من الحكومة المصرية، بطريقة مباشرة على الجهود المصرية، لتوطيد السلام في مرحلة حساسة جدا وصعبة من المفاوضات على المسار الفلسطيني، أما على الصعيد الثنائي، فجولتي جزء من سياستنا القائمة على إحياء ومواصلة تعزيز وتعميق العلاقات بين اليونان ومصر، وهذه ليست سوى بداية لمرحلة جديدة في السياسة الخارجية اليونانية، نرى من خلالها إقامة علاقات حسن الجوار والاستقرار والتنمية، سواء على الصعيد الثنائي أو على المستوى الإقليمي.

* الرئيس حسني مبارك أجرى زيارة دعم لليونان في مايو (أيار) الماضي.. ما وصفكم لهذه الزيارة.. وما مدي مساهمتها في تعزيز التعاون بين البلدين؟

- زيارة بهذا المستوى في حد ذاتها حدث مهم، خاصة بالنسبة لشخصية سياسية في مقام الرئيس مبارك، ولكني أود أن أؤكد أن هذه الزيارة أجريت في منعطف صعب بالنسبة لليونان، وربما الأصعب لليونان في تاريخ ما بعد الحرب العالمية، ولهذا السبب فهذه الزيارة لها قدر كبير وأهمية معنوية ورمزية، وجاءت الزيارة بمثابة رسالة دعم للشعب اليوناني، وقد قام الرئيس كارلوس بابولياس بزيارة مصر بعدها بأسبوعين لإحياء العلاقات الثنائية، والآن نحن نتحرك على طريق تعزيز التعاون المستمر اليوناني - المصري على جميع المستويات.

* ما جدول أعمال زيارتك إلى مصر وإلي وإسرائيل؟

- جدول الزيارة يشمل في المقام الأول المناقشات وتبادل وجهات النظر بشأن عدد كبير من القضايا الثنائية والإقليمية والدولية، مع التأكيد، كما قلت، على تعزيز التعاون الثنائي مع منطقة الشرق الأوسط، خصوصا من مصر، كما تعلمون أن هناك تعاونا وثيقا في جميع المجالات، وبالتالي فإن هناك مناقشات واسعة، ففي المجال السياسي، نتحرك بالطريقة نفسها والاستفادة الكاملة مع كل بلد وفقا لمركزه المتميز في المنطقة، من خلال التعاون، وتعزيز صوت ودور كل دولة على المستويين الإقليمي والدولي. ففي المجال الاقتصادي، ووفقا للبيانات، فإن مصر تستحوذ على 4 في المائة من إجمالي الاستثمارات اليونانية في الخارج، التي تصل لنحو مليار يورو، بينما اليونان أهم شريك تجاري لمصر، وهناك مجالات لمزيد من التطوير، ونحن نريد أن يبلغ حجم التبادل التجاري مليار يورو في الفترة المقبلة وندعم التبادل التجاري والاستثماري.

* كسياسي.. كيف نحكم على دور كل من اليونان ومصر في الشؤون الدولية؟

- أود أن أقول إن كلا البلدين له الأفكار المتقاربة نفسها في الشؤون الدولية، ونحن نعمل لتأسيس السلام والاستقرار والتنمية في منطقتنا، وكلا البلدين يلعب دورا مهما، فمصر في العالم العربي، واليونان يمكن وصفها عضوا فعالا في جميع المؤسسات الأوروبية، والأوروبية الأطلسية، وعلاوة على ذلك فإن البلدين لهما تاريخ طويل، كما أنهما يشتركان في واحدة من أقدم الحضارات في العالم، بعد أن تركت بصماتها الثقافية في تاريخ البشرية، الذي يضمن لهما مكانا خاصا في المنطقة، خصوصا على الصعيد الدولي. وفي هذا السياق، فالتعاون بين البلدين له نفوذ كبير وله مزاياه، فـ«القوة» تأتي من الوحدة الوطنية.

* ما وجهة نظركم في اثنتين من القضايا الدولية الساخنة: البرنامج النووي لإيران ومشكلة الشرق الأوسط؟

- تستند السياسة الخارجية اليونانية وتعمل في مجالين رئيسيين هما: الالتزام الثابت بالمبادئ الأساسية للقانون الدولي والنظام الموجود في ميثاق الأمم المتحدة، وضمن الإطار المحدد من قبل الاتحاد الأوروبي، ونحن نعتقد بصدق وبعمق أن الاتحاد الأوروبي هو النموذج الأكثر تقدما للتكامل الإقليمي في جميع أنحاء العالم، وبمرور الوقت، وبمحاولة المساعدة في تعزيز دورها على الساحة الدولية والتأثير بالمشاركة في السياسة الخارجية سوف يكون لها صوت واحد مشترك، فعلى أساس هذين المحورين ونحن باستمرار في جميع المسائل على الصعيدين الوطني والإقليمي والدولي نطبق هذه المعايير، وتحديدا في موقفنا في كل من إيران والشرق الأوسط. ففي إيران، نحن نؤيد حلا سلميا وتسوية دبلوماسية لهذه المسألة، ولذا فإن تفاقم الوضع يجب تجنبه بأي ثمن لأنه يمكن أن يؤدي نظريا إلى مواجهة عنيفة، واليونان كعضو في الاتحاد الأوروبي، موقفها مشترك مع الاتحاد، ولذلك نحن نحافظ على التوازن في هذه العملية ولتمكين الاتحاد الأوروبي من لعب دور أكثر إيجابية. والأمر نفسه ينطبق على منطقة الشرق الأوسط، ونحن نعتقد أن هناك مجالا للاتحاد الأوروبي لاتخاذ دور أكثر أهمية، لأن لديه كل الأدوات اللازمة، اقتصاديا وسياسيا، للقيام بذلك. وفي هذا الإطار، سوف يسهم إسهاما كبيرا في اليونان ببناء علاقات وثيقة مع العالم العربي وجميع البلدان في المنطقة، التي تضمن حسن معرفتها بثقة وبموضوعية، ويعزز هذه الميزة من خلال أن اليونان حقيقة، هي جزء من المنطقة، وبالتالي لديها المعرفة الكاملة والمباشرة للأشياء أثناء مشاركتها في جميع المؤسسات الأوروبية، والأوروبية الأطلسية، وبذلك يمكن أن تكون بمثابة جسر التواصل.

* ما المبادرات التي قد تجول بخاطركم لتلبية المطالب المحتملة للجالية اليونانية المقيمة في مصر؟ وما الدعم الذي تقدمه اليونان إلى جاليتها في مصر؟

- الجالية اليونانية في مصر تاريخية، وتسهم في التقارب بين البلدين عبر التاريخ مع مرور الوقت، صحيح أن القوة العددية للمجتمع على مر السنين، لا تقلل من قيمة مساهمتها في تعزيز العلاقات بين البلدين، وينبغي على الصعيد السياسي أن تتخذ جميع الخطوات الضرورية للمساعدة في الحفاظ على هذا العنصر المهم، فهو متماسك ويمثل رؤوس أموال ضخمة تاريخية وثقافية في العلاقات بين الشعبين، واليونان بالتأكيد تقدم كل دعم ممكن، سواء كان معنويا أو ماديا، لا سيما في مجال التعليم، الذي هو مصلحة كلا البلدين للحفاظ على اللغة والثقافة اليونانية.

* اليونان تتمتع بعلاقات ممتازة مع العالم العربي، إلا أن المراقبين يقولون إن فتح العلاقات بين اليونان وإسرائيل في الفترة الأخيرة يخلق مناخا سلبيا في العلاقات بين العالم العربي واليونان.. ما تعليقكم؟

- هذه وجهة نظر غير صحيحة، فالعلاقات بين اليونان من جهة والعالم العربي وإسرائيل من جهة أخرى ليست علاقة تنافسية، ولكن العكس، حيث يتم توظيفها مقابل دعم الجهود التي تبذلها اليونان لتسهم إسهاما كبيرا في معالجة القضايا التي تواجه المنطقة، وهذا ما عكسته العلاقات الدافئة والقريبة من أي وقت مضى لدينا مع العالم العربي. لم تلعب اليونان أبدا ولن تلعب دور المارق المحايد، فهي لها مواقف واضحة تقوم على المبادئ والقيم الثابتة، ومن خلال هذا المنظور للعلاقات مع الدول الأخرى وصياغة سياستها الخارجية. والمبدأ الأساسي ذو القيمة هو سعي اليونان لتطوير علاقاتها الودية مع جميع البلدان في العالم، وأكثر من ذلك بكثير مع جيرانها، وينبغي أن يكون واضحا أن تطوير علاقاتنا مع جميع شركائنا يهدف إلى المنفعة المتبادلة، فاليونان تريد السلام والاستقرار في المنطقة، وفي هذا الاتجاه نريد المساهمة بصدق بجميع قوانا.