الصين ترقي حاكما إقليميا تمهيدا لمنحه منصب الرئاسة

الحزب الحاكم يعين جين بينغ نائبا لرئيس اللجنة المركزية.. ويركز على الإصلاح الاقتصادي أكثر من السياسي

TT

بترشيح تشي جين بينغ، نائب الرئيس الصيني، لتولي منصب عسكري، أول من أمس، يواصل جين بينغ ارتقاءه سلم القيادة الصيني، مؤكدا اختيار الحزب الشيوعي له كخليفة للرئيس هو جينتاو.

برز جين بينغ، وهو حاكم سابق لأحد الأقاليم في الصين، كخليفة مؤكد في عام 2007 عندما عين نائبا لرئيس اللجنة المركزية العسكرية للحزب، وهي اللجنة التي تشرف على جيش التحرير الشعبي وأفرعه. ويملأ هذا المنصب الفجوة الباقية في السيرة الذاتية لجين بينغ، وهو ما يعزز من حظوظه في خلافة هو جينتاو، الذي تبوأ هو الآخر مناصب عسكرية ومدنية خلال مسيرته لتولي رئاسة الصين.

وما لم تحدث مفاجأة كبرى، سيكون جين بينغ، 57 عاما، سكرتيرا عاما للحزب، خلفا لهو الذي تنتهي ولايته في زعامة الحزب عام 2012 وفي رئاسة الصين في 2013. وقد أعلنت وسائل الإعلام المملوكة للدولة نبأ تصعيد جين بينغ، في ختام اجتماع لجنة تخطيط الحزب الشيوعي، والذي وافق فيه 370 عضوا من أعضاء اللجنة المركزية الدائمين والمتناوبين على خطة إدارة الصين حتى عام 2015.ورغم ذلك، لم تشر وسائل الإعلام إلى أن ترقية جين بينغ كانت جزءا من مراسم ترتيب مسبق للخلافة. وتعتبر عملية التصعيد الداخلي عملية بالغة السرية، على الرغم من إشارة المحللين إلى أن القيادة تحاول جاهدة تجنب الشكوك وتسعى إلى تحديد الزعماء القادمين قبل توليهم بوقت طويل لتجنب الصراع السياسي الداخلي في دولة الحزب الواحد. وقد خضعت جلسة التخطيط لمتابعة عن كثب ترقبا لإشارات بأن الأعضاء سيدرسون الموجة الأخيرة من المطالب لمزيد من الحرية الشخصية. بيد أن تقرير الحزب ركز على الاستفادة من الفرص الاقتصادية لدعم النمو الاقتصادي السريع الذي كان محرك ارتقاء الصين.

وقال البيان الصادر عن اللجنة المركزية للحزب الشيوعي، الذي نقلته وكالة شينخوا التي تسيطر عليها الدولة: «تهدف الصين إلى تحقيق تقدم كبير في إعادة الهيكلة والحفاظ على النمو الاقتصادي السريع والمستقر نسبيا».

وخلال الوثيقة الغامضة نسبيا، وعدت اللجنة بالقيام بمجموعة كبيرة من التحولات الاقتصادية خلال السنوات الخمس القادمة، لتؤكد على أهمية الاستهلاك الداخلي وتحويل الصناعات التكنولوجية فائقة الدقة إلى قوة محركة تقود النمو الاقتصادي. وأكد البيان أيضا على الالتزام بالجهود الحثيثة والثابتة لإعادة هيكلة النظام السياسي، لكن أحد محللي القيادة السياسية في بكين، راسل لي موزس، قال عن الوثيقة إنها تعطي مؤشرا هزيلا على إمكانية تنفيذ هذه الوعود في أعقاب التغيرات في البيروقراطية الداخلية التي كانت أهم الملامح المميزة للتغيرات السابقة. وقال موزس: «لقد أكدوا على الإصلاح الاقتصادي وهمشوا الإصلاح السياسي، مرة أخرى».

وزاد تصعيد جين بينغ من سهولة اتصالاته وعلاقاته القوية بمسؤولي الحزب. فهو ابن تشي زونغشون، الذي كان أحد رجال العصابات المسلحة الثورية ثم نائبا لرئيس الوزراء، وساعد في ارتقاء هو درجات السلطة في الحزب ورعى النجاح الباهر لإقليم شينزين، أول منطقة اقتصادية حرة في الصين قبل 30 عاما.

تدرج جين بينغ الابن في المناصب الحزبية، حيث عمل كرئيس للحزب في إقليم شيانغ التقدمي، وكذلك في شنغهاي بعد إقالة رئيس الحزب هناك بتهمة الرشوة. وعلى نفس خطى هو قبل توليه منصب رئيس الدولة، نادرا ما يتحدث جين بينغ أمام وسائل الإعلام، كما أنه لم يظهر يوما أنه يمارس دورا كمسؤول بارز في الحزب. تعيين المسؤولين البارزين في الحزب الشيوعي دائما ما يأتي عبر الإجماع بين النخبة السياسية، مع موافقة الجيل الأكبر من القادة على اختيار المسؤولين الأصغر سنا، حيث يتوقع صعودهم إلى المناصب العليا. ويميل القادة الأكبر سنا إلى تفضيل المسؤولين في منتصف الخمسينات من العمر الذين أظهروا الولاء طوال مدة خدمتهم.

وإذا تواصل العرف المتبع، سيحظى جين بينغ بقدر من السلطات أقل مما يوحي به منصبه. فعلى عكس ماو ودنغ شياوبنغ، اللذين صارعا من أجل السلطة وأمسكا بزمام الأمور عبر تسيد النزاع السياسي الداخلي، نجحت الصين خلال السنوات الأخيرة في الحفاظ على الأقل على مظهرها الخارجي من القيادة الجماعية والتي يتم اتخاذ القرار فيها عبر سلسلة من موافقات نخبة الحزب عليها.

وعلى الرغم من عدم شهرة جين بينغ إلى حد بعيد، فإن زوجته بينغ ليوان، كانت في السابق مغنية شهيرة، لكنها اعتزلت الغناء وفضلت التواري عن الأنظار بعد ترقية جين بينغ إلى مرتبة قيادية بارزة. وكان السبب وراء صعود نجم جين بينغ من الغموض النسبي، إلى منصب الخليفة الأبرز لهو قبل ثلاث سنوات مثارا للتكهنات. ويرى بعض المراقبين المقربين من السياسات الصينية أن الرجل الذي كان يمثل الخيار الأول لخلافة الرئيس الحالي هو لي ككيانغ، وهو حاكم إقليمي آخر، وفشل في الحصول على دعم أعضاء الحرس القديم للحزب، الذي يرأسه الرئيس الأسبق جيانغ زيمين. وكان جين بينغ حلا وسطا مقبولا لكل من جيانغ وهو، على حد قول المراقبين. ويتوقع أن يخلف لي، عضو اللجنة الدائمة للمكتب السياسي مع جين بينغ، رئيس الوزراء وين جياباو عندما يتقاعد مع هو في عام 2012.

وما يشغل بال المراقبين هو الطريقة التي سيحكم بها جين بينغ الصين، حيث يعتقد أنه يفضل الخطوات الجديدة لتعزيز الإصلاحات الاقتصادية القائمة على السوق لأنه حكم إقليم شيانغ المعروف بأسلوبه الحر نسبيا للرأسمالية الصغيرة. لكن ميوله السياسية أقل وضوحا. ففي عام 2009 تولى مسؤولية مكتب لجنة الحزب الداخلية، التي فرضت قيودا صارمة على المفكرين الليبراليين والإنترنت والمنظمات غير الحكومية.

وعادة ما يتم تمحيص التقرير السنوي لجلسة الحزب بحثا عن أدلة لتغيرات طفيفة في السياسات الصينية والسلطات الهرمية الصينية، التي عادة ما تكون مصحوبة بنوع مختلط من النجاح. وكانت وثيقة أول من أمس عبارة عن تلخيص للتقرير الكامل الذي سيصدر والذي مزج بعض الخصوصيات بالتأكيد على الأهداف الاقتصادية السابقة التي تم تجاهلها. وكان تحريك الاقتصاد باتجاه مزيد من الاستهلاك الداخلي، هدفا في الكثير من أجزاء التقرير، فعلى الرغم من ازدهار الاقتصاد الصيني القائم على التصدير وتحقيقه تريليونات الدولارات، فإن الناتج المحلي الإجمالي الذي أحدثه الإنفاق الداخلي انخفض بصورة ثابتة إلى ما يقرب من 35% وهو أقل بكثير من غالبية الدول النامية.

وللمرة الأولى، تتعهد وثيقة أول من أمس، بعكس ذلك، من خلال زيادة الإنفاق على الرفاهية وتقييد أسعار سلع معينة مثل الإسكان ورفع مرتبات الموظفين. كما اقترحت الوثيقة تخصيص مزيد من المال لتحديث الزراعة وتقديم تقنيات صناعية متقدمة وزيادة الخدمات المتقلصة للدول مثل تعزيز الثقافة والترفيه والسياحة والرياضة لتوفير المزيد من الوظائف.

* خدمة «نيويورك تايمز»