مسؤولة في الخارجية الأميركية: ليس على اللبنانيين الاختيار بين العدالة والاستقرار

مشاورات أميركية - فرنسية مكثفة بشأن الملف اللبناني

TT

تكثفت في الأيام والساعات الأخيرة الاتصالات بين باريس وواشنطن حول الموضوع اللبناني، فمساعد وزيرة الخارجية لشؤون الشرق الأوسط، جيفري فيلتمان، في العاصمة الفرنسية منذ أول من أمس، أي منذ انتهاء جولته العربية التي شملت السعودية ولبنان والمغرب، ومديرة مكتب الشرق الأدنى في الخارجية، نيكول شامبين، في باريس أيضا من أجل الاجتماع بمسؤولي الملفين اللبناني والسوري في الخارجية الفرنسية. وكان جيفري فيلتمان قد وزع لقاءاته بين قصر الإليزيه ووزارة الخارجية.

وأفادت مصادر فرنسية رفيعة المستوى أن هذا «الحراك» الدبلوماسي والتواصل على خط باريس - واشنطن يعكس «القلق» المشترك من المسار الذي تسلكه الأمور في لبنان كما أنه «رسالة» إلى من يعنيه الأمر للتذكير بوقوف البلدين (وغيرهما من البلدان المعنية خصوصا الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن الدولي) إلى جانب المؤسسات اللبنانية بوجه ما تعتبرانه محاولة للالتفاف عليها وإضعافها والعودة بالوضع اللبناني إلى ما كان عليه سابقا ونسف المحكمة الدولية.

وقالت مصادر فرنسية رسمية لـ«الشرق الأوسط» إن باريس «لن تترك لبنان يقع لقمة سائغة» بيد هذا الطرف أو ذاك. وكان السفير الفرنسي في بيروت دوني بييتون قد جاء إلى باريس نهاية الأسبوع الماضي لإجراء لقاءات مع المسؤولين عن الدبلوماسية الفرنسية تركزت على الوضع المستجد في لبنان وكيفية التعاطي معه. وتنتظر الجهات الرسمية زيارة رئيس المجلس النيابي اللبناني، نبيه بري، الرسمية إلى باريس لبلورة «مجموعة من الرسائل» تنوي التشديد عليها بالنظر إلى موقعه الرسمي من جهة وتموضعه السياسي من جهة أخرى. وحرصت باريس على توضيح موقفها من المحكمة الدولية الخاصة بلبنان بالتشديد على أنها «قائمة بذاتها» ولا سبيل للتأثير عليها لا في هذا الاتجاه ولا في ذاك مع التشديد على ضرورة العمل على «احتواء» ما قد ينتج عن القرار الظني الذي سيصدر عن مدعي عام المحكمة دانيال بلمار في تاريخ غير محدد بعد.

ويتلاقى الموقف الفرنسي تماما مع الموقف الأميركي كما عرضته أمس نيكول شامبين، في لقاء نظمته السفارة الأميركية في باريس مع عدد محدود من الصحافيين وتناولت فيه مجمل الوضع اللبناني والعلاقة الأميركية - السورية ونظرة واشنطن إلى مجمل هذا الملف المعقد. وبداية، وصفت شامبين الوضع اللبناني بأنه «مقلق جدا» في إشارة إلى التوتر الناجم عن موضوع المحكمة الدولية والرفض الجذري الذي تلاقيه من قبل شريحة واسعة، داخلية وإقليمية، تشمل إلى جانب حزب الله أطراف المعارضة في الحكومة وداخل وخارج المجلس النيابي فضلا عن سورية وإيران. وأشارت الدبلوماسية الأميركية إلى أن بلادها «تعمل بنشاط» مع شركائها وخصوصا فرنسا للتخفيف من الاحتقان الموجود.

ووجهت المسؤولة الأميركية رسائل واضحة إلى كل الأطراف في ما يبدو أنه تحذير واضح لمن يسعى من أجل نسف المحكمة. وقالت شامبين إنه «لا يتعين على اللبنانيين أن يختاروا ما بين العدالة والاستقرار» بل يتعين أن يحصلوا على الأمرين معا. وأضافت شامبين بلهجة حاسمة: «نحن لا نتدخل في عمل المحكمة ولكن نعتبر أنه يتعين السماح لها بمتابعة عملها من غير تدخل خارجي وستستكمل مهمتها». وربطت شامبين بين العدالة والاستقرار فجعلت العنصر الأول مكونا أساسيا للعنصر الثاني وأحد أوجه الديمقراطية والسيادة والاستقرار. وفي رسالة واضحة إلى سورية، قالت شامبين ردا على سؤال لصحافية فرنسية عن «البديل» الواجب دفعه لسورية لتقبل مقولة العدالة والاستقرار معا، إن واشنطن «أعربت عن مخاوفها لدمشق وأن «عدم الاستقرار في لبنان لا يخدم المصالح السورية». وشددت على عزم بلادها الوقوف إلى جانب لبنان بما في ذلك دعم الجيش اللبناني وأكدت أن الإدارة الأميركية ما زالت تناقش الموضوع مع الكونغرس وهي «واثقة» من التوصل إلى تفاهم معه بما «يخدم مصالح الولايات المتحدة الأميركية» مضيفة أن إدارة الرئيس أوباما تعتبر مساعدة الجيش اللبناني «مسألة مبدئية» تتمسك بها. وأفادت مصادر أميركية رفيعة أن واشنطن «تعول على القوات الشرعية اللبنانية لمنع أي اندلاع لأحداث العنف في لبنان».

وتبدو مقاربة واشنطن لعلاقاتها مع دمشق «معقدة» إذ إنها من جهة تشدد على الإيجابيات التي برزت في مواقف دمشق من العراق (تشكيل حكومة تضم كل الأطراف بعكس الموقف الإيراني) كما تشيد بالخطوات السورية إزاء لبنان لجهة التبادل الدبلوماسي وتشديد الرئيس الأسد على ترسيم الحدود مع لبنان. لكنها في الوقت عينه تعرب عن «قلق» أميركي إزاء دعم سورية لحزب الله وتوفير السلاح له كما تنتقد طريقة تعامل سورية مع لبنان بشأن مذكرات التوقيف الـ33 التي طالت مسؤولين أمنيين ومقربين سياسيين من الرئيس الحريري. وتعتبر واشنطن أن ثمة تفاهما بين سورية وإيران في لبنان ولكن لكل طرف «مصالحه الخاصة» مما يفسر وجود تمايز بينهما في الملف اللبناني.