وقف جهود الإعمار الأميركية في أفغانستان بسبب خلاف أمني

مسؤول أميركي: تداعيات حظر الشركات الأمنية «ستكون كارثية»

TT

بدأت الشركات التنموية الممولة من الولايات المتحدة وقف العمل بمشروعات إعادة إعمار كبرى بسبب رفض الحكومة الأفغانية إلغاء حظر فرضته على استخدام الشركات لحراس أمنيين خصوصيين، طبقا لما ذكره مسؤولون أميركيون وعمال بمجال الإغاثة هنا.

ومن الممكن أن يخلف قرار وقف العمل بالمشروعات، التي تبلغ إجمالي قيمتها مئات الملايين من الدولارات، تداعيات واسعة النطاق على الحملة العسكرية التي تقودها واشنطن ضد طالبان، والإضرار بعنصر رئيسي في استراتيجية التصدي للتمرد خلال فترة حرجة بالحرب. ومن بين المشروعات المتضررة من هذه التحركات برامج لمساعدة المزارعين الأفغان وتحسين مستوى الحكم المحلي، واللذان يعتبران عنصرين محوريين في مجمل الجهود الأميركية لإرساء دعائم الاستقرار بالأجزاء المتوترة في جنوب وشرق البلاد، وذلك حسبما أفاد المسؤولون.

وذكر مسؤول أميركي معني بالقضية أن تداعيات الحظر على استعانة شركات التنمية بحراس خصوصيين «ستكون كارثية». وأضاف: «لو توقفت هذه المشروعات، ربما نضطر نحن أيضا للعودة إلى الوطن. إنها مشروعات أساسية لاستراتيجية مكافحة التمرد».

وقال مسؤول أميركي آخر إن الحظر سيؤثر على نشاطات إعادة إعمار جارية تقدر قيمتها بنحو 1.5 مليار دولار، مضيفا أن أكثر من 20.000 أفغاني سيفقدون وظائفهم بمشروعات بمجالي بناء الطرق والطاقة فقط.

وجاء الحظر الذي فرضه الرئيس حميد كرزاي بمثابة أحدث قضية خلافية في إطار علاقته بالولايات المتحدة التي سادها التوتر أغلب الوقت، مما أثار تساؤلات جديدة حول مدى استعداده للتعاون مع المجتمع الدولي، وربما يعقد قراره الأخير التقديرات بالغة الأهمية التي سيجري وضعها نهاية العام لجهود الحرب من قبل كل من البيت الأبيض وحلف الناتو.

من المفترض أن يبدأ سريان الحظر في 17 ديسمبر (كانون الأول) المقبل، وسيؤثر على جميع شركات التنمية والمنظمات غير الحكومية، بما في ذلك التي تتلقى تمويلا من دول أخرى والأمم المتحدة. وينطبق الحظر كذلك على المتعاقدين الخصوصيين المسؤولين عن حراسة قافلات الإمدادات الخاصة بالقوات العسكرية وتحمل أغذية ووقود ومؤن أساسية أخرى، علاوة على مصارف دولية وعدد من المؤسسات الخاصة الأخرى التي تدعم نشاطاتها جهود إعادة الإعمار.

وأشار دبلوماسيون وممثلون عن الشركات إلى أن الحراس الأمنيين الخصوصيين ضروريون للمشروعات الجارية في الكثير من أرجاء البلاد بسبب التهديد الناشئ عن هجمات المتمردين والنشاطات الإجرامية. إلا أن مسؤولين أفغانا أشاروا إلى أن المتعاقدين الأمنيين الخصوصيين يعملون في ظل مستوى هزيل من الرقابة أو المحاسبة، وأحيانا يعملون كميليشيات خاصة تتجاوز حدود سيطرة قوتي الشرطة والجيش الوطنيتين.

الملاحظ أن أغلبية الشركات الأمنية الخاصة التي تستعين بها شركات تنمية تعتمد على حراس أفغان يتولى أجانب الإشراف عليهم. أما الشركات فبعضها مملوك لأفغان والبعض الآخر يمثل كيانات دولية تعمل في العديد من الدول.

من ناحيتها، ترغب الحكومة الأفغانية في أن تتولى قوات من الشرطة والجيش الأفغانيين حراسة العاملين بمجال التنمية ومشروعاتهم، وهو هدف يصفه دبلوماسيون وعمال بمجال المساعدات والإغاثة بالافتقار إلى الواقعية لما تتسم به قوات الأمن الحكومية من فساد وتدريب رديء وضآلة في العدد. كما أشارت شركات التنمية إلى أنها ستعجز بذلك عن تأمين موظفيها - وهو شرط أساسي جوهري بالنسبة للمشروعات الجارية بأي منطقة حرب - حال فشلها في الاستعانة بحراس خصوصيين.

وقال أحد المسؤولين التنفيذيين المعنيين بالتنمية، رفض كشف هويته لحساسية القضية: «إذا لم نحظ بحراسة خاصة، لن نتمكن من العمل داخل أفغانستان. هذا أمر غير قابل للتفاوض».

من جهتهم، عمل دبلوماسيون أميركيون وآخرون تابعون للناتو بجد للتخفيف من الحظر منذ الإعلان عنه خلال الصيف. وتحت ضغوط من الجنرال ديفيد إتش. بترايوس، أعلى قائد للقوات الأميركية وقوات الناتو في المنطقة، أصدر مجلس الأمن القومي التابع لكرزاي، الأحد الماضي، إعفاء بالنسبة للقواعد العسكرية والسفارات والمقار الدبلوماسية والمواكب الدبلوماسية.

في البداية، افترض دبلوماسيون وعمال بمجال الإغاثة والمساعدات أن عدم ذكر المنظمات التنموية كان سهوا سيجري استدراكه لاحقا، لكن كرزاي صرح، الأربعاء الماضي، بأن الحظر لن يجري تعديله. وقال: «هذه الشركات أغلقت - هذا أمر قاطع»، في إشارة للشركات الأمنية غير العاملة لحساب دبلوماسيين أو المؤسسة العسكرية.

وقال رئيس هيئة الأركان الأفغاني، عمر دودزاي، خلال مقابلة أجريت معه، الخميس، إن الرئيس لا ينوي منح إعفاء لشركات التنمية. وأضاف: «نعلم أن بعض المشروعات قد ترجأ. ونعلم أن البعض الآخر ربما يغلق، لكن الأمر يستحق لأنه على الجانب الآخر (أي الإبقاء على المتعاقدين الأمنيين الخصوصيين) يبدو أكثر خطورة».

وأكد أن القرار تم اتخاذه «بعد دراسة كاملة» من جانب الحكومة الأفغانية. وأضاف: «لم نتعامل مع هذا القرار باستخفاف».

وقال دودزاي إن الحكومة الأفغانية ربما تقبل إرجاء موعد تنفيذ الحظر «لبضعة شهور» إذا ما اقترحت شركات التنمية والحكومات الأجنبية الممولة لها «خطة عمل جيدة» لنقل المسؤوليات الأمنية إلى الشرطة والجيش الأفغانيين، ربما من خلال دمج بعض الحراس الخصوصيين الأفغان في القوات الأمنية الحكومية. وقال: «لو بدت الخطة المقترحة مقنعة، ستكون هناك فرصة للتوصل لحل وسط».

من جهتهم، أبدى مسؤولون أميركيون دعمهم لمجمل الهدف الذي يسعى وراءه كرزاي من وراء حل شركات الأمن الخاصة، لكنهم أصروا على أن الأمر يستلزم عدة سنوات لإنجاز المرحلة الانتقالية اللازمة نحو تنفيذ القرار. وقال مسؤول أميركي ثالث معني بالقضية: «لقد التزمنا علانية بهدف الانتقال بعيدا عن الأمن الخاص - لكن كل ما نبغيه إيجاد سبيل لتنفيذ هذا الهدف يخدم مصالح الأطراف كافة».

ورغم أن الحظر لن يبدأ قبل شهرين تقريبا، شرعت بعض شركات التنمية بالفعل في إغلاق أو تجميد مشروعاتها نظرا للفترة الزمنية اللازمة لوقف النشاطات على نحو منظم. من بين هذه الشركات «ديفلبمنت ألترانتيفز إنك»، من بيثيسدا، والتي بدأت في وقف عملها ببرنامج لتحسين الحكم المحلي عبر أرجاء البلاد، بما في ذلك أقاليم جنوبية وشرقية تتركز عليها النشاطات العسكرية الأميركية.

وقد أخطرت الشركة الوكالة الأميركية للتنمية الدولية بعزمها إلغاء 330 مشروعا بقيمة إجمالية تبلغ 21 مليون دولار وعدم إطلاق نشاطات جديدة بقيمة 6.2 مليون دولار، طبقا لما ذكره مسؤولون أميركيون. وقال المتحدث الرسمي باسم الشركة، ستيفين أوكنور، إن الشركة «تغلق مشروعها (تنمية الحكم المحلي) مبكرا بسبب قرار الحظر».

وأفاد مسؤول أميركي آخر بأن شركة إنمائية أخرى كبرى، «إنترناشونال ريليف آند ديفلبمنت أوف آرلنغتون» «تتخذ خطوات للرحيل». وأعلنت الشركة، التي تنفذ مشروعات زراعية بقيمة 431 مليون دولار، في بيان لها أنها لم تشرع بعد في وقف المشروعات وتعمل «للتوصل لتسوية مرضية لجميع الأطراف بشأن هذه القضية الجوهرية».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»