المحكمة الإدارية العليا تقضي نهائيا بإبعاد حرس وزارة الداخلية عن الجامعات المصرية

وزير التعليم العالي: سننفذ الحكم بعد دراسته > أكاديميون: الحكم يعيد استقلالها

TT

قضت محكمة القضاء الإداري في مصر، أمس، بإبعاد الحرس الجامعي التابع لوزارة الداخلية عن الجامعات المصرية، لتنهي بذلك فصول مواجهة قضائية بين ما يعرف بـ«تيار استقلال الجامعات» ووزارتي التعليم العالي والداخلية، التي بدأت قبل سنتين. وفي أول رد فعل له، أكد الدكتور هاني هلال، وزير التعليم العالي، لـ«الشرق الأوسط»، أن وزارته تحترم أحكام القضاء وأنها «ستنفذ الحكم بعد دراسته». في حين استقبلت الأوساط الجامعية والسياسية الحكم بالترحيب، ووصفته بـ«التاريخي»، قائلة إنه «يعيد للجامعات المصرية استقلالها ودورها السياسي».

وقالت المحكمة التي تعد آخر درجات التقاضي بمجلس الدولة المصري في حيثياتها إن «وجود قوات شرطة تابعة لوزارة الداخلية داخل حرم الجامعة يعد انتقاصا لاستقلالها وقيدا على حرية الأساتذة والباحثين والطلاب»، لتؤيد بذلك الحكم الصادر عن محكمة القضاء الإداري (أول درجة) وترفض الطعون المقدمة على الحكم من وزارتي الداخلية والتعليم العالي ومجلس الوزراء. وحرصت المحكمة برئاسة المستشار محمد عبد الغني، رئيس مجلس الدولة، على تأكيد أنها - دون غيرها – تختص بالفصل في ما يتعلق بتنفيذ ما يصدر عنها من أحكام، مشددة على أنه يتعين النأي عن إقامة استشكالات لوقف تنفيذ أحكام مجلس الدولة أمام محكمة غير مختصة ولائيا بنظرها، وهو ما يقطع الطريق أمام الحكومة المصرية لرفع دعوى أمام محاكم الأمور المستعجلة المدنية لوقف تنفيذ الحكم. واعتبرت المحكمة أن الحكم الذي يصدر بوقف تنفيذ حكم لمجلس الدولة «هو العدم سواء بسواء، ولا يترتب عليه أي أثر قانوني».

من جانبه، أكد الدكتور هاني هلال، وزير التعليم العالي والدولة للبحث العلمي، «احترامه أحكام القضاء والفصل بين السلطات»، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «وزارة التعليم العالي أبلغت بالحكم قبل صدوره، وسيتم دراسته فور وصوله للوزارة من قبل المختصين لبحث إمكانية تنفيذه، حيث إنه لا يمكن تنفيذ أي حكم من دون دراسته من قبل الوزارة»، مشيرا إلى أن وزارة التعليم العالي لا تمتنع أبدا عن تنفيذ أي حكم صادر من القضاء المصري».

وقال متحدث أمني لـ«الشرق الأوسط» إن حيثيات الحكم لم تصل بعد لوزارة الداخلية ونحن مستعدون لتنفيذه بعد التنسيق مع الجهات المعنية، مشيرا إلى أن الحكم صادر بالأساس ضد وزارة التعليم العالي.

واعتبر الناشط السياسي الدكتور عبد الجليل مصطفى، رئيس نادي أعضاء هيئة التدريس بجامعة القاهرة السابق، مقيم الدعوى، أن حكم القضاء الإداري «تاريخي» يعيد للجامعات المصرية حقها في أن تكون مؤسسات بحثية وتعليمية تدير نفسها بنفسها، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن الحكم استحقاق قانوني حرمنا منه طويلا بوجود كيانات غريبة (في إشارة للحرس الجامعي).

ولفت مصطفى الذي تسلم مؤخرا منصب المنسق العام للجمعية الوطنية للتغيير التي أسسها الدكتور محمد البرادعي، المرشح المحتمل لانتخابات الرئاسة في مصر، إلى أن الحكم لا يقتصر فقط على جامعة القاهرة وأنه يشمل كل الجامعات المصرية وهو حكم نهائي لا يمكن الطعن عليه أو وقف تنفيذه. وأكد مصطفى أن تيار استقلال الجامعات مصمم على تنفيذ الحكم وقال: «لن نسمح بأي شكل من أشكال الالتفاف أو المناورة وسنواصل العمل لتحقيق الحرية الأكاديمية.. ونحن مؤهلون لذلك»، مشيرا إلى أن الامتناع عن تنفيذ الحكم يعرض المسؤولين «للعزل والسجن». ولوح مصطفى باللجوء إلى المؤسسات الدولية في حال تم تجاهل الحكم الذي يعد حكما نهائيا، وهو ما أوضحه لـ«الشرق الأوسط» المستشار محمد حامد الجمل، رئيس مجلس الدولة الأسبق، بقوله إن «من يمتنع عن تنفيذ حكم الإدارية العليا طبقا للدستور أو يعرقل نفاذه يكون مرتكبا لجريمة إهدار الأحكام القضائية، ويتعين لمن صدر الحكم لصالحه أن يتقدم برفع دعوي أمام المحكمة الجنائية المختصة، لتوقيع الجزاء الجنائي على الممتنع عن تنفيذ الحكم».

وعن فرصة الطعن على حكم الإدارية العليا، أكد الجمل «إنه من المتوقع أن تقوم وزارتا التعليم العالي والداخلية بعمل استشكال في تنفيذ الحكم الصادر، لكن المتعارف عليه في مثل هذه الأحكام أن تقوم الحكومة المصرية برفع دعوى استشكال أمام محكمة غير مختصة وغالبا ما تكون أمام محكمة قصر النيل الابتدائية.

وتابع: «وفي هذه الحالة، تحال القضية إلى الإدارية العليا مرة أخرى، وهي بالطبع سوف ترفض الاستشكال وتوجب بتنفيذ الحكم، لنعود إلى نقطة البداية من جديد».

في المقابل، قال اللواء فؤاد علام، وكيل جهاز مباحث أمن الدولة الأسبق، إن الحكم يعد «تحصيل حاصل.. لأن الأمن بالفعل غير موجود ودوره يقتصر على تأمين المباني الجامعية خارج حرم الجامعات ولا يوجد داخل الحرم إلا إذا تم استدعاؤه بمعرفة مسؤولي الجامعة».

وأشار علام إلى أن أصحاب الدعوى يحاولون تسييس القضية، لافتا إلى أن مسؤولية تأمين الجامعات عبء تتحمله وزارة الداخلية مثلما تتحمل أعباء ومشكلات الكثير من الوزارات الأخرى. لكن قيادات طلابية أكدت في المقابل وجود الحرس الجامعي داخل حرم الجامعات المصرية، وتقول إن «دوره يتعدى حدود تأمين المباني». وقال أحد قيادات الطلاب المعارضين لـ«الشرق الأوسط» «إن حقيقة وجود وتأثير سلطات الأمن المصرية داخل الجامعات لا يمكن إنكارها.. وبالنسبة لأي طالب يمارس العمل العام أو له اهتمامات سياسية داخل الجامعة، فإن أول من يتعرف عليهم ويصطدم بهم هم القيادات الأمنية المسؤولة عن ملف الطلبة بأمن الدولة».

ورحبت الأوساط السياسية بالحكم وقالت إنه ينتصر لحق طلاب مصر في التعبير عن أنفسهم بحرية ويحقق استقلالية الجامعات، وقال حمدين صباحي، مؤسس حزب الكرامة المعارض (تحت التأسيس)، المرشح المحتمل لانتخابات الرئاسة المقرر إجراؤها خريف العام المقبل، إن «الحكم يستحق التحية وهو يؤكد دور القضاء المصري، وبالذات القضاء الإداري، في حماية الحريات».

وطالب صباحي، عضو مجلس الشعب أحد أبرز القيادات الطلابية في جيل السبعينات، الدولة باحترام حكم القضاء، قائلا إن «المطلوب الآن أن تخلي وزارة الداخلية الجامعات المصرية من الحرس الجامعي بعد أن لعب وجوده دورا سلبيا على الحياة السياسية في البلاد بمصادرة رافد من أهم روافد العمل الوطني وتقويض صوت الحركة الطلابية». بينما أعرب أحمد بهاء شعبان، القيادي بالجمعية الوطنية للتغيير، أحد رموز الحركة الطلابية في مصر عن سعادته بالحكم، واصفا الحكم بالتاريخي وقال: «أكد الحكم ثقتنا بالقضاء المصري، وحقق هدفا نبيلا ناضلت الحركة الطلابية من أجل تحقيقه على مدي عقود طويلة، وكان محورا لتحركات جموع الطلاب على امتداد الـ40 عاما الماضية بشكل متواصل».

وأضاف شعبان: «الحرس الجامعي تغلغل في شؤون الجامعات المصرية، لدرجة تدخله في اختيار الأساتذة والمعيدين، وتدخله في المقررات الدراسية، والأنشطة الطلابية، إلى جانب إهدار قيمة الحرية، وحرية البحث العلمي مما أدى إلى تدهور أوضاع التعليم في مصر».

وعن المعوقات التي تقف حائلا عن تنفيذ الحكم، قال شعبان: «كعهدنا بالنظام المصري، لن يسلم ببساطة بهذا الحكم القضائي، لأن النظام المصري اعتمد على جهازه الأمني في ضبط إيقاع الحياة في الجامعة والشارع»، متوقعا أن يحاول النظام التحايل على هذا الحكم القضائي، «حتى لو اقتضى الأمر أن يدوس رجال الشرطة الحكم بأحذيتهم الثقيلة».