فرنسا تنشط حراكها الدبلوماسي تجاه لبنان.. بري في باريس وساركوزي وسليمان يلتقيان في سويسرا

باريس تعول على بري لتقوية خط الاعتدال في لبنان لكنها ترفض المساومة على المحكمة

TT

عاد لبنان إلى واجهة اهتمامات الدبلوماسية الفرنسية على أعلى المستويات، إذ سيستقبل الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي في فترة وجيزة رئيس الجمهورية ميشال سليمان بمناسبة انعقاد القمة الفرانكفونية في مدينة مونترو السويسرية، كما سيستقبل في قصر الإليزيه رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي يقوم بزيارة رسمية إلى فرنسا يوم الثلاثاء المقبل.

وأعدت باريس لبري برنامجا حافلا يشتمل على الاجتماع بالرئيس ساركوزي، ثم لقاء مع رئيس الحكومة فرنسوا فيون، ووزير الخارجية برنار كوشنير، ورئيس مجلس النواب والشيوخ برنار اكواييه، وجيرار لارشيه. كما يقيم سفير لبنان لدى فرنسا بطرس عساكر حفل استقبال على شرفه، ضم إلى حفل الاستقبال التقليدي بمناسبة عيد الاستقلال. وسيتم خلال الزيارة التوقيع على اتفاقيات تعاون بين مجلسي النواب اللبناني والفرنسي على غرار ما تعقده باريس مع الدول الصديقة، تشمل تبادلا للزيارات وتأهيل موظفي مجلس النواب اللبناني ومسائل فنية أخرى.

وبري كان الوحيد من بين الرؤساء الثلاثة (الجمهورية والحكومة والبرلمان) الذي لم يزر فرنسا رسميا منذ بداية عهد ساركوزي. ومنذ تشكيل الحكومة اللبنانية، اتخذت فرنسا قرارا بحصر اللقاءات الرسمية بالمسؤولين الرسميين لتفادي تعدد الأصوات ولتعزيز المؤسسات اللبنانية. غير أنها استقبلت البطريرك الماروني نصر الله صفير قبل الصيف، فيما ينجح السياسيون اللبنانيون الذين يأتون إلى العاصمة الفرنسية في تأمين اجتماعات لهم في وزارة الخارجية أو الإليزيه. ومن جانبه، يقوم السفير الفرنسي في بيروت دوني بييتون بسلسلة لقاءات موسعة مع السياسيين اللبنانيين من كل الاتجاهات، بما فيها حزب الله.

وتأتي زيارة بري إلى باريس في لحظة «حرجة»، إذ لا تخفي المصادر الفرنسية هذه الأيام «قلقها العميق» إزاء تطورات الملف اللبناني ببعديه الداخلي والإقليمي، سواء من ناحية المحكمة الدولية وما تثيره من جدال واسع وتنذر به من توتر، أو من ناحية وضع اليونيفيل في الجنوب، وتحديدا وضع القوة الفرنسية المشكلة من 1500 رجل، أو أخيرا من ناحية وضع لبنان الإقليمي وانسداد الطريق بوجه مفاوضات السلام.

وتندرج زيارة بري ومحادثاته في سياق عودة النشاط الفرنسي بشأن الملف اللبناني، وهو ما برز في الساعات الأخيرة بوجود مبعوث دبلوماسي مصري في العاصمة الفرنسية، إضافة إلى مساعد وزير الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأدنى جيفري فيلتمان، وهو ما وفر الفرصة لعقد اجتماع ثلاثي في باريس كان يفترض أن يكون رباعيا خصص جانب منه للوضع اللبناني. لكن غياب طرف عربي عنه أبقاه ثلاثيا.

وقالت الخارجية الفرنسية أمس إن زيارة بري «ستكون فرصة لفرنسا للتعبير عن دعمها للسلطات اللبنانية وللحوار الواجب أن يقوم (في لبنان)، وللتذكير بتمسك فرنسا بوحدة واستقلال واستقرار لبنان وسلامة أراضيه». وكان رئيسا مجلس الشيوخ والنواب قد زارا لبنان في الربيع الماضي.

غير أن أهمية الزيارة تكمن في مكان آخر، إذ تريد باريس أن تبحث مع بري المواضيع الساخنة وعلى رأسها موضوع المحكمة الدولية وكيفية تدارك ما يمكن أن تثيره من توتيرات داخلية سياسية ومذهبية. وقالت مصادر دبلوماسية إن بري «لم يطالب أبدا بإنهاء مهمة المحكمة الدولية»، بعكس أطراف المعارضة اللبنانية الأخرى، وعلى رأسها حزب الله الذي يصفها بأنها «محكمة أميركية - صهيونية لتصفية المقاومة».

وتعتبر المصادر الفرنسية أن بري «عنصر اتزان حريص على التهدئة والاستقرار»، ولذلك فإنها ستغتنم الفرصة لإيصال «مجموعة رسائل» عن الواقعين الداخلي والإقليمي تصب كلها في مجرى التهدئة والتعقل والدعوة إلى تغليب الحوار والمنطق وتفادي أن تفضي المحكمة أو القرار الظني إلى تخريب الوضع الأمني. غير أن باريس رفضت الطلبات التي وصلت إليها والداعية إلى التدخل لدى المحكمة الدولية أو المدعي العام، كما عبرت باستمرار عن دعمها لها. وقالت مصادر رسمية رفيعة المستوى لـ«الشرق الأوسط» إن قبول باريس إجراء المحاكاة التفجيرية لعملية اغتيال الحريري في أحد معسكراتها جنوب غربي فرنسا، هو «عمل تقني لكنه أيضا إشارة سياسية بالغة الدلالة حول تمسك فرنسا بالمحكمة». كذلك لا ترى باريس أنه يتعين أن يكون هناك تضارب بين الاستقرار وبين العدالة الدولية، وهي «الرسالة» التي تدأب باريس على نقلها للأطراف اللبنانية منذ أشهر.