عدد الطلاب الأفارقة في المغرب تضاعف ثلاث مرات.. لكنهم يشتكون من صعوبة الاندماج

الرباط تسعى من خلالهم إلى استقطاب دعم لموقفها تجاه مشكلة الصحراء

طلاب وطالبات أفارقة يتابعون درسا مع زملائهم الطلاب المغاربة («الشرق الأوسط»)
TT

يوجد نحو 12 ألف طالب أفريقي في المغرب يتحدرون من دول أفريقية، وبعضهم يأتون من دول صغيرة لا توجد بها جامعات. ويقدم لهم المغاربة منحا دراسية في مختلف الجامعات والمعاهد العليا. ومنذ عقود، كان المغرب وجهة مفضلة بالنسبة للأفارقة الراغبين في متابعة دراستهم، بسبب سهولة الحصول على التأشيرة عكس ما هو عليه الوضع مع أوروبا وأميركا. وأيضا لأن مستوى المعيشة في المغرب يظل مناسبا إلى حد ما بالنسبة لهم مقارنة مع دول أخرى، بالإضافة إلى المنح التي يخصصها المغرب للطلبة الأجانب وتصل إلى 80 في المائة بالنسبة للشباب الذين يدرسون في الجامعات بمعدل 750 درهما شهريا (نحو 60 دولارا)، بالإضافة إلى منح بلدانهم، ويشجع المغرب من خلال هذه المنح وتسهيل الالتحاق بالمؤسسات التعليمية توافد الأفارقة إلى المغرب، حيث تضاعف عددهم ثلاث مرات خلال عشر سنوات.

ومن خلال هذه المنح تسعى السلطات المغربية إلى تسهيل توفير حاجات الطلبة الأفارقة، ومن خلال ذلك أيضا الحصول على تأثير ومكانة متميزة في القارة السمراء التي تشكل سوقا اقتصادية واسعة ومهمة للشركات المغربية، كما أن الرباط تحتاج إلى الدعم المستمر للدول الأفريقية لموقفه من مشكلة الصحراء.

لكن على الرغم من كل هذه التسهيلات والشروط والأجواء التي يوفرها المغرب لهؤلاء الطلبة، فإن الأمور ليست كلها إيجابية، إذ يواجه الطلاب مجموعة من المشكلات تتجلى أساسا في صعوبة الاندماج في المجتمع المغربي بسبب اختلاف التقاليد والعادات واللغة، بالإضافة إلى بعض الممارسات التمييزية التي يتعرضون لها أحيانا، بسبب الصورة النمطية المترسخة حول الأفارقة باعتبارهم في الغالب مهاجرين غير شرعيين يعتبرون المغرب محطة للتوجه نحو أوروبا بطريقة غير مشروعة وينتهي الحال ببعضهم إلى التسول في شوارع المدن مغربية. بيد أن هذا لا ينفي كون معظمهم يستفيد من دراسته بالمغرب ويعودون لبلدانهم بشهادات تتيح لهم تقلد مواقع مهمة، لذلك ترى أغلبيتهم أن تجربتهم في المغرب مهمة ومفيدة، وعندما يعودون لبلدانهم يتحولون إلى «سفراء» للمغرب. في حين يفضل بعضهم العمل والاستقرار في المغرب نفسه.

وأصبح مشهد الطلبة الأفارقة في العاصمة الرباط وهم يتابعون دراستهم إلى جانب المغاربة في مختلف المؤسسات التعليمية والجامعات ويقتسمون غرف الحي الجامعي ووجبات المطاعم الجامعية - أمرا معتادا.

الحاجي هادي وإبراهيما جونيور شابان من السنغال جاءا منذ سنتين إلى الرباط لاستكمال دراستهما في مجال الإعلام والحصول على تكوين يؤهلهما ليصبحا صحافيين متميزين في بلدهم، يقول بي هادي حول الصعوبات التي يواجهها الطلبة الأفارقة في المغرب: «الأمر ليس سهلا أبدا، فنحن نحس بالعزلة هنا بسبب العنصرية، أينما ذهبنا في السوق.. في الحافلة، يتم التصرف معنا وكأننا أشخاص غير عاديين بسبب لوننا وعرقنا، ولم نكون صداقات إلى الآن، على الرغم من مضي أزيد من سنتين على وجودنا هنا». ويضيف بنبرة فيها حزن واستغراب: «أحيانا، أجلس بقرب شخص في الحافلة وأحس بأنه غير مرتاح ومتضايق من وجودي وينتظر فقط لحظة انصرافي».

ويشاطر جونيور صديقه الرأي أنهما لأول مرة في حياتهما يشعران بتصرفات تمييزية، يقول: «شكل الأمر مفاجأة في البداية لأننا في بلدنا كنا نعرف مغاربة ولنا أصدقاء مغاربة لم يكونوا عنصريين، كما أنه لا فرق بين السنغاليين والمغاربة المقيمين بالسنغال، فنحن لا نميز بينهم»، ويضيف: «لاحظنا أنه يتم نعتنا بكلمة (عزي) (وتستعمل في العامية المغربية للدلالة على الشخص الأسود)، لم نكن نفهم الكلمة بداية، لكننا في ما بعد علمنا وتعودنا مثل هذه التسميات المسيئة». وقال جونيور إنهما كان يعانيان في البداية التمييز حتى في صفوف الدراسة، لكن الأمر أقل حدة من الشارع، وأضاف: «أحيانا، يشرح الأستاذ جملة بالفرنسية ثم يكملها بالعربية ولا نفهم المعنى كاملا، أو غالبا ما يحكي موقفا طريفا بالعربية ويضحك الجميع دون أن نعلم السبب وإن كان الموضوع يخصنا أم لا».

على الرغم من هذه الصعوبات والمضايقات، فهذان الشابان يجمعان على أن المغرب يظل البلد الوحيد الذي يوفر لهم عددا من الامتيازات، خاصة السنغاليين منهم، بحكم العلاقات الوطيدة التي تجمع بين الرباط ودكار. يقول جونيور: «لي صديقة سنغالية أيضا تدرس في الجزائر وهي تعاني الأمرين لأن التمييز هناك أكبر بكثير مما نعانيه نحن في المغرب» حسب اعتقاده، وأضاف: «أن تكون طالبا سنغاليا في المغرب له امتيازات مقارنة مع باقي الدول الأفريقية بحكم العلاقات القوية بين بلدينا».

وتشرف الوكالة المغربية للتعاون الدولي على التحاق الطلبة الأفارقة والأجانب بكيفية عامة، حيث تنظم عملية انتقالهم إلى المغرب وتقوم بالاتصال بالسلطات الأمنية لتسهيل منح التأشيرات لهم وكذا تسهيل الإجراءات الإدارية والجمركية.

ويقيم معظم هؤلاء بالحي الجامعي الدولي بالرباط التابع للوكالة المغربية للتعاون الدولي وفي بعض الأحياء الجامعية الأخرى طوال مدة الدراسة القانونية في الحي الدولي، على ألا يتجاوز سكن الطالب في الحي الجامعي أربع سنوات. وبادرت الوكالة إلى توفير إقامة صيفية في الأحياء الجامعية بالنسبة للطلبة الأفارقة الذين لم يتمكنوا من الذهاب إلى بلدانهم خلال العطلة، كما يستفيدون من التغطية الصحية والأكل في مطاعم الأحياء الجامعية.