مدن صغيرة تجذب الأثرياء الجدد في الهند

غالبيتها تحولت إلى تكنولوجيا المعلومات.. وأباطرتها يميلون على غير العادة إلى إظهار الترف

وحدات سكنية جديدة في مدينة أورانج آباد التي تضم 1.2 مليون نسمة («نيويورك تايمز»)
TT

لعقود من الزمان ظلت هذه المدينة التي تقع في وسط الهند نموذجا للهند القديمة، بما تحتفظ به من الأنقاض المتهاوية التي تعود إلى عصر إمبراطورية مغول الهند والكهوف البوذية القديمة المحاطة بمساحات شاسعة من الأراضي الزراعية التي كان الفلاحون يزرعون فيها القطن.

ولكن هذا الشهر، أصبحت أورانج آباد رمزا لهند مختلفة تماما، قوى اقتصادية مزدهرة تزداد في التحضر ويملؤها الطموح والرغبة في إظهار ثرائها. وقد قررت مجموعة تضم أكثر من 150 من رجال الأعمال المحليين شراء، وبصورة جماعية، سيارات من طراز مرسيدس، لينفقوا في يوم واحد ما يقرب من 15 مليون دولار ويضعوا هذه المدينة الصغيرة والمزدهرة على الخريطة من جديد. وقرر رجال الأعمال شراء هذه السيارات، بهدف تحفيز الاستثمار في أورانج آباد، واحدة من عدة مراكز حضرية غير مشهورة ولكنها مزدهرة في ولايات الهند الأكثر ازدهارا، وذلك بسبب إحباطهم من فشل الحملات الدعائية التي تقوم بها غرفة التجارة في جذب استثمارات جديدة للمدينة.

ويقول ساشين ناغوري (40 عاما) وهو أحد أقطاب قطاع العقارات المحليين وصاحب فكرة شراء السيارات: «في أورانج آباد وحولها، هناك شركات تقدر قيمتها بآلاف الكرور (نحو 225 مليون دولار). لكن أورانج آباد غير معروفة حتى في هذه الولاية. هناك الكثير من المال هنا. نحن نريد فقط إظهار ذلك».

ولفترة طويلة من الزمن أشار الاقتصاديون والمسؤولون الحكوميون إلى أن ما تسمى بمدن الدرجة الثانية تعتبر ينابيع جديدة للازدهار وحاضنات للطبقة الوسطى الصاعدة في الهند. وقد أظهرت مدن مثل بيون، مركز الصناعة وتكنولوجيا المعلومات التي تقع على بعد ساعات خارج مدينة مومباي، ومدينة أحمد آباد، أكبر مدينة في أكثر ولايات الهند ثراء، وهي ولاية غوجارات، أن المدن الصغيرة يمكن أن تجتذب استثمارات وشركات كبرى.

ولكن الآن، فإنه حتى المدن الصغرى في بعض الولايات الأكثر ازدهارا تشهد نموا وازدهارا كبيرين. وقد تحولت كويمباتور، وهي مدينة يسكنها نحو مليون نسمة في ولاية نادوا التي تقع قرب حافة الهند الجنوبية، من صناعة النسيج إلى صناعة البرمجيات وقطع غيار السيارات.

وقد جذبت مدينة أورانج آباد، التي يسكنها 1.2 مليون نسمة وبها قاعدة مستقرة من مصانع تصنيع وتجميع السيارات والمشاريع الزراعية، لفترة طويلة انتباه الشركات التي تبيع الأجهزة الصغيرة والهواتف الجوالة والسيارات الاقتصادية. ولكن كما نمت ثروات المدينة وتغيرت العادات الثقافية التي كانت تعتبر الإنفاق الزائد أمرا غير لائق، جذبت المدينة الشركات التي تبيع السلع الفاخرة والتي تسعى وراء مستهلكين جدد. وقد افتتح مؤخرا في المدينة مركز تجاري كبير، فضلا عن المسارح والفنادق الفخمة.

وقال ديبشيش ميترا، رئيس التسويق والمبيعات بتوكيل سيارات مرسيدس بنز في الهند: «قصة أورانج آباد هي قصة الهند. هناك الكثير من المدن مثل أورانج آباد، حيث إن الهنود كانوا يملكون المال، لكنهم لم يكونوا يفضلون حياة الترف، بل كانوا دائما ما يفضلون الادخار. لكن الآن بدأ ذلك يتغير، الناس ينفقون بسخاء لأنهم يريدون أن يشعروا بأنهم يستحقون الحياة الفاخرة».

وهذا يصف بالتأكيد ناغوري، الذي يمثل رد أورانج آباد على دونالد ترامب. لقد حقق ثروة من شراء وتطوير الأراضي في صفقات عالية القيمة. وهو يعيش في منزل حديث مترامي الأطراف زينت أرضياته بالرخام الإيطالي وجهز بالأثاث العالمي. ولديه أربع سيارات، من ضمنها سيارة مرسيدس بيضاء براقة مجهزة بمقاعد جلدية لونها لون الشوكولاته.

وكان ناغوري في إحدى الصالات الرياضية في الربيع الماضي برفقة أحد أصدقائه عندما وردت إلى ذهنه فكرة شراء مجموعة من السيارات الفاخرة. وربما، تساءل إذا كان بإمكانه إقناع عدد كاف من الناس بشراء هذه السيارات الفاخرة بصورة جماعية فإن ذلك سوف يكون بمثابة دعاية للمدينة. وقد بدأ الأمر بمجموعة أساسية من 20 من أصدقائه، ولكن انتشار الفكرة رفع العدد بسرعة، وفي النهاية وصل إلى أكثر من 150 من رجال الأعمال، معظمهم في العقدين الثالث والرابع من أعمارهم مثل ناغوري نفسه.

ولا يمكن أن يكون هؤلاء الرجال مختلفين عن آبائهم الذين كان يتميزون بالحذر ويدخرون كل مبلغ صغير للتحوط ضد مستقبل الاقتصاد الهندي الغامض، الذي كانت تسيطر عليها الدولة حتى عام 1991. وفي أرض غاندي ومهد الديانة البوذية، فإن إظهار الثراء المادي الكبير لا يزال يعتبر أمرا ممقوتا.

ويرفض الرجال الأكبر سنا مثل غارد آشيش، الذي يدير «نيرليب»، وهي شركة تقوم بصناعة الأواني والمقالي منذ عام 1968، للانضمام إلى هذه المجموعة. ويقول غارد إن الـ15 مليون دولار التي أنفقت على شراء السيارات الفاخرة كان الأفضل أن تستثمر في إقامة مصانع جديدة التي من شأنها خلق فرص عمل جديدة أو يتبرع بها للجمعيات الخيرية. وقال إنه راض عن سيارته الاقتصادية. ويضيف غارد «نحن الذين مررنا بالمصاعب في الماضي نعرف قيمة المال بطريقة مختلفة. أولئك الذين يحصلون على المال بسرعة فإن علاقتهم بالمال مختلفة. بعد العولمة تحدث الأمور بسهولة بالغة. لقد اختفى عنصر الكفاح».

عائلة غارد كانت لديها ثروة صغيرة تتمثل في ملكيات مساحات من الأراضي، ولكن والده، وهو محاضر جامعي، قام برهان خاسر على مصنع تعرض لإفلاس بعد ذلك. ويتذكر غارد هذه الفترة قائلا: «لم يكن لدينا المال حتى لركوب الحافلة».

وفي ثمانينات القرن الماضي حصل غارد على وظيفة في إحدى شركات التشييد والبناء وقضى ست سنوات في دراسة كيفية عمل هذه الشركات. وحقق بعض الثروة من تجارة جانبية في الرمل والطوب. وبعد قام باقتراض 2000 دولار من الأصدقاء والأقارب وتمكن من بناء مبنى سكني صغير، وقال إنه تمكن من بيعه على الفور: «لقد فهمت كيف تتم عملية البيع».

* خدمة «نيويورك تايمز»