وصف العطري لـ«14 آذار» بـ«الهياكل الكرتونية» يعيد تفجير السجال مع سورية

الجميل لـ «الشرق الأوسط»: سياسة اليد الممدودة لا تنفع مع سورية.. والمطلوب العودة للتشدد في التعاطي معها

TT

لم يمر وصف رئيس الوزراء السوري محمد ناجي العطري لقوى «14 آذار» بـ«الهياكل الكرتونية» مرور الكرام في لبنان؛ إذ عاد احتدام السجال بين هذه القوى والنظام السوري إلى أوجه، بعدما كان قد تراجع مؤخرا مع مساعي رئيس الحكومة سعد الحريري إلى فتح صفحة جديدة مع سورية ورسم مسار جديد للعلاقات بين البلدين، خاصة بعد حديثه الأخير لـ«الشرق الأوسط» والذي أقر فيه باقتراف أخطاء بحقها في المرحلة الماضية.

وعلى الرغم من أن تيار «المستقبل» الذي يرأسه الحريري يحاول قدر المستطاع تجنب الخوض في نقاشات وسجالات مع المسؤولين السوريين، احتراما لرغبة الحريري وطلبه الابتعاد عن كل ما من شأنه أن يوتر العلاقة بين البلدين، كما قالت مصادر في «المستقبل» لـ«الشرق الأوسط»، فإنه في الآونة الأخيرة يبدو أن سورية تتعمد إيصال رسائل لرئيس الحكومة اللبنانية بأنها غير راضية تماما عن مواقفه الأخيرة وتطالبه بالمزيد. ويبقى الحريري «متمسكا بجسور التواصل الجديدة التي بناها مع الرئيس السوري، مفضلا أن تبقى هذه الجسور على ما هي عليه على أن تنهار».

التروي في التعاطي مع الملف السوري الذي ينتهجه «تيار المستقبل»، يقابله تشدد الفريق المسيحي في قوى «14 آذار» الذي لا يزال يعتبر أن «المطامع السورية في لبنان لم ولن تتغير، وأن سورية تسعى للعودة بعد 5 سنوات على خروجها من الأراضي اللبنانية».

في هذا الإطار، أكد عضو كتلة «الكتائب» اللبنانية النائب نديم الجميل أن «قوى (14 آذار) ستبقى صامدة لمواجهة كل من تسول له نفسه وضع اليد على لبنان»، معتبرا أن «مشروع سورية اليوم هو العودة للهيمنة على لبنان بأية طريقة من الطرق». وقال لـ«الشرق الأوسط»: «في الفترة الماضية كانت سورية ضعيفة جدا ولكنها اليوم تعتبر أن الوضع الإقليمي موات لها؛ لذلك تحاول العودة، ولكننا نؤكد لها أننا كقوى (14 آذار) من الأكثر تشددا فينا إلى الأقل تشددا، سنقف بوجهها؛ لأن اللبناني هو من سيحكم لبنان من الآن فصاعدا، وبالتالي لا مكان لأي سوري لديه مطامع بأرضنا». واعتبر الجميل أن «الرئيس الحريري ينطلق بالتعاطي مع سورية، من نواياه الطيبة ومن مصلحة لبنان فيمد يده للسورين الذين لا يقابلونه بالطريقة نفسها». وأضاف: «سياسة اليد الممدودة لا تنفع مع سورية، والمطلوب اليوم العودة للتشدد في التعاطي معها».

كان رئيس الوزراء السوري محمد ناجي العطري قد وصف فريق «14 آذار» بأنه «هيكل كرتوني»، قائلا في مقابلة صحافية أول من أمس: «نحن لا ننظر إلى 14 و15 و16 آذار، فهذه الهياكل كرتونية، بل ننظر إلى الشعب اللبناني وإلى أمن سورية ولبنان والعلاقات الاستراتيجية بين الجانبين». وأضاف: «هذه الأمور كلها أساسية، أما في 14 آذار و15 آذار فمن هؤلاء؟ لقد ظهروا على الساحة كمجموعة لهم وجهات نظر يعبرون عنها كما يشاءون بالطريقة الموجودة، أما سورية فلا تنظر إلى هذه التسميات بعين من الجدية»، مذكرا بأن الرئيس السوري بشار الأسد قال في السابق: «إننا ننظر إلى اللبنانيين من مسافة واحدة، ونحن حريصون على كل شقيق لبناني مؤمن بالعلاقة الوثيقة مع سورية ويعمل على تجسيدها، أما الذي يعمل ضد هذه العلاقة فهذا شأن آخر».

من جهته، ذكر رئيس الهيئة التنفيذية في «القوات» اللبنانية سمير جعجع، العطري، بأن «هذه الهياكل الكرتونية هي التي أسقطت نظام الوصاية السورية في لبنان عام 2005 على رأسه، وأدت إلى خروجه من لبنان». وقال جعجع: «يبدو أن العطري لم يتنبه فعلا إلى ما قاله، وتاليا ليس في مصلحته أبدا أن تكون (14 آذار) هياكل كرتونية»، متسائلا: «إذا كانت كذلك فعلا فكيف سيكون حال نظام الوصاية الذي أسقطته؟». وأضاف: «أما حديثه عن العلاقات الثنائية من دولة إلى دولة فكل ما شاهدناه في الأشهر الثمانية الأخيرة، على الرغم من الجهود التي بذلها رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان ورئيس الحكومة سعد الحريري، يبين عكس ذلك، واجتماعات سورية معهما يبدو أنها اجتماعات (شاي وتسلية)، بينما الاجتماعات الجدية للإخوان السوريين تعقد مع جماعاتهم في لبنان ومع فرقاء لبنانيين آخرين؛ حيث يمضون ساعات وساعات معهم، والكلام الجدي يكون خلال هذه الاجتماعات وليس خلال الاجتماعات الرسمية».

وأعرب تيار «المستقبل» عن أسفه لأن يصدر عن «رئيس وزراء دولة شقيقة مثل هذا الكلام غير المناسب بحق حركة سياسية شعبية يعتبر تيار المستقبل نفسه جزءا لا يتجزأ منها، خصوصا أنه يشكل تدخلا في شؤون لبنان الداخلية». لم يتأخر نواب تكتل «لبنان أولا» الذي يرأسه الحريري عن الرد على العطري، فاستغرب النائب عقاب صقر «الكلام المؤسف والمعيب» الذي أدلى به رئيس عطري، مشيرا إلى أنه «كلام يخالف أدنى أدبيات التخاطب السياسي والاعتبارات الدبلوماسية التي يفترض أن تحكم خطاب رئيس حكومة سورية تجاه قوى سياسية أساسية وشريحة كبيرة من اللبنانيين».

وقال صقر، في تصريح أمس: «إن هذا الكلام جزء لا يتجزأ من عملية التقويض الممنهج للانطلاقة الجديدة للعلاقة اللبنانية - السورية»، وأضاف: «إن مثل هذا التصريح يجعلنا نتفهم بعض التسريبات الإعلامية وبعض الكلام اللامسؤول والعشوائي الذي يطلقه بعض المسؤولين اللبنانيين الذين يلتقون ربما في سورية شريحة سياسية مثل السيد عطري».

واعتبر النائب زياد القادري أن «العلاقة بين رئيس الحكومة سعد الحريري وسورية قد تمر بمطبات، وأن هناك متضررين من هذه العلاقة المؤسساتية، كما وصفتها مستشارة الرئيس السوري بثينة شعبان». وأضاف القادري: «لكن قنوات الاتصال مفتوحة، ونحن لدينا مصلحة في حسن سير هذه العلاقة في ظل مصلحة البلدين والدستور اللبناني». وسأل: «هل أعلنت السعودية يوما أن علاقتها مع أي طرف لبناني تحددها علاقة هذا الطرف بآخر لبناني؟ نحن نتمنى أن تكون نظرة سورية قائمة على أن العلاقة مع لبنان ليست مع أشخاص، بل مع دولة، ونحن نريدها أفضل العلاقات ومتمسكون بها حتى النهاية».

وأوضح النائب عاصم عراجي أن «الرئيس الحريري في اجتماعات تيار (المستقبل) يشدد على أفضل العلاقة بين البلدين، وأن تكون علاقة مؤسسات وعلاقة من دولة إلى دولة؛ لأن هناك أمورا مشتركة بين البلدين»، معتبرا أن «التدخل السوري في لبنان لا يتحمله السوريون وحدهم بل يتحمل جزءا منه اللبنانيون أيضا؛ لأنه في السابق كان اللبنانيون يطلبون من السوريين التدخل في أصغر التفاصيل». وأبدى عدم موافقته على «كلام دولة رئيس مجلس الوزراء السوري ناجي العطري؛ لأنه تدخل في الشؤون الداخلية للبنان».