العاهل المغربي: طريق السلام يمر وجوبا عبر حل الدولتين.. واستمرار الصراع لا يزيد الأوضاع إلا تفاقما

قال إن الاتحاد المغاربي يظل رهينة الحسابات الضيقة بفعل نزاع الصحراء المفتعل

TT

أكد العاهل المغربي الملك محمد السادس أن طريق السلام في الشرق الأوسط يمر، وجوبا، عبر حل الدولتين، بما يضمن إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، وعاصمتها القدس الشريف.

وقال العاهل المغربي، في رسالة وجهها إلى المشاركين في المنتدى الاقتصادي العالمي لشمال أفريقيا والشرق الأوسط، الذي انطلقت أشغاله أمس بمراكش «لا يفوتنا بهذه المناسبة، التأكيد على أن طريق السلام في الشرق الأوسط يمر، وجوبا، عبر حل الدولتين، بما يضمن إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، وعاصمتها القدس الشريف، المتعايشة في أمن وسلام مع دولة إسرائيل، في ظل الشرعية الدولية، وعن طريق مفاوضات مباشرة لا يعيقها تعنت أو تصعيد، أو إجراءات أحادية غير مشروعة، من شأنها تقويض المسار التفاوضي, وتبديد بارقة الأمل في السلام، والزج بالمنطقة في نفق مظلم».

وشدد الملك محمد السادس على القول إن استمرار الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي «لا يزيد الأوضاع إلا تفاقما، ويرهن طاقات المنطقة الهائلة، بل ويقف حجر عثرة أمام قدراتها على القيام بالدور الذي يناسب مؤهلاتها في تنمية الاقتصاد العالمي، والمساهمة بفعالية أكبر، في تخطي الظرفية العصيبة، التي يمر بها العالم».

وقال ملك المغرب: «من هذا المنبر نوجه رسالة أمل وتعقل للتفاوض الجاد، استجابة للإرادة الدولية، باعتباره السبيل القويمة لاستتباب الأمن لكل شعوب المنطقة، وتجاوز مظاهر العنف والتطرف، التي تزكي حالة عدم الاستقرار، وتقلص فرص التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وتقلل من وزن ومكانة منطقتنا في منظومة التعاون الدولي».

إلى ذلك، قال ملك المغرب: إنه لا مناص من الاعتراف بأن تحقيق الاندماج، الذي تصبو إليه شعوب المنطقة، ويمليه منطق العصر، يصطدم بمخططات هيمنية، وعقبات سياسية عفا عليها الزمن بانتهاء الحرب الباردة، كما هو الشأن بالنسبة للاتحاد المغاربي، الذي يظل رهينة الحسابات الضيقة، بفعل النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية، مشيرا إلى أنه «إيمانا منا بحتمية انتصار التوجه المستقبلي، على مخلفات الماضي، وبضرورة تجاوز الجمود، ومسايرة العالم في منطق التكتلات الاقتصادية، واستجابة لنداءات المنتظم الأممي، والمجتمع الدولي، بادرنا إلى تقديم مبادرة لحل النزاع الإقليمي حول مغربية صحرائه، من خلال مقترح الحكم الذاتي لأقاليمنا الجنوبية، في نطاق سيادة المملكة ووحدتها الوطنية والترابية».

وذكر أن هذه المبادرة «ما فتئت تحظى بالمساندة المتزايدة للمجتمع الدولي، وبدعم مجلس الأمن، لجديتها ومصداقيتها، ولمراعاتها للمعايير الديمقراطية المتعارف عليها دوليا في هذا المجال. وكلنا أمل في أن ينتصر منطق العقل والحكمة، وتغلب المصلحة المشتركة، على الأوهام البائدة».

على صعيد آخر، قال ملك المغرب: إنه أصبح واضحا أن الانتعاش الاقتصادي، المسجل في الآونة الأخيرة، لم يبلغ المستوى الذي يؤهله لحل آفة البطالة، فيما ظلت تعيقه الكثير من الصعوبات، لإيجاد الحلول الشاملة للخروج من الأزمة. وأضاف أنه كلما ساد الاعتقاد بنجاعة الحلول المتخذة، برزت إلى الواجهة إشكالات أخرى أكثر تعقيدا.

وأشار العاهل المغربي إلى أن العبرة الأساسية التي ينبغي استخلاصها من تفاعلات السنوات الأخيرة، هي أن الأزمة العالمية تتجاوز الاقتصادي والمالي والاجتماعي، إلى مستويات أخرى أكثر ارتباطا بمرتكزات نموذج النمو السائد على المستوى العالمي، بل وتسائل في الصميم بعده الحضاري، وتضع على المحك حكامته الجيدة، وتهدد عمقه الديمقراطي.

وزاد قائلا: «هذا ما يجعل العالم اليوم أمام منعطف تاريخي حاسم، مما يضفي على هذا الملتقى الخاص بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، أهمية خاصة، ويلقي عليه مسؤولية جسيمة، في التجاوب مع انتظارات شعوبنا».

وأوضح العاهل المغربي أن «منطقتنا لها من الطاقات، ما يؤهلها للعب دور أساسي، في رسم استراتيجيات الخروج من الأزمة، والمساهمة الفعالة في النقاش حول بلورة نموذج عالمي تنموي جديد، يضع كرامة الإنسان في صلب اهتماماته، كما أن فضاءنا الجهوي يعتبر من المناطق التي استطاعت التقدم بوتيرة متسارعة، على طريق تجاوز تداعيات الأزمة المالية والاقتصادية العالمية، حيث من المنتظر أن تسجل مستوى مشجعا من النمو، في نهاية هذه السنة، مع آفاق لا تقل تفاؤلا بالنسبة للسنة المقبلة».

وقال الملك محمد السادس إنه من البديهي أن لهذه المعطيات أثرها الإيجابي في دعم الانتعاش العالمي، وفي بناء عالم الغد، عالم ما بعد الأزمة، لما لهذه المنطقة من أهمية خاصة، بل واستثنائية، بالنسبة للاقتصاد العالمي، مشيرا إلى أن المنطقة تزخر بثروات طبيعية هائلة، إذ تعتبر مصدرا رئيسيا للطاقة المعدنية منها والمتجددة. كما أنها تمتلك مؤهلات بشرية مهمة. فهي تمثل خمسة في المائة من الموارد البشرية العالمية، وتتميز بتركيبة ديموغرافية شابة.

وذكر ملك المغرب أن ما يزيد من أهمية المنطقة، موقعها الجيو سياسي الاستثنائي، الذي يؤهلها للقيام بدور أساسي في تحريك عجلة التبادل والتعاون، مشيرا إلى أنها تعد ملتقى وجسرا للتواصل بين ديناميكية الاقتصاديات الآسيوية، وفرص الشراكة الأورومتوسطية المتاحة، والقدرات التنموية المهمة للقارة الأفريقية. غير أن النهوض بهذا الدور، يضيف العاهل المغربي، يبقى رهينا بمدى نجاعة اختياراتها، سواء تعلق الأمر بكل بلد على حدة، أو بدول المنطقة مجتمعة.

وأبرز العاهل المغربي أنه غير خائف من «أن منطقتنا تواجه اليوم تحديين رئيسيين. يتمثل الأول في دعم النمو، وتسريع وتيرته، لتحقيق تنافسية أقوى، وجاذبية أكبر، لتوفير فرص الشغل، وتقليص الهوة بين الفقر والغنى، ووضع المواطن في صلب عملية التنمية، مع الحرص على تحصين التوازنات المالية والاقتصادية الأساسية. أما التحدي الثاني، فيتعلق بقدرة المنطقة على التموقع داخل الخريطة الاقتصادية العالمية، الآنية والمستقبلية،عبر التحول إلى قطب إقليمي وازن، يتفاعل مع المحيط الدولي بنهج واحد, واستراتيجية مشتركة، قوامها الاندماج الإقليمي، الذي يتيح نسج شراكات التعاون المثمر، مع مختلف شركائنا عبر العالم.

ووعيا من المغرب بضرورة رفع هذين التحديين، قال الملك محمد السادس إن بلاده اختارت منذ ظهور البوادر الأولى للأزمة العالمية، التشبث بمواصلة مسيرتها التنموية، المرتكزة على دعم النمو، وتكثيف الاستثمار، والمضي قدما في إنجاز المشاريع الكبرى، والإصلاحات الهيكلية، وتنويع اقتصاده، وهو ما يتجلى في اعتماد استراتيجيات قطاعية مضبوطة، في الصناعة، والفلاحة، والسياحة، والطاقة، واللوجيستيك، والتكنولوجيات الجديدة، وغيرها من التدابير.