«ثلاثاء أسود» من الإضرابات والمظاهرات ينتظر الفرنسيين

أزمة المحروقات تتفاقم.. وباريس تطلب من شركات الطيران خفض حركتها باتجاه مطارات فرنسا

سيارات تسد مدخل محطة للبنزين في باريس أمس بعد أن نفد مخزون معظم المحطات من الوقود نتيجة مشاركة سائقي الصهاريج في الإضراب العمالي العام في فرنسا (رويترز)
TT

يستعد الفرنسيون، في سلسلة أيام الإضرابات والتظاهرات احتجاجا على مشروع قانون تعديل سن التقاعد، لمواجهة «ثلاثاء أسود» اليوم يتوقع أن يكون «قمة» الحركة الاحتجاجية النقابية والاجتماعية والطلابية على المشروع.

في الوقت نفسه، تزداد المخاوف من فقدان وقود السيارات والشاحنات بعد أن أغلقت أكثر من ألف محطة وقود أبوابها لنفاد مخزونها من البنزين والغازويل، ما سينعكس على قدرة الناس على التنقل ويصيب الدورة الاقتصادية بخسائر فادحة. ويعكس قرار وزارة الداخلية الفرنسية أمس بإعادة تشغيل المركز الحكومي للأزمات سعيا لضمان إيصال المحروقات إلى المحطات، قلق الحكومة الكبير من إصابة البلاد بالشلل، ما سيشكل وسيلة ضغط إضافية على السلطات لحملها على إلغاء مشروع الإصلاح أو تأجيله أو على الأقل إعادة النظر ببعض بنوده، وأهمها تأخير تحديد سن التقاعد باثنين وستين عاما (بدلا من ستين حاليا).

وكما في أيام الاحتجاج الخمسة السابقة التي أطلقتها النقابات منذ 1 سبتمبر (أيلول) الماضي بدعم من الأحزاب اليسارية و«الخضر» والمعارضة بشكل عام، ينتظر أن يكون قطاع النقل بمختلف أنواعه الأكثر تأثرا. وحذرت إدارة الطيران المدني من أن 50% من رحلات مطار أورلي الباريسي (إلى أوروبا والداخل الفرنسي) ستتأثر، وبالتالي ستلغى، بينما ستتعطل المطارات الأخرى ومن بينها مطار رواسي، شارل ديغول (الرحلات الدولية) بنسبة 30%. ودعت الإدارة المذكورة شركات الطيران إلى خفض حركة طائراتها إلى فرنسا بنسبة الثلث إلى النصف. وكحركة الطيران، فإن الدعوة إلى الإضراب والتوقف عن العمل ستطال السكك الحديد بما فيها الدولية وعلى رأسها خطوط القطارات السريعة الدولية (إلى بريطانيا وبلجيكا وألمانيا) والقطارات الداخلية، فضلا عن الخطوط الجوية. وينتظر أن يكون قطاع النقل في العاصمة وضواحيها الأكثر تأثرا، خصوصا مترو الأنفاق والخطوط الحديدية إلى الضواحي الباريسية، فضلا عن صعوبات كبرى على الطرقات.

وتراهن الاتحادات النقابية على قدرتها على تعبئة الموظفين والعمال، وعلى دعم الأحزاب اليسارية والطلاب والتلامذة لاستمرار ضغطها على الحكومة، مستفيدة من العامل الإضافي المتمثل بفرض الحصار على مصافي تكرير النفط الـ12 المتوقفة جميعها عن العمل وعلى محاصرة مستودعات الوقود بفضل الدور المحوري الذي يلعبه سائقو الشاحنات. وإزاء هذا الواقع، هددت السلطات باللجوء إلى القوة لفتح الطرقات والسماح للصهاريج بالوصول إلى محطات الوقود. غير أن هذه التهديدات والأوامر الإدارية الصادرة عن المحافظين لا يبدو أنها تخيف النقابات التي تلعب مع قوى الأمن لعبة الهر والفأر.

ويمثل اليوم يوما حاسما للنقابات؛ إذ إنه من المفترض أن يصوت مجلس الشيوخ غدا على مشروع القانون الذي أقره مجلس النواب في قراءة أولى. ويسعى أعضاء المجلس من الاشتراكيين واليساريين وبعض المستقلين إلى تأخير موعد التصويت عبر طريق طرح مئات التعديلات واستخدام كل الحجج القانونية والإجرائية لعرقلة بنوده. غير أن اليمين يتمتع بأكثرية ساحقة، ما لا يترك مجالا للشك بإقراره، خصوصا أن الرئيس ساركوزي ومعه الحكومة أكدا بشكل قاطع أنه لا عودة عنه. والسؤال المطروح اليوم: ما الذي ستفعله النقابات بعد أن يقر القانون؟

الواقع أن الحكومة تراهن على ثلاثة أمور: من جهة، سأم النقابات والنقابيين والمضربين والمتظاهرين بشكل عام من تكرار عمليات الاحتجاج التي «لا تفيد»، ومن جهة أخرى اقتراب موعد العطلة المدرسية المطولة التي تبدأ في بعض المناطق يوم الجمعة المقبل، فضلا عن ذلك، تعتبر السلطات أن الصفوف النقابية لا بد أن تنقسم على ذاتها بين نقابات معتدلة تريد الانتهاء من الإضراب وأخرى متشددة (وهي قريبة من الشيوعيين واليسار المتطرف) التي تريد الاستمرار في التحرك معتمدة على مستوى التعبئة الكبير (حوالي ثلاثة ملايين متظاهر كل مرة) لدفع الحكومة إلى التراجع. ويريد هذا الجناح الاستمرار في تحركه على الأقل حتى نهاية الشهر الحالي؛ حيث من المفترض أن يصوت مجلسا النواب والشيوخ مرة ثانية وبالصياغة عينها على مشروع القانون ليتحول إلى قانون يرفع إلى رئيس الجمهورية من أجل إصداره.

ومقابل رهانات الحكومة، تراهن النقابات على تحرك اليوم وعلى اشتداد أزمة المحروقات والنقل وعلى دعم الطلاب والتلامذة وسائقي الشاحنات و«تفهم» الرأي العام للحصول على مبتغاها الأول والرئيسي، وهو إبقاء سن التقاعد عند ستين عاما. والحال أن الرئيس ساركوزي لا يستطيع التراجع، وهو إن فعل فإنه ينسف صدقيته ومستقبله السياسي وسيؤخذ عليه لاحقا أنه «تراجع» تحت ضغط الشارع؛ لذا فإنه بشكل ما، يلعب في هذه الأزمة بمستقبله السياسي ويقامر برغبته في ولاية رئاسية ثانية في الانتخابات الرئاسية التي ستجرى ربيع 2012. وبالمقابل، يتعين على ساركوزي أن يجد «المخارج» لهذه الأزمة وأن يساعد النقابات في حفظ ماء الوجه. أما إذا أراد منها تحقيق «نصر» سياسي، فإنه يغامر بأن يحاسبه كل من نزل إلى الشارع عندما يحين موعد الاستحقاق الانتخابي المقبل.