ثوابت حزب الله منذ الثمانينات وحتى اليوم لا تزال الالتزام بولاية الفقيه واعتبار إسرائيل عدوا مطلقا

نصر الله قال بوضوح عام 1986: لا نؤمن بوطن اسمه لبنان

TT

في 9 مارس (آذار) 1987 قال حسن نصر الله - الذي لم يكن بعد أمينا عاما لحزب الله اللبناني: «كلنا في لبنان حاضرون للتضحية بأنفسنا وبمصالحنا وبأمننا وسلامتنا وبكل شيء لتبقى الثورة في إيران قوية متماسكة».. في 13 أكتوبر (تشرين الأول) 2010 وخلال زيارة الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد إلى لبنان قال نصر الله، الأمين العام لحزب الله: «الجمهورية الإسلامية هي نعمة الله فيكم فاغتنموها».

لا شك أن ولاء حزب الله لإيران لم يتغير منذ تأسيس الحزب عام 1982، فالارتباط السياسي والديني بين الطرفين لم يكن يوما خافيا على أحد. وقد جاء في بيان صادر عن الحزب في 16 فبراير (شباط) 1985، أن الحزب «ملتزم بأوامر قيادة حكيمة وعادلة تتجسد في ولاية الفقيه، وتتجسد في روح الله آية الله الموسوي الخميني مفجر ثورة المسلمين وباعث نهضتهم المجيدة»، وحتى اليوم لا يزال ولاؤه واحدا وقيادته واحدة؛ دولة الولي الفقيه. ويظهر شريط فيديو يبث على المواقع الالكترونية مجموعة من خطب نصرالله القديمة.

في سبتمبر (أيلول) 1986 قالها نصر الله وبوضوح: «لا نؤمن بوطن اسمه لبنان، بل بالوطن الإسلامي الكبير. إن لبنان وهذه المنطقة هي للإسلام والمسلمين، ويجب أن يحكمها الإسلام والمسلمون. ليس لدينا مشروع نظام في لبنان، علينا أن نزيل الحالة الاستعمارية الإسرائيلية وحينئذ يمكن أن ننفذ مشروعنا الذي لا خيار لنا في أن نتبنى غيره، لكوننا مؤمنين عقائديين وهو مشروع الدولة الإسلامية وحكم الإسلام، وألا يكون لبنان جمهورية إسلامية واحدة، وإنما يكون جزءا من الجمهورية الإسلامية الكبرى التي يحكمها صاحب الزمان ونائبه بالحق الولي الفقيه الإمام الخميني. وأنا لا يمكن أن أبقى لحظة في أجهزة حزب الله إذا لم يكن لدي يقين بأن هذه الأجهزة تتصل عبر مراتب بالولي الفقيه القائد المبرئ للذمة الملزم قراره».

في عام 2002 جاء كتاب نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم تحت عنوان: «حزب الله.. التجربة المنهج المستقبل» ليؤكد التحول الذي شهده الحزب بعد اقتناعه بألا سبيل لتحقيق كل بنود البرنامج الذي وضع عام 1982. فيقول قاسم عن مسعى حزب الله لإقامة دولة إسلامية: «لا يمكن لأي ملتزم إسلامي يحمل العقيدة الإسلامية ويؤمن بشريعتها، إلا وأن يكون مشروع إقامة الدولة الإسلامية أحد التعابير الطبيعية لالتزامه الإسلامي، فهي تمثل العدالة التي يطمح إليها الإنسان. لكننا نفصل بين الرؤية الفكرية والتطبيق العملي، فنقول في الرؤية الفكرية: إننا ندعو إلى إقامة الدولة الإسلامية، ونشجع الآخرين على قبولها لما تمثل من إسعاد للإنسان. أما على المستوى العملي، فهذا الأمر يتطلب وجود الأرضية التي تتقبل إنشاء هذه الدولة، والأرضية هي هذا الشعب، الذي من حقه أن يختار ما يريد تحكيمه في حياته، ولا يمكن أن تكون إقامة الدولة الإسلامية من منطلق تبني فئة أو فريق، ثم يعمل هذا الفريق على فرضها أو فرض آرائه فيها على الفئات الأخرى، فهذا ما لا نقبله في هذا المشروع ولا في غيره من المشاريع والأفكار، سواء أكانت صادرة عنا أم عن غيرنا». وعن ارتباط الحزب بالولي الفقيه يقول الشيخ قاسم: «لا علاقة لموطن الولي الفقيه بسلطته، كما لا علاقة لموطن المرجع بمرجعيته. فقد يكون عراقيا أو إيرانيا أو لبنانيا أو كويتيا أو غير ذلك، إذ لا دخل لجنسيته في المواصفات التي يحملها. فهو يحمل الإسلام ويعمل للإسلام. وبما أن العمل ضمن بلد ما يرتبط بخصوصياته وظروفه، فإن عمل حزب الله يوائم بين إسلامية المنهج ولبنانية المواطنة، فهو حزب لبناني بكل خصوصياته ابتداء من الكادر والقيادة مرورا بالعناصر، وهو مهتم بما يجري على ساحته في الميادين الجهادية والسياسية والاجتماعية والثقافية، وهو يحمل الإسلام الذي يسعه ويسع الآخرين في العالم. ولا يتعارض الاهتمام بقضايا العالم الإسلامي والمستضعفين مع الاهتمام بالقضايا الوطنية التي تكون محكومة لرفض الظلم والاحتلال، والسعي لتحقيق العدالة، ورعاية الأولويات والمصالح».

الباحث الاستراتيجي العميد المتقاعد أمين حطيط، فصل لـ«الشرق الأوسط» مراحل نشأة حزب الله وتطور مفاهيمه للبنان الدولة وللجهاد حتى يومنا هذا، فقال: «المرحلة الأولى التي عرفها حزب الله هي مرحلة التكوين والنشأة، فكان خلالها الحزب حركة سرية نشأت في بيئة يسيطر عليها العدو وهي اعتمدت نموذجا جهاديا هو القتال لدفع المحتل وتحرير لبنان. عندما انطلق الحزب لم يكن قادرا على الإفصاح عن نفسه وقد دامت هذه المرحلة ما يقارب الـ3 سنوات منذ عام 1982 وحتى عام 1985. أما المرحلة الثانية – يضيف حطيط – فقد كانت مرحلة الإعلان عن الذات وعن البرنامج السياسي وتميزت هذه المرحلة بسمات أساسية، هي العمل السياسي الإسلامي ومنطق أن الحكم حكم إسلامي، والعمل الجهادي والمقاومة ضد المحتل، وتأجيل أي صراع مع أي طرف غير إسرائيل للانتهاء من الصراع معها ودحرها. وتعتبر هذه المرحلة الثانية من المراحل المفصلية في حركة حزب الله. أما المرحلة الثالثة التي امتدت من عام 1990 وحتى عام 2000، فهي مرحلة القبول بالنظام اللبناني كليا والانخراط السياسي تشريعيا، وبالتالي فإن حزب الله تراجع عما كان يقوله عن نظام إسلامي، راضخا للنظام الواقعي الممكن، متأقلما مع ظروف البيئة اللبنانية». وأضاف حطيط: «المرحلة الرابعة هي مرحلة تأسيس الحزب مع اعتماد الخط المقاوم، فانخرط حزب الله أكثر فأكثر في العمل السياسي والاجتماعي اللبناني دون التخلي عن منطق المقاومة، وصولا إلى المرحلة الخامسة، أي ما بعد عام 2006، حيث أصبح الحزب ركنا سياسيا أساسيا يعترف بالدولة اللبنانية وبمكوناتها كافة، بغض النظر عن معتقده الديني الذي يدعوه للالتزام بولاية الفقيه التي تمثلها القيادة الدينية في إيران».

ويرى حطيط أن «حزب الله وبصيغته الأخيرة يختلف كثيرا عن صيغته الأولى، فهو بعدما كان سريا أصبح علنيا وبعدما كان يرفض النظام اللبناني أصبح جزءا منه، وهو تخلى عن خطابه الديني المتشدد وبات يرتكز على الواقع وعلى الأرضية والبيئة اللبنانية، أما النقاط والقواعد التي لم يحد عنها منذ نشأته، فولاية الفقيه واعتبار إسرائيل العدو المطلق». ويوضح حطيط أن «ولاية الفقيه لا تعني أن حزب الله أداة في يد قائده، فالولاية تراعي مصلحة البيئة التي يعيش فيها الأفراد وهي بالتالي تنطلق من عدالة الفقيه الذي يحرص على مصالح من يتبعه، لذلك فإن المصلحة اللبنانية أولوية اليوم لدى حزب الله».

في المقابل، يرى الكاتب والمحلل السياسي محمد سلام أن خطاب نصر الله، وبالتالي خطاب حزب الله منذ الثمانينات وحتى يومنا هذا، أصبح أكثر وضوحا وواقعية بعدما أحرز الحزب تقدما كبيرا في تحقيق أهدافه وطموحاته، أو بالأحرى أهداف الولي الفقيه، ويضيف: «معظم اللبنانيين يظنون أن لحزب الله رؤيته الخاصة، علما بأن السيد نصر الله قالها بوضوح، إن حزبه جزء من الجمهورية الإسلامية ومن ولاية الفقيه، أي أنه ينفذ قرارات تصدر من إيران، أي من دولة الولي الفقيه».

ويشدد سلام على أن «حزب الله ليس، لا من قريب ولا من بعيد، تنظيما سياسيا مستقلا، إنما هو فصيل ضمن قوى تقودها طهران، وقد أصبح لبنان ككل تحت سيطرة الولي الفقيه وممثله نجاد»، ويضيف: «عندما تتعامل دول كبرى مع حلفاء وأصدقاء لها تزورهم في مواقعهم لكونهم حيثية مستقلة، وهذا ما قام به خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز عندما زار رئيس الحكومة سعد الحريري في دارته، بخلاف ما قام به نجاد الذي استدعى السيد نصر الله إلى السفارة الإيرانية، مما يزيل أي شكوك عن أن حزب الله جزء من النظام الإيراني وأنه - أي حزب الله - أصبح إيران في لبنان».

وعن أي تطور شهده خطاب نصر الله منذ الثمانينات وحتى يومنا، يقول سلام: «كل ما تبدل أنه أصبح يستخدم ضمن خطابه علم الدهاء، فهو يسعى للسيطرة على لبنان من دون الإعلان عن ذلك، حيث يقوم بكل الممارسات التي تؤكد هذا، مبقيا على القشور الخارجية»، ويضيف: «حزب الله، ومنذ تأسيسه، قوة غير لبنانية تسعى لاحتلال لبنان وإخضاع اللبنانيين». ويرى سلام أنه يتوجب أن يكون هناك موقف عربي موحد من مسألة التعاطي مع إيران، لا أن يكون هناك موقف فردي لكل دولة أو موقف عربي واحد، كالموقف من العدو الإسرائيلي!