المعتقلون العراقيون تعرضوا لأسوأ معاملة على أيدي الشرطة والجيش العراقي

الجنود استخدموا الرصاص والتيار الكهربائي والحرق والجلد.. والسلطات ترفض التدخل

صورة يعود تاريخها إلى نوفمبر 2005 لشرطي عراقي يظهر أثار التعذيب على ظهره في مستشفى اليرموك في بغداد (أ.ب)
TT

الصور العالقة في الأذهان عن المعتقلين العراقيين هي تلك الصور التي تظهر معتقلين عراقيين يتعرضون للاعتداء وسوء المعاملة على أيدي عناصر القوات الأميركية في معتقل أبو غريب، مثل السجين الذي ألبس قناعا، والسجين الذي ترك لكلاب الحراسة لتقوم بالهجوم عليه، لكن الوثائق التي كشفها موقع «ويكيليكس» تعطي لمحة عما كان يحدث داخل مراكز الاعتقال الأميركية وتحتوي هذه الوثائق على تفاصيل لا يمكن محوها لعمليات اعتداء على معتقلين قامت بها عناصر الشرطة والجيش العراقي.

وتتضمن التقارير التي تغطي ست سنوات، إشارات إلى مقتل ما لا يقل عن ستة معتقلين في مراكز الاعتقال العراقية، وقد وقعت معظم هذا الحوادث في السنوات الأخيرة. وأشارت مئات التقارير إلى تعرض اثنين من المعتقلين للضرب والحرق والجلد، مما يعطي انطباعا بأن هذه المعاملة كانت العادة وليست الاستثناء. وفي إحدى الحالات اشتبهت القوات الأميركية في قيام ضباط بالجيش العراقي بقطع أصابع أحد المعتقلين وحرقها باستخدام مادة حمضية. كما كشف الإفادات عن تعرض معتقلين للتصفية في أحد المعتقلات وهما مقيدي الأيدي.

وعلى الرغم من أن القوات الأميركية قامت بالتحقيق في بعض حالات الاعتداء هذه، فقد لوحظ أن معظم حالات الاعتداء التي تم الإشارة إليها في هذه الوثائق تم تجاهلها، بصورة توشي بتغاض مؤسسي، حيث أخبر الجنود ضباطهم بحالات الاعتداء، وطلب من العراقيين التحقيق في هذه القضايا.

وقال متحدث باسم البنتاغون: إن السياسة الأميركية تجاه الاعتداء على المعتقلين «كانت ولا تزال تتفق مع القانون والممارسات الدولية في هذا الإطار». وأضاف أن القواعد الحالية: تفرض على القوات الأميركية الكشف فورا عن حالات الاعتداء، وإذا ارتكبت من قبل العراقيين، فإن السلطات العراقية هي المسؤولة عن إجراء التحقيق.

وقد تم الكشف رسميا عن هذه السياسة في تقرير صدر بتاريخ 16 مايو (أيار) 2005. ونص هذا التقرير على أنه «إذا لم تكن عناصر القوات الأميركية متورطة في عمليات الاعتداء على المعتقلين، فإنه لا يتم إجراء مزيد من التحقيقات إلا بناء على أمر من القيادة العليا». وفي كثير من الأحيان، كان يأتي الأمر للجنود الأميركيين بغض الطرف عن حالات اعتداء العراقيين، طالما أن المتورطين فيها عراقيون.

وحتى عندما كشفت القوت الأميركية عن بعض حالات الاعتداء وقامت بالإبلاغ عنها، فإن السلطات العراقية كانت لا تتحرك في كثير من الأحيان. وأشار أحد التقارير إلى أن أحد قادة الشرطة رفض توجيه الاتهام لأي جندي أو ضابط «طالما أن الاعتداء لم يترك أثرا على جسد المعتقل». وقال قائد آخر في جهاز الشرطة للمفتشين العسكريين: «إن الضباط العاملين معه يقومون بالاعتداء على المعتقلين، وإنهم يؤيدون استخدام هذا الأسلوب كأداة من أدوات التحقيق».

إنها صورة مخيفة للعنف بكل المقاييس، كما أنها أيضا مثيرة للقلق بشكل خاص، لأن عناصر الجيش والشرطة العراقيين يحتلون موقعا مركزيا في خطة الرئيس أوباما لسحب القوات الأميركية من العراق. والقوات العراقية تمثل بالفعل الدعامة الأساسية للأمن في العراق، خاصة بعد سحب القوات الأميركية المقاتلة رسميا، وتوليها مسؤولية إدارة السجون ومراكز الاعتقال في العراق.

وتحتوي الوثائق على الكثير من الإفادات الفضفاضة حول تعرض سجناء عراقيين للاعتداء على أيدي عناصر من القوات الأميركية، لكن القليل منها مرفق بأدلة. وأخطر حالات الاعتداء هذه كانت تقع خلال عمليات الاعتقالات، التي كانت تتحول إلى العنف في كثير من الأحيان إذا قاوم المستهدفون بالاعتقال. وقد تم فتح تحقيقات في تلك الحوادث. وفي حالة شبيهة بما حدث في سجن أبو غريب، قام الحراس الأميركيون بالتقاط صور لأنفسهم وهم يقفون بجانب عراقيين تم وضعهم بصورة مذلة، ووجه اللوم إلى جندي أميركي لقيامه بكتابة عبارة استهزاء على جبين أحد المعتقلين العراقيين الذي كان يبكي.

وقد اتخذت الولايات المتحدة عددا من الخطوات لتحسين سياسة الاعتقال بعد فضيحة سجن أبو غريب في عام 2004، وشددت القواعد التي تنظم معاملة السجناء من خلال الفصل بين المتطرفين الذين ينتمون لتنظيم القاعدة في بلاد الرافدين وبين السجناء الآخرين. لكن الوثائق تظهر أن الأميركيين استخدموا في بعض الأحيان التهديد للمعتقلين بتسليمهم إلى السلطات العراقية التي ستقوم بالاعتداء عليهم، وذلك بهدف الحصول على معلومات من المعتقلين. وذكر تقرير أن أحد أفراد القوات الأميركية هدد بإرسال أحد المعتقلين إلى لواء الذئب، وهي وحدة شرطة عراقية سيئة السمعة، إذا لم يقم بالإدلاء بما لديه من معلومات.

وقد وقعت أسوأ حالات الاعتداء على العراقيين في وقت لاحق من الحرب، ففي أغسطس (آب) 2009، أعلنت وحدة مغاوير الشرطة العراقية، أن أحد المعتقلين وجد منتحرا في زنزانته، ولكن علمية تشريح الجثة، في وجود ممثلين عن القوات الأميركية، أثبتت «وجود كدمات وحروق على جسد المعتقل، فضلا عن إصابات واضحة على الذراع والرأس والجذع والساقين، والرقبة»، وذكر التقرير «أن الشرطة يبدو أنها بدأت في إجراء تحقيق حول الحادث».

وفي ديسمبر (كانون الأول)، تم ضبط 12 جنديا عراقيا، بينهم ضابط استخبارات، تم تصويرهم وهم يقومون بإطلاق النار على أحد المعتقلين الذي كان مقيد اليدين في مدينة تلعفر. والوثيقة التي تتحدث عن هذه الحادثة تقول إن التقارير لا تزال أولية؛ ومن غير الواضح ما إذا كانت قد تمت متابعة لها أم لا؟

وقد أنتجت سنوات من حالات الاعتداء وسوء المعاملة في ظل حكم صدام حسين، مجتمعا عنيفا بصورة استثنائية، حيث استخدم العراقيون الكابلات والقضبان المعدنية والأعمدة الخشبية والكهرباء في الاعتداء على السجناء. وأشار أحد التقارير إلى أن أحد المعتقلين كانت به «كدمات على شكل الحذاء في منطقة الظهر». وأشار تقرير آخر، إلى وجود جروح على جسد معتقل آخر ناتجة عن تعرضه للضرب بلوح خشبي. كما تعرض معتقل آخر للإصابة في عينيه وأصيبت أذناه وأنفه بنزيف، وشوهدت كدمات على ذراعيه وظهره وساقيه. وقد قام الأميركيون بإبلاغ قائد الجيش العراقي في المنطقة، لكنه لم يفتح تحقيقا بسبب عدم تورط أميركيين في الاعتداء.

لكن الجنود الأميركيين، مع ذلك، كانوا يتدخلون في كثير من الأحيان لوقف حالات الاعتداء وسوء المعاملة ضد المعتقلين. وخلال زيارة إلى وحدة للشرطة في الرمادي، دخل جندي أميركي الزنزانة بعد سماعه صراخا، ليجد معتقلين في حالة إعياء شديدة، وتنتشر في مختلف أجزاء من جسدهم جروح وكدمات. وقام الجندي العراقي بأخذ المعتقلين ونقلهم خارج هذا المعتقل العراقي.

وفي أغسطس (آب) 2006، سمع رقيب في الجيش الأميركي في الرمادي ضجيجا في مركز يخضع للجيش العراقي، وعندما دخل وجد ضابطا عراقيا برتبة لفتنانت يقوم بضرب أحد المعتقلين باستخدام كابل كهربائي أسفل قدمه، وقام الرقيب الأميركي بوقفه، لكنه شاهد الضابط نفسه يقوم في وقت لاحق بضرب محتجز آخر على مؤخرته بالأداة نفسها. وقال أحد المعتقلين الذي تعرض لضرب عام 2005: إنه «عندما أخذه أفراد مشاة البحرية الأميركية، تلقى معاملة جيدة جدا، وأنه كان ممتنا وسعيدا لرؤيتهم».

وفي وقت سابق، تم تقليص المساحة المخصصة لكل محتجز في السجون العراقية، وقامت السلطات العراقية بوضعهم في سجون مؤقتة، مما زاد فرص حدوث عمليات اعتداء. وفي نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2005، وجد الجنود الأميركيون 95 محتجزا معصوبي الأعين بهم جروح وكسور في العظام، مكدسين فوق بعضهم البعض في أحد مراكز الاعتقال المؤقتة التابعة للشرطة العراقية.

* خدمة «نيويورك تايمز»