4 من كبار قادة طالبان نقلهم الناتو جوا لمحادثات مع كرزاي

المحادثات تجري دون علم باكستان.. وبعض مشاورات مجلس شورى كويتا حول المصالحة قد تكون جرت في السعودية

الرئيس الأفغاني، حميد كرزاي، يجتمع مع شيوخ بعد مؤتمر حول التنمية الريفية في كابل (رويترز)
TT

تتضمن المحادثات الرامية إلى إنهاء الحرب في أفغانستان جلسات نقاش مباشرة وموسعة مع قياديين من أعلى المستويات القيادية داخل حركة طالبان انتقلوا سرا من معاقلها في باكستان بمساعدة قوات حلف الناتو، بحسب ما أفاد به مسؤولون في كابل.

وعُقدت جلسات النقاش، تم بعضها في كابل، بين الدائرة المقربة من الرئيس الأفغاني حميد كرزاي وأعضاء من مجلس شورى كويتا، وهي المجموعة القيادية التي تشرف على حرب حركة طالبان داخل أفغانستان. وكذلك عقد قادة أفغان جلسات نقاش مع قادة من شبكة حقاني، التي تعد من أكثر الفصائل المسلحة تشددا في أفغانستان، ومع أعضاء مجلس شورى بيشاور، الذي يتخذ مقاتلوه من شرق أفغانستان مركزا لهم.

وبحسب ما أفادت به شخصيات أفغانية مطلعة على المحادثات، فقد ترك قادة حركة طالبان معاقلهم في باكستان متوجهين إلى أفغانستان بعد ضمان صريح بأن قوات حلف الناتو لن تقوم بمهاجمتهم أو القبض عليهم. ويقيم الكثير من قياديي حركة طالبان البارزين في باكستان حيث يتمتعون ببعض الحماية الرسمية كما يُعتقد.

وعبر قادة من حركة طالبان الحدود وصعدوا على متن طائرة تابعة لحلف الناتو متوجهة إلى كابل مرة على الأقل، بحسب ما أفاد به أفغاني مطلع على المحادثات، بينما قامت القوات التابعة لحلف الناتو بتأمين الطرق مرات أخرى للسماح لمسؤولي حركة طالبان بالوصول إلى المناطق الواقعة تحت سيطرة الأفغان وحلف الناتو حتى يتمكنوا من المشاركة في النقاشات. وتم أغلب هذه النقاشات خارج العاصمة الأفغانية كابل، بحسب قول المسؤول الأفغاني.

وقد صرح مسؤولون أميركيون الأسبوع الماضي بأن هناك محادثات بين قادة أفغان وقادة من حركة طالبان، لكن لم يتم الكشف في السابق عن مستوى المتمردين وإذا ما كانوا يمثلون عدة فصائل ومدى الجهود التي تبذلها القوات التابعة لحلف الناتو من أجل توفير وسائل المواصلات والأمن لخصوم كان من المفترض أنهم يسعون إلى قتلهم أو إلقاء القبض عليهم لو لم يتم الكشف عن ذلك. وقد شارك على الأقل أربعة من قادة حركة طالبان، ثلاثة منهم أعضاء في مجلس شورى كويتا والآخر في شبكة حقاني، في المناقشات بحسب ما أفاد به مسؤول أفغاني ودبلوماسي سابق في المنطقة. وقامت صحيفة «نيويورك تايمز» بحجب هويات قادة حركة طالبان بناء على طلب من البيت الأبيض وشخصية أفغانية مشاركة في المناقشات. وأوضح المسؤول الأفغاني أن الكشف عن هوية تلك الشخصيات قد يؤدي إلى قتلهم أو اعتقالهم على أيدي قادة حركة طالبان المنافسين أو من يدعمهم من عملاء المخابرات الباكستانية. ولا تزال المباحثات توصف بأنها أولية، ومن أسباب ذلك محاولة مسؤولين أفغان وأميركيين تحديد مدى تأثير قادة حركة طالبان الذين شاركوا في المحادثات على حركتهم.

ومع ذلك فقد عقدت المحادثات في مناسبات مختلفة ويبدو أنها تمثل حتى الآن أكثر الجهود المبذولة أهمية في ما يتعلق بالتفاوض من أجل وضع حد لحرب عمرها تسعة أعوام، بدأت بحملة تحت قيادة الولايات المتحدة للإطاحة بحكم حركة طالبان في أعقاب هجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول). وقال أفغاني مطلع على المحادثات: «هذه جلسات نقاش مباشرة»، مضيفا: «لا يتعلق الأمر بإرضاء الأميركيين أو كرزاي، بل بما يحقق مصالح الشعب الأفغاني».

وقال المسؤول: «تقوم هذه المحادثات على علاقات شخصية... فعندما ترى حركة طالبان أنها تستطيع التنقل داخل الدولة دون أن يهاجمها الأميركيون ستعرف أن الحكومة تتمتع بالسيادة ويمكن أن يثقوا بها». ويبدو أن المناقشات تسير دون موافقة القادة الباكستانيين الذين يعتقد أنهم يسيطرون إلى حد كبير على قيادة حركة طالبان. ويبدو أن الحكومة الأفغانية تحاول أن تصل إلى اتفاق مصالحة لا تكون باكستان جزءا منه بشكل مباشر، في حين تخشى حكومة كرزاي من ممارسة باكستان نفوذها على أفغانستان بعد انسحاب القوات التابعة لحلف الناتو. لكن قد تؤدي هذه الاستراتيجية إلى نتائج عكسية من خلال إثارة الباكستانيين الذين قد يقوضون أي اتفاق.

وقد تم استبعاد القائد الأكبر لحركة طالبان الملا محمد عمر من المفاوضات، ومن أسباب ذلك قربه من الجهات الأمنية الباكستانية بحسب ما أفاد به مسؤولون.

يشار إلى أنه تم قتل أفغان حاولوا الاشتراك في مفاوضات سابقة أو حتى تسهيل إجرائها على أيدي رفقائهم في حركة طالبان وبمساعدة الاستخبارات الداخلية الباكستانية. وقال المسؤول الأفغاني: «ستحاول الاستخبارات الداخلية الباكستانية منع حدوث هذه المفاوضات». وأضاف قائلا: «ستحاول الاستخبارات الداخلية الباكستانية أن تمحوهم»، في إشارة إلى الأشخاص المشاركين.

وقد اعتقلت الاستخبارات الداخلية الباكستانية في وقت سابق من هذا العام 23 قياديا من حركة طالبان المقيمين في باكستان بعد اكتشافها مشاركة هؤلاء القياديين سرا في محادثات مع ممثلي الحكومة الأفغانية.

يبدو أن استبعاد الملا عمر من المفاوضات يعد محاولة يقوم بها القادة الأفغان من أجل بث الفرقة بين قياديين بارزين لحركة طالبان. ورغم وجود اختلاف بين مسؤولين أفغان، يعتبر الكثيرون منهم الملا عمر أسير المؤسسة الأمنية الباكستانية، ولا يمكنه أن يقوم بأي فعل مستقل.

يعتقد بعض المسؤولين الأميركيين والأفغان أن حركة طالبان مرشحة للانقسام مع احتمال اتجاه الجزء الأكبر نحو الحكومة الأفغانية. وقد سميت جماعة حقاني على اسم جلال الدين حقاني، الوزير السابق في حكومة طالبان خلال فترة التسعينات، الذي يرأس شبكة تشبه المافيا تتخذ شمال وزيرستان في منطقة القبائل مركزا لها. وقد آوت شبكة حقاني الكثير من عناصر «القاعدة» وتربطها صلات وثيقة بالجهات الأمنية الباكستانية.

ويعتقد أن شبكة حقاني مسؤولة عن الكثير من الهجمات الانتحارية داخل كابل أودت بحياة المئات من المدنيين. وقد طلب قائد القوات التابعة لحلف الناتو في أفغانستان الجنرال ديفيد بترايوس من إدارة الرئيس الأميركي أوباما وضع شبكة حقاني ضمن قائمة المنظمات الإرهابية، لكن هذا لم يحدث. ومن المؤكد أن دعم هذه المباحثات يمثل تناقضا بالنسبة للأميركيين، حيث يعد الكثير من قادة حركة طالبان وجماعة حقاني، إن لم يكن أغلبهم، أهدافا تبذل مساعي من أجل قتلهم أو القبض عليهم، بل والكثيرون منهم على «القائمة السوداء» التابعة للأمم المتحدة، التي تلزم الحكومات بتجميد الأصول المملوكة لهم ومنعهم من السفر.

وأقر وحيد عمر، وهو أحد المتحدثين باسم الرئيس حميد كرزاي، بأن الحكومة على اتصال بمجموعة من قادة حركة طالبان، لكن رفض مناقشة أي تفاصيل قائلا: «لا يمكنني أن أؤكد إذا ما كانت هناك مباحثات مع مجلس شورى كويتا أم لا».

وببدو أن قيادة حركة طالبان والدوائر المحيطة بهم أيضا ليسوا على علم بالأمر، حيث قال أحد رجال الدين الباكستانيين المقربين من مجلس شورى كويتا وقيادة جماعة حقاني في مقابلة إنه لا يعلم بوجود أي مباحثات مباشرة مع القادة الأفغان، لكنه أوضح أن الحكومة الأفغانية أرسلت لتتعرف على آراء عدة قادة بحركة طالبان بشأن شرط استبعاد الملا عمر.

وقال رجل الدين: «المشكلة أنهم يريدون استبعاد الملا عمر»، مضيفا: «لا يمكن أن تتم أي محادثات إذا استبعدته». وأوضح رجل الدين قائلا إنه من المحتمل أن تكون بعض النقاشات قد تمت بين أعضاء مجلس شورى كويتا مؤخرا في السعودية، حيث سافر الكثير من قادتهم إلى هناك خلال شهر رمضان.

وقال أحد مسؤولي الأمن الباكستانيين إنه كان يعلم بمشاركة عضو من مجلس شورى كويتا، لكنه رجح أن لا تؤدي هذه المناقشات إلى نتيجة لعدم تمتع القيادي بحركة طالبان بدعم رسمي.

وقال ضابط في القوات الأمنية الباكستانية واصفا القيادي في حركة طالبان: «إنه عديم الفائدة»، وأضاف قائلا: «ليس هذا الرجل في موقع يخوله لعقد اتفاق».

ومن جانبهم تحدث المسؤولون الأميركيون عن تشككهم في وضع آمال كبيرة على هذه النقاشات، حيث فشلت محادثات سابقة، أو لتحري الدقة نقاشات عن محادثات، بسبب شروط مسبقة وضعها الطرفان، فبينما اشترطت حركة طالبان انسحاب القوات الأميركية أولا، اشترطت الحكومة الأفغانية تسليم حركة طالبان لأسلحتها أولا. وقد تكمن العقدة الأكبر في ميدان المعركة، فما دامت حركة طالبان تعتقد أنها الطرف الرابح فلن ترغب في الوصول إلى اتفاق. وقد صعدت القوات العسكرية الأميركية من عملياتها ضد معاقل طالبان خلال الشهور الأخيرة بعد تدفق قوات وموارد إضافية بأمر من الرئيس أوباما. ولم يظهر المتمردون حتى الآن سوى إشارات قليلة عامة باتجاه الاستسلام. وقد أقر بذلك مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية ليون بانيتا يوم الثلاثاء، وصرح في واشنطن قائلا: «إن كانت هناك دلالات تشير إلى الرغبة في إجراء مصالحة والاندماج، فيجب أن تكون واضحة»، وأضاف: «لكن ما زلت لا أرى أي شيء في هذه المرحلة يشير إلى بذل أي جهد جاد من أجل الوصول إلى مصالحة».

* خدمة «نيويورك تايمز»