فرنسا: الأزمة مستمرة وسط رهانات متعارضة للحكومة والنقابات

تصويت الشيوخ على نظام التقاعد لم يضع حدا للمشكلة.. والمحتجون يتهيأون لتحركات جديدة

الشرطة اليونانية تحاول منع طلاب أرادوا تنظيم مسيرة إلى فندق في جزيرة كريت، حيث كانت تعقد وزيرة التعليم آنا ديامانتوبولو اجتماعا لعرض إصلاحاتها بشأن الجامعات في البلاد، أمس (أ.ب)
TT

لم يغير تصويت مجلس الشيوخ الفرنسي (بعد مجلس النواب) على مشروع قانون تعديل سن التقاعد ومده إلى 62 عاما بدل 60 عاما حاليا، شيئا من واقع المنازلة القائمة منذ سبتمبر (أيلول) الماضي بين الحكومة من جهة والنقابات مدعومة من الأحزاب اليسارية والخضر واتحادات الطلاب والتلامذة من جهة أخرى. فلا الوضع الميداني على جبهة المحروقات تغير ولا وضع حد للإضرابات والمظاهرات التي كان الطلاب والتلامذة نجومها أمس ولا بصيص ضوء في نفق الأزمة لاح في الأفق. وحتى الآن، ما زال كل فريق على مواقفه: الحكومة مصرة على المضي في إقرار القانون والنقابات مواظبة على رفضه. وما بينهما يعاني المواطن العادي في حياته اليومية، فيما الآثار السلبية على مختلف القطاعات الاقتصادية آخذة في التعاظم والخسائر بالتراكم.

ومن الناحية القانونية، يتعين أن تلتئم غدا لجنة مشتركة من مجلسي النواب والشيوخ لصياغة نص مشروع القانون صياغة نهائية تطرح على التصويت من غير نقاش على هيئتي المجلس فيما يسمى «قراءة ثانية». وعند إقرارها المؤكد، بسبب الأكثرية التي تتمتع بها الحكومة في المجلسين، يرفع القانون إلى رئيس الجمهورية ليصدره ويصبح عندها نافذا.

غير أن المسار القانوني شيء والمسار السياسي شيء آخر. وفي السياق الثاني، لم تعدل النقابات عن منحاها التصعيدي مستندة إلى استمرار التفهم لا بل الدعم الذي تلقاه شعبيا رغم «الإزعاج» الذي تسببه للمواطنين في حياتهم اليومية. ومن ضمن هذا المنظور، قررت النقابات النزول مجددا إلى الشارع يومي 28 من الشهر الجاري والسادس من الشهر القادم لمتابعة الضغوط على الحكومة والرئاسة وللمطالبة بسحب القانون معتمدة في ذلك على «سوابق» جرت أيام الرئيس الاشتراكي ميتران والرئيس اليميني شيراك حيث «استعادت» الحكومة قانونا أقر في البرلمان. وتتوسل النقابات الضغط على الحكومة من خلال الإضرابات المتلاحقة والمتجددة في القطاعات الاقتصادية ولكن خصوصا من خلال منع توزيع المحروقات والمشتقات النفطية وإعاقة حركة النقل وهو ما تجهد الحكومة لمعالجته. غير أنها حتى الآن فشلت في مسعاها إذ إن المصافي الـ12 التي تملكها فرنسا مضربة كلها والعديد من خزانات الوقود محاصرة وربع محطات التوزيع أغلقت أبوابها بسبب فقدان الوقود.

ولجأت الحكومة إلى إجراءات استثنائية منها فك الحصار عن المستودعات و«إلزام» العاملين فيها خصوصا القريبة من باريس على العمل حيث إن فقدان المحروقات يستشعر في المنطقة الباريسية وغرب فرنسا. وتقول الحكومة بلسان وزير النقل دومينيك بوسران إن الوضع «يتحسن» و«في طريقه إلى التطبيع». لكن التصريحات الحكومية شيء والعثور على البنزين والغازويل شيء آخر خصوصا في هذه الفترة التي بدأت معها عطلة «ذكرى الأموات» أو «عيد جميع القديسين» التي تستمر أكثر من أسبوع. ويكفي المواطن مساوئ فقدان المحروقات بل يزيد الطين بلة أن حركة القطارات لم تنتظم بعد مما انعكس احتشادات وتدافعا وفوضى في محطات القطارات الكبرى.

أما في المقلب الثاني، فإن الرئيس ساركوزي الذي لزم منذ البداية خطا متشددا وبدا متمسكا بالإصلاح (ومعه الحكومة)، يعتبر أن الأساسي (أي التصويت على القانون) قد تم وأنه حان الوقت لوضع حد للإضرابات والمسيرات وهو يراهن على أمرين: الأول، تعميق الانقسامات بين النقابات بين الجناحين المتشدد والمعتدل بسبب الخلاف على استراتيجية ما بعد إقرار القانون والثاني إجراء التعديل (أو التغيير) الوزاري المرتقب بداية الشهر القادم لتوفير دينامية سياسية جديدة وقلب صفحة الملايين الثلاثة التي نزلت أربع أو خمس مرات إلى الشوارع في شهري سبتمبر وأكتوبر (تشرين الأول). ويتم تداول تسريبات تفيد بأن ساركوزي سيعين وزير البيئة والطاقة الحالي جان لوي بورلو مكان فرنسوا فيون في رئاسة الحكومة. وما يميز بورلو أنه ينتمي إلى الحزب الراديكالي الأقرب إلى تيار الوسط المعتدل. ويتميز بورلو بعلاقاته الجيدة مع النقابات وباهتماماته البيئية مما يجعل منه ورقة مفيدة لساركوزي لوصل ما انقطع مع النقابات وقلب صفحة إصلاح نظام التقاعد.

أي من الرهانين سينجح؟ رهان الحكومة أم رهان النقابات؟ الجواب سيحمله الآتي من الأيام القليلة القادمة.