الجيش الإسرائيلي يدرس إمكانية التوقف عن اقتحام مدن الضفة الغربية

استجابة لطلب رسمي من السلطة الفلسطينية

TT

أكدت مصادر عسكرية إسرائيلية أن الجيش الإسرائيلي يستعد لاحتمال توقفه عن دخول المدن الفلسطينية في الضفة الغربية واقتحامها، استجابة لطلب من السلطة الفلسطينية.

وقالت مصادر أمنية فلسطينية لـ«الشرق الأوسط» إن السلطة احتجت على التوغلات والاقتحامات المستمرة للجيش الإسرائيلي لمدن الضفة، غير مرة، لدى إسرائيل والأميركيين، معتبرة أن ذلك يضعف من صورة وهيبة الأمن الفلسطيني.

وقالت مصادر عسكرية إسرائيلية لصحيفة «هآرتس»: «رسميا، السلطة الفلسطينية هي المسؤولة عن الأمن في المدن المصنفة كمناطق (أ) في اتفاقات أوسلو (رام الله، طولكرم، قلقيلية، نابلس، الخليل، بيت لحم وجنين وأريحا)».

ورغم أن الجيش الإسرائيلي لا يزال ينفذ اقتحامات ليلية لهذه المدن، فإنه مع ذلك بدأ يستعد لاحتمال عدم قدرة الجنود على الدخول والخروج من المدن الفلسطينية، وذلك بإرادتهم.

وطلبت السلطة الفلسطينية مؤخرا من الجيش الإسرائيلي تفادي دخول المدن عدة مرات، وهذا الطلب حظي بدعم من الإدارة الأميركية، التي تدرب قوات الأمن الفلسطينية وتشرف على عملها.

وقال ضابط إسرائيلي: «إن مثل هذا التغيير إذا ما حدث فإنه لن يؤثر بشكل كبير على الوضع الأمني»، وأوضح أن «زيادة التعاون مع قوات الأمن الفلسطينية، جنبا إلى جنب مع قدرات المخابرات الإسرائيلية (الشين بيت) في الضفة الغربية، يعني أن الجيش الإسرائيلي يمكنه التعامل مع مثل هذا التغيير».

وأضاف: «الأجهزة الأمنية الفلسطينية تسيطر على المدن بشكل جيد، والذي يهرب إلى واحدة من تلك المدن لن نجد صعوبة في القبض عليه».

وأزال الجيش الإسرائيلي الكثير من نقاط التفتيش في الضفة الغربية خلال العام الماضي، ولكن قواته ما زالت تتمركز على مداخل ومخارج المدن الفلسطينية وتقتحمها، وهو ما أغضب السلطة الفلسطينية، التي طلبت وقف هذه الاقتحامات.

وفي آخر لقاء بين رئيس الوزراء الفلسطيني سلام فياض، ووزير الدفاع الإسرائيلي إيهود باراك، في يوليو (تموز) الماضي في القدس، طلب فياض من باراك صراحة وقف اقتحام المدن والبلدات الفلسطينية، لأن في ذلك مسا بهيبة السلطة الفلسطينية، وإضعافا لدورها، كما طالبه بالسماح بنشر المزيد من مخافر الشرطة الفلسطينية في مناطق «ب»، بما في ذلك المناطق التي كانت فيها هذه المخافر قبل 28 سبتمبر (أيلول) 2000 (تاريخ بدء الانتفاضة).

ويعزز من احتمال التجاوب الإسرائيلي مع طلب السلطة، حالة التنسيق الأمني غير المسبوقة بين الأجهزة الأمنية الفلسطينية والإسرائيلية، ففي وقت انقطعت فيه كل الاتصالات السياسية بين الفلسطينيين والإسرائيليين إلى الحد الذي ألغيت معه حتى القمة التي كان دعا إليها الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي بين الرئيس الفلسطيني محمود عباس، ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، هذا الشهر، فإن الاتصالات الأمنية لم تنقطع، بل توطدت بين الطرفين بشكل غير مسبوق.

وتوطدت العلاقة بين الأجهزة الأمنية الفلسطينية والإسرائيلية إلى الحد الذي راح معه الطرفان يتبادلان الزيارات في رام الله وتل أبيب.

وهذا الأسبوع زار 10 من رؤساء أجهزة الأمن الفلسطينية في الضفة الغربية مركز رابين (رئيس الوزراء الإسرائيلي الراحل)، الكائن في حي «رمات أبيب» في تل أبيب، الذي يخلد تراث رابين الذي اغتيل عام 1995.

وقام هؤلاء بجولة سياحية في متحف تراث رابين بمبادرة من الجيش، في نطاق توثيق التعاون مع الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية.

ووصف قادة الجيش الإسرائيلي هذا التعاون بأنه الأفضل منذ أنشئت السلطة قبل 17 عاما، ويتمثل في «النشاط العملاني المشترك لمكافحة الإرهاب في الضفة».

وتفاخر المصادر الأمنية الإسرائيلية بالمساعدة الكبيرة من قبل رؤساء الأجهزة الأمنية الفلسطينية في حل لغز العمليات التي وقعت في الضفة قبل نحو شهرين.

يذكر أنه سبق هذه الزيارة زيارات قام بها مسؤولون عسكريون إسرائيليون على مستوى عالٍ لمناطق في الضفة الغربية في ضيافة الأجهزة الأمنية.

وهذا الشهر فقط زار البريغادير يوحنان لوكر، السكرتير العسكري لرئيس الوزراء الإسرائيلي، مدينة جنين، وجال فيها بصحبة الأجهزة الأمنية الفلسطينية للاطلاع على الأوضاع الأمنية في المدينة، بعد عقد اجتماع بين ضباط إسرائيليين وفلسطينيين كبار لمناقشة سلسلة من المسائل الأمنية، كما زار رئيس الأركان الإسرائيلي، غابي أشكنازي، مدينة بيت لحم، وعقد سلسلة اجتماعات في المدينة وجال فيها. وقبل ذلك زار رئيس الشاباك الإسرائيلي، يوفال ديسكن، مدن رام الله وجنين.

ولا تخفي السلطة حاجتها إلى التنسيق الأمني مع إسرائيل، وقالت مصادر أمنية لـ«الشرق الأوسط» إن التنسيق «يهدف إلى محاربة كل ما يمكن أن يقوض السلطة ومؤسساتها وليس خدمة إسرائيل، ثم إنه يتم بموجب اتفاقات مثل خارطة الطريق». لكن هذا التنسيق الذي أغضب فتح في بعض الأحيان عندما وصفته بأنه تحول في بعض الحالات إلى «فلتان غير مسؤول»، يغضب كذلك الفصائل الفلسطينية الأخرى وغالبية الفلسطينيين الذين لم يتقبلوا «الحميمية» لدى بعض المسؤولين في العلاقة مع إسرائيل، مثل حضور إفطارات رمضانية مشتركة.

وتعبر مسألة التنسيق الأمني بين السلطة وإسرائيل نقطة خلاف مهمة في الملف الأمني، وهو أحد ملفات المصالحة الفلسطينية العالقة، التي من المفترض أن تناقش خلال الجولة الثانية من المباحثات التي يفترض أن تتم بين حركتي فتح وحماس. ومن المقرر أن يرأس ماجد فرج، مدير المخابرات الفلسطينية وفد «فتح» إلى جلسة المباحثات المقبلة، بينما سيرأس وفد «حماس» عماد العلمي، عضو المكتب السياسي. وتقول حماس إن الملف الأمني هو مفتاح المصالحة، وإن التنسيق الأمني هو مفتاح الملف الأمني.