بيل كلينتون يجول أميركا لإنقاذ الحزب الديمقراطي

يلقي خطاباته بعفوية ودون تدخل من البيت الأبيض ويريد تنظيم 100 تجمع قبل الانتخابات

بيل كلينتون خلال تجمع انتخابي أخير في دنفر (أ.ب)
TT

يتحدث أصدقاء مقربون من الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون عن حيرته البالغة إزاء فشل المرشحين الديمقراطيين في تقديم رسالة واضحة ومفصلة حول الاقتصاد، مع اقتراب انتهاء الحملات الانتخابية، والأسوأ أنهم سمحوا لأنفسهم بالتحول إلى «دمى بشرية» يتقاذفها المرشحون الآخرون.

هذا الارتباك الواضح في صفوف المرشحين الديمقراطيين دفع الرئيس الأسبق، كلينتون، لأن يجعل من نفسه حائط الصد الأخير على مدار الساعة لإنقاذ حزبه الذي تعرض لانتكاسة كبيرة. ونظرا لأنه الرئيس الوحيد في الوقت الحالي الذي تمكن من موازنة الميزانية الفيدرالية، يغامر كلينتون بمصداقيته ليكون أحد أشرس المدافعين عن السياسات الاقتصادية للرئيس أوباما.

وقال كلينتون، هذا الأسبوع، في الحملة الانتخابية لعضو مجلس الشيوخ، السيناتورة باتي موراي، في واشنطن: «سمعت أن الجمهوريين يقولون إن الرئيس أوباما يتحمل عاقبة كل ما جرى منذ الثانية التي رفع فيها يده من على الإنجيل، ليدخل إلى البيت الأبيض، وأنا أقول لكم هل يستطيع أي منكم أن يوقف عربة تهبط جبلا بسرعة 200 ميل في الساعة في 10 ثوان فقط».

إذا كان ثمة شكوك بأن كلينتون النجم الشمالي للحزب الديمقراطي، فقد أزيلت هذه الشكوك خلال الأسابيع القليلة الماضية عندما حشد المئات من المؤيدين في أماكن لعب كرة السلة والجامعات وصالات المطار، ليكون حامل رسالة الحزب الأكثر شعبية، والأكثر قدرة على جذب الجماهير في كل مكان، مهما كانت درجة عدائها للحزب الديمقراطي، على عكس الرئيس أوباما.

وحتى يوم الانتخابات، سيكون كلينتون قد حضر أكثر من 100 تجمع انتخابي، تشمل هذه التجمعات واحدا بولاية ميريلاند، أول من أمس، حين ظهر مع حاكم الولاية مارتن أومالي. ويبدي بعض الديمقراطيين انزعاجا من أن الرئيس الأسبق، الذي غادر منصبه قبل عقد تقريبا، أكثر شعبية من الرئيس أوباما وقادة الحزب الحاليين.

ويقول بوب روكر، أستاذ الصحافة، وهو يغادر تجمعا انتخابيا حضره كلينتون في جامعة ولاية سان جوزيه: «لن يعيش كلينتون إلى الأبد، وأعتقد أن الوقت قد حان بالنسبة للحزب الديمقراطي لتصعيد وجوه جديدة».

لكن حتى مع حالة السخط التي يعانيها الحزب، فإن استطلاعات الرأي تثبت أن كلينتون واحد من بين أشهر الرموز السياسية في البلاد. فشعبيته الجديدة بين المرشحين الجمهوريين انعكاس ملحوظ لـ16 عاما مضت، عندما فقد الديمقراطيون الهيمنة على غرفتي الكونغرس لصالح الحزب الجمهوري بعد عامين من رئاسته.

وقال كلينتون أمام حشد من الديمقراطيين في مدينة إيفريت بولاية واشنطن: «انظروا أيها الرفاق، لقد رأيت هذا المشهد من قبل عام 1994، وقد اتصلت بالرئيس قبل أيام وطلبت من الهدوء. وقلت له إنهم لم يقولوا أي شيء عنك أو عني، والسبب الوحيد في أنهم لم يهاجموني هو أنني لا أستطيع الترشح لأي منصب بعد الآن».

كلمة كلينتون التي ألقاها في إيفريت كانت مليئة بالتعاطف والعفوية، شرح فيها ما قال إنه نقاشات الجمهوريون، فقال: «أنا أعلم أنكم غاضبون، وأعلم أنكم خائفون. لذا دعونا نجعل هذا استفتاء على كل شيء يخيفكم بشأن الحياة التي تعيشونها الآن - خذوا كل شيء لا يسير وفق هواكم الآن وضعوا صورة باتي موراي عليه، واجعلوه استفتاء»، وواصل مؤكدا: «إنه ليس استفتاء إنه اختيار. اختيار بين جانبين». وحث كلينتون الجماهير على مواصلة التعبئة، لكن «حاولوا تركيز غضبكم حتى ينقي حكمكم، بدلا من أن تشوبه الغيوم».

لم يتمكن أي مرشح ديمقراطي آخر من التعبير عن قلق الدوائر الانتخابية لهذا العام مثلما فعل كلينتون، حيث تحدث المرشحون الآخرون عن أزمة المنازل بعبارات رصينة، مثلما فعل زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ، السيناتور هاري ريد، في مناقشة الأسبوع الماضي، خلال حديثه عن أزمة الرهن العقاري، بينما تناول كلينتون الرهن العقاري السيئ إذا ما ابتليت عائلته برهن كهذا.

وقال كلينتون، الذي لم ينف أنه مليونير، وأنه يمتلك الكثير من العقارات، في توقف له في مقاطعة إسبانولا بولاية نيومكسيكو: «أكثر من 10 ملايين أميركي يعيشون في منازل لا تساوي أكثر من رهننا العقاري، ولا يمكننا الانتقال كما اعتدنا أن نفعل ذلك في السابق، لأن قروضنا الائتمانية ستقيدنا لعقد على الأقل».

ويقول بول بيغالا، المخطط الاستراتيجي البارز السابق: «إن كلينتون يحاول التعبير عما يشعر به الأميركي العادي، فقد سخر كل من اليمين واليسار من أسلوب التعاطف مع الجماهير، لكن الأميركيين يحبونه. لأنه نابع من القلب أكثر منه من العقل، فهو مشاعر حقيقية غير مصطنعة».

ويقول ماك أوليفي، رئيس اللجنة الوطنية الديمقراطية السابق: «عادة ما يجلس كلينتون وهو يحمل لوحا صغيرا عليه أوراق صفراء لتسجيل الملاحظات، ويؤكد عليه بالقول: «تأكد يا تيري من أن كل المرشحين حصلوا على هذه الملاحظات ليتناولوها في كلماتهم»، وأضاف ماك أوليفي: «إنه يبدي حيرة شديدة من عدم قدرة المرشحين على تقديم رسالة واضحة حول ما أنجزه الحزب، وكيف سمحنا لأنفسنا بأن نصبح دمى بشرية. أعتقد أنه غاضب من أن الديمقراطيين لم يتمكنوا من أن يشرحوا للشعب الأميركي ما قاموا به حقا».

لا تزال أمام كلينتون فسحة من الوقت حتى يتمكن قبل إنهاء كلماته من الحديث عن تغيير سياسة قروض الطلاب، وهو إنجاز إدارة أوباما الذي قال إنه لم ينل حقه في الحملات الانتخابية. وأبدى كلينتون حزنه العميق على تراجع الولايات المتحدة من المركز الأول إلى التاسع في نسبة البالغين الحاصلين على تعليم جامعي، لأن الكثير من الطلاب يتوقفون عن مواصلة التعليم خشية ألا يتمكنوا من رد القروض التعليمية.

نتيجة هذه الجولات اقتطع الرئيس وقتا من إدارة مؤسسته الخيرية العالمية، لتأخذه في جولة من دلتا نهر المسيسبي إلى ولايات الشمال الغربي المطلة على المحيط الهادئ وكل ما بينهما. وقد تطلب منه إلقاء كلمة في كاليفورنيا حيث نحى خصوماته جانبا، للتحالف مع جيري براون، الذي يسعى إلى الترشح مرة أخرى لاستعادة منصبه كحاكم للولاية.

وقال مساعدون إن كلينتون ربما يستأنف جولاته الأسبوع المقبل لزيارة المواقع الانتخابية في أوهايو وبنسلفانيا وكنتاكي. ويعتقد البعض أن القادة الديمقراطيين في واشنطن ينسقون أنشطة حملة كلينتون، لكن الآخرين يعتقدون أنه لم يدفعه لذلك سوى انتمائه للحزب. ويسعى المرشحون الديمقراطيون من جميع الأطياف إلى تقديم طلبات يطلبون منه النصيحة عبر مساعده دوغلاس باند، ويعطي كلينتون أولوية للسياسيين الذين ساندوا زوجته هيلاري كلينتون في حملتها للفوز بنيل بطاقة الحزب للترشح للرئاسة، (ونظرا لكونها وزيرة للخارجية فقد حرمت من المنافسة في الأنشطة السياسية).

كما أولى رعاية خاصة لأصدقائه المقربين، مثل النائب كندريك ميك نائب ولاية فلوريدا، الذي على الرغم من حصوله على المركز الثالث في استطلاعات الرأي بين الناخبين، فإنه تمكن من جذب كلينتون للقيام بست زيارات إلى الولاية هذا الأسبوع.

ولا يسعى قادة الكونغرس أو البيت الأبيض إلى التدخل في الكلمات التي يلقيها؛ فكلينتون لا يقرأ من ملقن إلكتروني، ونادرا ما يلتفت إلى ملاحظاته الموضوعة أمامه. ولا يلتقي كلينتون بالصحافيين المحليين أو القوميين وينتقل من المقرات الانتخابية إلى المطار ليلحق بتجمع انتخابي آخر.

نادرا ما يتحدث الرئيس مع المرشحين - وفي بعض الحالات لا يتحدث معهم إطلاقا قبل الظهور على المنصة، وكلينتون دائما مستهلك شره للأخبار، خاصة الأخبار السياسية، ويقول مساعدة إنه يسهر حتى وقت متأخر لمتابعة الحملات الانتخابية، وقال كلينتون أمام جمع من 5000 أميركي ساعة الغروب في تجمع انتخابي عقد في بلازا دي إسبانولا، بولاية نيو مكسيكو: «دائما ما أرى أنني قد صرت عجوزا على مثل هذا العمل».

رد عليه الجمهور صارخا: «كلا! كلا! كلا!». وأضاف: «ثم وصلت إلى هنا وبدأت في التجول بين المواطنين ووجدت أن الكثيرين منهم قلقون، والبعض الآخر خائفون، لذا دفعني الإحساس بالمسؤولية إلى القيام بهذه الجولات».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»