الصحف البريطانية تفرد صفحاتها لخطط التقشف.. وتنقسم بين الدفاع والتهجم على سياسات الحكومة

وزير الخزانة يدافع عن سياسته ويؤكد أنها عادلة

TT

طغت قصص خطط التقشف التي أعلن عنها أول أمس وزير الخزانة البريطانية جورج أوزبورن، على صفحات الصحف الصادرة في لندن أمس، وحملت الصحف اليسارية على «استهداف الفقراء»، بينما دافعت اليمينية عن الخطط «الجريئة» للحكومة.

ورأت الصحف البريطانية أن خطة التقشف ستغير بريطانيا إلى الأبد وتنذر ببداية تراجع الدولة عن مساعدة المواطنين. واعتبرت صحيفة «فاينناشيال تايمز» الخطة «أكبر مقامرة اقتصادية تقوم بها بريطانيا منذ جيل». وعنونت صحيفة الـ«تايمز» اليمينية على صفحتها الأولى: دواء أوزبورن. وكتبت في الداخل أن «أوزبورن أعاد رسم شكل الدولة، وخياراته هي في الأساس الخيارات الصحيحة».

واعتبرت صحيفة «الغارديان» اليسارية التي عنونت على صدر صفحتها الأولى أن الفقراء هم أكبر المستهدفين، أن المستقبل قاتم والاقتطاعات في المساعدات الاجتماعية ستضرب «المريض والفقير والوالدين اللذين يعملان». وأضافت أن هذه الاقتطاعات تتركز «بشكل قاس فعلا، وبما ينهي دولة المساعدات، على الذين يملكون القليل».

لكن بالنسبة لصحيفة «ديلي تليغراف» اليمينية، فإن خطة التقشف هذه تعني أن الدولة «تقلص دورها» بفضل «سلسلة من الإجراءات الذكية والمنهجية والشجاعة»، مؤكدة أن وزير الخزانة «قام بالاختيار الصائب». ورأت أن الأمر يتعلق بالسيطرة على ميزانية اجتماعية «خارجة عن السيطرة تماما» وبتحسين فاعلية الخدمة العامة بعد 13 عاما من الإدارة العمالية. أما صحيفة «الصن» الشعبية القريبة من المحافظين، فقد رأت أن «أوزبورن يضرب بريطانيا» ويمنح بذلك البلاد فرصة «القيام بتحول تاريخي عبر الابتعاد عن ثقافة المساعدة لمصلحة ثقافة العمل والاعتماد على النفس».

لكن صحيفة «الإندبندنت» اليسارية قالت إن هذه الإجراءات تندرج في إطار التوجه العام للدول المتطورة التي يجب على حكوماتها «محاولة فعل المزيد لكن بكلفة أقل». وأضافت «لكنها (الحكومة البريطانية) لا تستطيع أن تفعل ذلك. لذلك ستشكل الاقتطاعات الميزانية الخطوة الأولى لتراجع أكبر» للدولة.

ودافعت أمس الحكومة البريطانية عن نفسها أمام اتهامات بأن إجراءاتها لخفض الإنفاق الحكومي ستلحق ضررا كبيرا بالفقراء وقد لا تكون كافية لمعالجة العجز العام الهائل. وأكد أوزبورن أن خططه عادلة، وذلك غداة كشفه عن إجراءات ستؤدي إلى إلغاء 490 ألف وظيفة حكومية وخفض خُمس نفقات الدولة ونفقات الرعاية الاجتماعية الحكومية. وقال لهيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) إن العملية «اشتملت على بعض الخيارات الصعبة، ولكنني أعتقد أن هذه الخيارات كانت عادلة». وأضاف أن «أغنى 10 في المائة في البلاد سيكونون أكثر المتضررين (...) سيدفع الأغنياء معظم التكلفة ولكن الجميع سيسهم».

ورفض انتقادات معهد الدراسات المالية، أكبر مؤسسة بحثية اقتصادية في بريطانيا، والتي حذرت من أن الخفض قد لا يكون كافيا لتحقيق هدف أوزبورن بالتخلص من العجز العام في الميزانية خلال أربع سنوات. وقال كارل أميرسون، مدير المعهد بالإنابة، إن خفض مزايا الرعاية الاجتماعية «سيؤثر على فئة أصحاب المداخيل الدنيا أكثر مما سيؤثر على فئة أصحاب المداخيل العليا». وتسلمت الحكومة البريطانية المؤلفة من ائتلاف بين المحافظين والديمقراطيين الأحرار السلطة في مايو (أيار) وأعلنت أنها ستضطر إلى اتخاذ إجراءات صارمة للتخلص من العجز القياسي في الميزانية والذي وصل إلى 154.7 مليار جنيه استرليني (175.9 مليار يورو، 244 مليار دولار). وانتقد حزب العمال إجراءات خفض الإنفاق العام وقال إنها مقامرة يمكن أن تعيد الدولة، التي تعد سادس أكبر اقتصاد في العالم، إلى الركود. ورفض أوزبورن تحذيرات معهد الدراسات المالية بأن على الحكومة أن تكون لديها خطة ثانية تقضي بزيادة الضرائب وخفض الإنفاق بشكل أكبر إذا ما فشلت الخطة التقشفية الحالية في سد العجز في الميزانية. وقال أوزبورن «لدينا خطة الآن، ونعرف إلى أين نحن متجهون، سنتعامل مع ديوننا. نعم الطريق صعبة للغاية، ولكنها تقود إلى مستقبل أكثر إشراقا».

وبموجب خطة التقشف، التي ستوفر نحو 81 مليار جنيه استرليني، بحسب أرقام الحكومة، فإن الائتلاف الحكومي سيخفض نحو نصف مليون وظيفة من القطاع العام خلال أربع سنوات من إجمالي ستة ملايين وظيفة. وتواجه الدوائر الحكومية خفضا بمعدل 19 في المائة باستثناء دوائر الصحة والمساعدات الخارجية. أما نفقات الرعاية فكانت الأكثر تضررا، إذ تعتزم الحكومة خفض 70 مليون جنيه استرليني، حيث أكد أوزبورن أن مخصصات الأطفال ستخفض بالنسبة لذوي الدخل المرتفع بينما سيتم رفع سن التقاعد في الوظائف الحكومية إلى 66 عاما.