طبيب هندي الأصل يريد إنقاذ أبرز وكالة إنسانية أميركية

إدارة أوباما تعول على راجيف شاه لإعادة المجد السابق للوكالة الأميركية للتنمية

TT

بعد أيام قليلة على أدائه القسم كرئيس لـ«الوكالة الأميركية للتنمية الدولية»، توقف الدكتور راجيف شاه، ليطلع على مركز التحرك السريع، المجهز بتقنيات عالية بهدف إدارة عمليات الإغاثة، وكان في ذلك اليوم فارغا ولا يزال كذلك حتى الآن. بعد ذلك بـ12 ساعة، ضرب الزلزال المدمر هايتي، وفي الشهرين اللاحقين، صار المركز بمثابة منزل شاه يتردد عليه على مدار الساعة.

في السابعة والثلاثين من العمر، وجد هذا الطبيب الذكي، وصاحب الخبرة القليلة في العمل الحكومي، نفسه ينسق جهود الإغاثة، وفق نظرة الرئيس باراك أوباما. ولم تتوقف وتيرة الكوارث من حينها: فيضانات في باكستان، ومساعدات مختلفة إلى أفغانستان، ومراجعة شاملة للمساعدات الخارجية الأميركية، وهي كلها أمور انخرط فيها الدكتور شاه، وحولته إلى واحد من أهم لاعبي السياسة الخارجية البارزين في الإدارة.

لكن بالنسبة لهذا الرجل المولود لمهاجرين هنديين في آن آبور، بولاية ميتشغان، والذي يعتبر الآن أعلى مسؤول في الإدارة من أصل هندي، فإن حملته الطموح لإعادة هيكلة «الوكالة الأميركية للتنمية الدولية»، هي التي تحدد نجاحه أو إخفاقه في واشنطن.

وقال ريتشارد هولبروك، المبعوث الأميركي الخاص إلى أفغانستان وباكستان: «إنه ورث قيادة وكالة كانت تقترب من الانهيار على مدى عقدين». وفي حين قال هولبروك إن شاه له «مستقبل من دون حدود»، فإنه ذكر أيضا: «تجري تجربته مثلما هو الحال مع آخرين في الحكومة». وتفيد مقابلات مع العديد من موظفي الوكالة الأميركية للتنمية بأن الدكتور شاه بدأ بإعطاء نفس جديد للوكالة في الأشهر العشرة الأخيرة. وحازت جهوده دعما رئيسيا من البيت الأبيض؛ إذ تبنى هذا الأخير سياسة جديدة تتعهد بإعادة هيكلة الوكالة الأميركية للتنمية، كأول مؤسسة إغاثة أميركية.

وقالت باميلا وايت، 29 سنة، وهي عاملة مخضرمة في الوكالة وأنهت للتو مهمة في ليبيريا: «كان أول رد فعل من الناس: إنه صغير في السن، لكن ذلك لم يزعجني على الإطلاق. نحن في حاجة ماسة للبحث عن شخص يمكن أن يغير وضع الوكالة ويجعلها رائدة عالميا في مجال التنمية».

يشار إلى أن ذروة النجاح بالنسبة للوكالة الأميركية للتنمية الدولية، تعود إلى سنوات تسبق ميلاد شاه. ففي عام 1968، كان لديها 18 ألف موظف يديرون برامجها في أميركا اللاتينية وجنوب شرق آسيا وأفريقيا. لكن بعد سنوات من الخفض المنهك للميزانية، والذي أبعد العديد من الناس المؤهلين، صار لدى الوكالة حاليا أقل من 9 آلاف موظف.

خلال إدارة الرئيس السابق جورج بوش، فقدت الوكالة دورها كهيئة صانعة للسياسات في وزارة الخارجية. ورثى وزير الدفاع روبرت غيتس، الذي دفع باتجاه منح المدنيين دورا أكبر في أماكن الحروب، في الآونة الأخيرة وضع الوكالة، مشيرا إلى أنها صارت وكالة تعاقدات.

وبينما ذبلت الوكالة، فإن الجهات الأخرى العاملة في المجال الإنساني، مثل «مؤسة بيل وميليندا غيتس»، أخذت مكانها؛ لذلك، ليس من المفاجأة بمكان أن يكون الدكتور شاه أحد خريجي «مؤسسة غيتس»، فقد أدار برنامجها الزراعي وطور أحد صناديقها بقيمة 1.5 مليار دولار، لتمويل عمليات التلقيح.

ولد شاه، لمهندس في شركة «فورد» للسيارات ومديرة مدرسة، وتخرج في جامعتي ميتشغان وبنسلفانيا، في مجال الطب. لكنه صار بسرعة المستشار الصحي في حملة المرشح الرئاسي السابق آل غور. وكمؤيد قوي لترشح أوباما للرئاسة، يعلق الدكتور شاه على قراره الالتحاق بالحكومة الحالية: «أعتقد أنه عندما يكون لديك رئيس من هذا النوع، فإن هذه اللحظات تعتبر نادرة».

شاه يبدو صاحب ابتسامة محتشمة، لكنه لا يخجل أبدا من خططه. ويقول إنه يطمح إلى تحقيق مراقبة أفضل وتحليل أدق، لعمل الوكالة. ويضيف أن بعض البرامج يجري تمويلها عاما بعد عام، حتى إذا كانت في حالة إخفاق. وهو يريد أن يستخدم نمط غيتس في العمل، في مجال الانتصار للأفكار التي تأتي من خارج الدائرة المعتادة من المتعاقدين.

ويقول مارتن فيشر، المدير التنفيذي لـ«كيك ستارت»، وهي مؤسسة غير ربحية تصنع مضخات قليلة التكلفة لري حقوق المزارعين: إن الدكتور شاه «حيوي جدا وذكي جدا، لكن لديه بيروقراطية ضخمة يناضل ضدها، والعديد من المصالح الشخصية». ويتعين على الدكتور شاه أن يتعامل أيضا مع رئيسته، وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون، التي تبدي اهتماما عميقا بالتنمية، وفازت إلى حد كبير في المناقشة الداخلية داخل الإدارة حول ما إذا كان يتعين على الوكالة الأميركية للتنمية الدولية أن تكون مستقلة أو تبقى تحت تأثيرها في الخارجية.

وانتهت وزارة الخارجية من مراجعة، دامت نحو عام، لعملي الدبلوماسية والتنمية. وستعزز تلك المراجعة الدور الموسع للوكالة الأميركية للتنمية الدولية لكي تجعلها مرتبطة أكثر بوزارة الخارجية، إلا أن هناك مزايا عدة لإبقاء الوكالة قريبة من هيلاري كلينتون، فالوكالة تسعى للحصول على مخصصات من أجل توظيف 12 ألف عامل إضافي، وقليلون في الكونغرس يملكون تصورا كافيا عن هذه القضية.

وقال شاه: إن الانتقادات في الدوائر المعنية بالتنمية تركز كثيرا على خطط التنمية، لكن ما يهم هو أنه يعمل مع كلينتون وهولبروك. وصارت كلينتون أكبر مؤيدة له، إضافة إلى واحد من كبار مستشاريها، هو فيليب رينس. وبما أن الوكالة منخرطة في عدة أماكن، فإن الكثير من الصداع لشاه يأتي من كثرة الطلبات عليها. فلدى الوكالة نحو 400 أميركي في أفغانستان، الأمر الذي يجعل من الصعب ملء الوظائف الشاغرة في أفريقيا. وشاه نفسه يقضي ربع وقته في أفغانستان، لكنه مثل المسؤولين البارزين الآخرين يهون من التوقعات، ويقول: «يجب أن نكون صادقين مع أنفسنا بشأن تحديد أهداف البرامج المختلفة».

ولشاه مؤيدون مؤثرون في واشنطن ليس آخرهم الرئيس أوباما الذي تعرف عليه خلال لقاءات بشأن أزمة هايتي في البيت الأبيض، وأعلن هو نفسه عن السياسة الجديدة بشأن التنمية في الأمم المتحدة. وقال ديفيد بيكمان، رئيس مؤسسة «الخبز للعالم»، وهي مؤسسة تعنى بمحاربة الجوع والفقر: «كحكومة لدينا استراتيجية متماسكة لأول مرة منذ الرئيس الأسبق جون كيندي، الأمر الوحيد الذي جاء من زلزال هايتي هو صعود راجيف شاه ليكون شريكا للرئيس».

* خدمة «نيويورك تايمز»