بري في زيارة إلى باريس لمدة 3 أيام.. ويلتقي الرئيس ساركوزي بعد غد

مصادر تطرح تساؤلات حول مشروع لجمع القيادات اللبنانية للتحاور

TT

في حين وصل رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري إلى باريس، أمس، في زيارة رسمية تستمر ثلاثة أيام يلتقي خلالها كبار المسؤولين الفرنسيين، طغت على الدوائر المتابعة للملف اللبناني في العاصمة الفرنسية ثلاثة موضوعات متلازمة: طبيعة الاقتراح الذي طرحه الرئيس ساركوزي على الرئيس اللبناني ميشال سليمان خلال لقائهما في مدينة مونترو السويسرية على هامش قمة الفرنكوفونية، والقاضي باستضافة المسؤولين والسياسيين اللبنانيين المؤثرين بحثا عن حل لأزمتي القرار الظني والمحكمة الدولية، وما يمكن أن تعرضه باريس من أفكار في هذا الصدد، وأخيرا طبيعة الدور الذي يمكن أن يلعبه، وفق المفهوم الفرنسي، الرئيس بري من حيث علاقته بسورية من جهة وحزب الله من جهة أخرى.

وأفادت مصادر فرنسية رسمية أن الفكرة تتمثل في دعوة اللبنانيين إلى مؤتمر جديد في فرنسا على غرار ما حدث قبل ثلاث سنوات عندما دعت عشرات السياسيين اللبنانيين من مختلف الاتجاهات إلى ضاحية سيل سان كلو حيث «عزلتهم» عن العالم الخارجي ووضعتهم وجها لوجه ليتحاوروا بعيدا عن الضغوط السياسية والإعلامية. وتضيف هذه المصادر أن الفكرة بدأت تطفو على السطح منذ أوائل الصيف وتحديدا عندما تبين أن ملف المحكمة الدولية أخذ في «تسميم» الأجواء اللبنانية ويهدد بتفجير الأوضاع وهو ما يثير قلق فرنسا لجهة الوضع الداخلي اللبناني ولجهة تأثيراته على قوات اليونيفيل وتحديدا أمن القوة الفرنسية المشكلة من 1500 رجل. ونظر إلى الفكرة في الدوائر الرسمية، بداية، بحذر إن لم يكن بتشكيك. وحجج المتشككين هي أن الوضع في لبنان اليوم «مختلف» عن ما كان عليه صيف عام 2007، إذ إنه لا فراغ في المؤسسات (الرئاسات الثلاث مملوءة)، والسلطتان التنفيذية والتشريعية تقومان بعملهما ومجلس النواب مفتوح، إضافة إلى وجود «حوار وطني» تنعقد جلساته بين فترة وأخرى برئاسة رئيس الجمهورية. ولأن باريس تريد أن تنفي عنها «تهمة» التدخل في الشؤون اللبنانية وتحرص قدر المستطاع على حصر علاقاتها بمؤسسات الدولة اللبنانية، فقد «أهملت» الفكرة لصالح التركيز على «إيصال رسائل» إلى الأطراف اللبنانية و«الإقليمية» فضلا عن التشاور مع واشنطن ودول الاتحاد الأوروبي والتوجه إلى مجلس الأمن كما حدث بعد الإشكالات الأمنية التي تعرضت لها القوة الفرنسية في الجنوب الصيف الماضي أو مؤخرا لدى مناقشة تقرير الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون عن مراحل تنفيذ القرار 1559. وبموازاة ذلك، دأبت باريس على التعبير عن «تمسكها» بالمحكمة الدولية وأجابت من جاءها طالبا منها التدخل أنه «غير مجد» مع المدعي العام الكندي دانيال بلمار الذي يفعل «عكس» ما يطلب منه. ولتبريد الموقف، عمدت باريس إلى إيصال رسالة نقلها سفيرها في بيروت دوني بييتون إلى حزب الله مفادها أن اتهام أعضاء ينتمون إلى الحزب أو يدورون في فلكه «لن يكون اتهاما لحزب الله» كما أنه «لن يكون نهاية العالم»، وفق ما أكده مسؤول فرنسي لـ«الشرق الأوسط». غير أن هذا الطرح لم يجد نفعا؛ لا بل أدى إلى فتح النار على باريس التي تكرر أنها «صديقة للبنان ولكل اللبنانيين».

ولأن باريس، وفق ما تؤكده مصادر سياسية في العاصمة الفرنسية، فقدت القدرة في التأثير على دمشق أو أنها لا تنوي «تنفيرها» بسبب الحاجة إليها بخصوص موضوعين: لعب دور في مفاوضات السلام السورية – الإسرائيلية، وإنجاح قمة الاتحاد المتوسطي الموعودة، فإنها لم تجد ما تساوم عليه الجانب السوري الذي يسمع باريس كلاما حلوا لجهة استقرار لبنان والحوار والوفاق.. لكن يبدو أن «شهر العسل» الفرنسي - السوري قد تشقق بعض الشيء وبرز التردد الفرنسي بعد القمة الثلاثية الشهيرة التي عقدت في دمشق بحضور الرئيسين السوري والإيراني وأمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله. وتؤكد مصادر متابعة في العاصمة الفرنسية أنه بعد فترة من «التأرجح» عادت الدبلوماسية الفرنسية لتنشط على المسرح اللبناني، حيث كثفت باريس مشاوراتها عربيا وأميركيا وعاودت التواصل مع اللبنانيين على أعلى المستويات. لكن مراقبين في العاصمة الفرنسية «يستبعدون» مؤتمرا لبنانيا جديدا في باريس بسبب نظرة المعارضة السابقة لفرنسا التي تتهمها بتبني طروحات «14 مارس» (آذار) فضلا عن أنه ليس من المؤكد أن سورية تنظر اليوم بـ«ارتياح» لمبادرة فرنسية. وإذا لم يعقد المؤتمر، فإن مشروعه سينضم إلى جملة المشاريع الفرنسية التي أطلقت ولم تتحقق وآخرها قمة السلام المصغرة في باريس التي كان من المفترض أن تحدث قبل نهاية الشهر الحالي ولكن يبدو أنها «مؤجلة» إلى أجل غير مسمى.

وتشكل زيارة الرئيس بري إلى فرنسا مناسبة للدبلوماسية الفرنسية لتعطي انطباعا بـ«الحراك». وتراهن فرنسا، وفق ما تقوله مصادرها، على «خصوصية» بري و«تمايزه» عن طروحات حزب الله وبقية المعارضة. فضلا عن ذلك، يرتبط الوزير برنار كوشنير وبري بـ«صداقة» منذ الفترة التي كان ينشط فيها كوشنير في العمل الإنساني. ويزيد من أهمية اللقاء أن بري عائد من زيارة دمشق. وكل ذلك يفسر «العناية» الكبيرة البروتوكولية والسياسية التي تحيط بإقامته الباريسية. ولا شك في أن بري يريد أن يسمع من الرئيس ساركوزي مباشرة موقف باريس من الجدل القائم في لبنان حول المحكمة والقرار الظني.