أمير الكويت: الحاجة ماسة لوضع أطر ممارسة الحقوق منعا للفوضى

قال في افتتاح البرلمان: ما يحيط المشهد السياسي العام من تجاوزات غير مسؤولة موضع استنكار من الجميع

أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح يلقي خطابه في مجلس الأمة الكويتي أمس (أ.ب)
TT

شدد أمير الكويت، الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، أمس، على أن مصلحة الكويت هي «ملتقى أهدافنا وحمايتها منتهى غايتنا»، مشيرا إلى أن ما يحيط المشهد السياسي العام من تجاوزات غير مسؤولة «هو موضع استنكار ورفض من الجميع». وأضاف في كلمة، خلال افتتاح دور الانعقاد العادي الثالث من الفصل التشريعي الـ13 لمجلس الأمة، أن التمادي في التجاوز على القانون وزج البلاد في أتون الصراعات السياسية والدينية يوجب «علينا جميعا، مجلسا وحكومة ومؤسسات وأفرادا، أن نتحلى بالحكمة واليقظة وأن نكون صفا واحدا أمام مسؤولياتنا الوطنية في درء أسباب الفتنة ونتائجها المهلكة». وأكد أن الالتزام بأحكام الدستور والقانون يوجب على سلطات الدولة أن تلتزم كل سلطة حدود اختصاصها وفق الأحكام التي يبينها الدستور كما أوجب التعاون في ما بينها لتحقيق مصلحة هذا البلد وأبنائه.وقال أمير الكويت في كلمته، التي بثتها وكالة الأنباء الكويتية، «لقد آمنا كما آمن أسلافنا بالشورى، فجبلنا على ممارستها اقتداء بقوله تعالي (وأمرهم شورى بينهم)، واتخذناها سبيلا إلى ديمقراطية حقيقية نابعة من تجربتنا الذاتية، وهي تضعنا أمام مسؤولياتنا التاريخية في أن تظل مصلحة الوطن دائما في المقام الأول. إنها ديمقراطية حقة وقد ارتضيناها على مر العصور موروثا حضاريا ونظاما عصريا كان دائما محل فخرنا واعتزازنا».

وأضاف الشيخ صباح: «قدرنا أن نحرص على نظامنا الديمقراطي وأن ندافع عنه وأن نتمسك به ونحميه من كل جور على قيمه أو تجاوز على حدوده أو خروج على أطره أو تعسف في ممارسته، حتى لا يتحول إلى أداة هدر لمقومات هذا البلد ومقدراته، فكل نظام يوزن بما يحقق للوطن من عطاء ورخاء في حاضره ومستقبله، وجاء دستورنا حاضنا لهذه الديمقراطية، مبينا بأحكامه اختصاص كل سلطة وحدودها وصلاحياتها، وكل تجاوز على هذه الأحكام هو تجاوز على الدستور نفسه وتعدٍّ لا يخدم المصلحة العامة ولا يحقق الغايات الوطنية المنشودة». ونبه إلى أن «ما يحيط المشهد السياسي العام من تجاوزات وممارسات غير مألوفة ولا مسؤولة هو موضع استنكار ورفض من الجميع، ولا يمكن لأي عاقل أن يغفل عما ينطوي عليه ذلك من مخاطر جسيمة يصعب استبعادها أو تحييدها عن مخططات خبيثة تستهدف الأسس الراسخة لأمننا واستقرارنا وتماسك مجتمعنا وما جبل عليه من قيم التسامح والاعتدال وقبول الرأي الآخر». وقال: «لقد استغل البعض أجواء الحرية في التطاول على ثوابتنا الوطنية حتى أصبحت أساليب الإثارة والتشكيك والانفلات والتصرف غير المسؤول بديلا عن الاحتكام للقانون، وانساق إلى ذلك مَن انساق بعلم أو بغير علم حتى غدا الشارع، وليس قبة البرلمان، هو المكان لطرح القضايا والمشكلات، الأمر الذي يتعذر معه الوصول إلى قرار صائب وسليم، في ظل هذه الأجواء المشحونة، ويدفع بنا إلى تداعيات ونتائج بالغة السوء والضرر على مصلحة هذا الوطن وأبنائه».

وحذر أمير الكويت من أن «التمادي في التجاوز على القانون وزج البلاد في أتون الصراعات السياسية والدينية يوجب علينا جميعا، مجلسا وحكومة ومؤسسات وأفرادا، أن نتحلى بالحكمة واليقظة وأن نكون صفا واحدا أمام مسؤولياتنا الوطنية في درء أسباب الفتنة ونتائجها المهلكة، والتصدي بكل حزم وإصرار لأي تصرف قد يؤدي إليها أو يسهم في إشعالها وتأجيجها، حماية لوطننا ومواطنينا من ويلات التحزب والتعصب والنعرات الطائفية التي لم تصب مجتمعا إلا فرقته وأورثته الضعف والدمار». وخاطب أعضاء مجلس الأمة قائلا: «إن الالتزام بأحكام الدستور والقانون يوجب على سلطات الدولة أن تلتزم كل سلطة بحدود اختصاصها وفق الأحكام التي يبينها الدستور، كما أوجب التعاون في ما بينها لتحقيق مصلحة هذا البلد وأبنائه». وقال: «إن أكبر آمالنا يتمثل في إعداد شباب قادر على القيام بمسؤولياته، مستجيب لموجبات العصر، معزز بمشاعر الولاء والانتماء إلى وطنه وهو يحمل أمانة المستقبل جيلا بعد جيل، فلا جدال في أن ثروتنا الحقيقية تكمن في شبابنا، فهم أصحاب الحق، الذي لا ينازع، في العلم والمعرفة المتقدمة، ولهم الحق كله في تحصينهم بتعاليم ديننا الحنيف ومواريثنا الأخلاقية الفاضلة وتوسيع آفاق العمل أمامهم، وتسخير كل الإمكانات والطاقات لتمكينهم من مواجهة التحدي الحضاري ودفع مسيرة البلاد وتنميتها».

وأضاف: «علينا أن ندرك أننا مجتمع قليل بعدده ونعيش في وطن صغير في مساحته، وأننا لسنا بمعزل عما يجري حولنا من صراعات وتأثيرات على المستوى الإقليمي والدولي. وهو ما يضاعف من المسؤولية الوطنية الملقاة على عاتق وسائلنا الإعلامية المختلفة المقروءة والمرئية والمسموعة لما تملك من مجال رحب في التأثير على الرأي العام». وحذر أمير الكويت من أن «مكمن الخطورة في هذا الأمر عندما يلجأ البعض إلى تناول القضايا الكبيرة والحساسة فيقول ما يشاء لمن يشاء وفي أي وقت ومقام بلا دليل أو بينة، ويضع الأحكام والعلل من وحي الأهواء والأغراض، يجذبه إلى ذلك تأثير البهرجة الإعلامية والمبالغة في الإثارة والتحريض والمغالطة ومجافاة المصداقية وتجاوز لحدود الحرية والمسؤولية وضوابط الأمانة المهنية والمصلحة العامة. وما أغنى الكويت عن كل ذلك بما يحمله من نتائج وآثار بالغة السوء والضرر، سواء على صعيد واقعنا المحلي أو علاقاتنا الخارجية في الوقت الذي نتوخى أن تكون وسائل إعلامنا صرحا للرأي المستنير ومنبرا لنشر المعرفة الخلاقة وأداة لتعزيز التلاحم والتواصل في الداخل وعونا لكسب الأصدقاء في الخارج». وقال لأعضاء البرلمان: «إنكم مطالبون بمخاطبة ممثليكم بالكلمة المسؤولة الصالحة، ولا تبخلوا عليهم بالإرشاد والتوجيه والنصح والشد من أزرهم إذا أحسنوا وأجادوا، وذلك في ما يعزز المصلحة العامة ويبقي الكويت دائما في المقام الأول». وشدد على أن «الحاجة أصبحت ماسة لوضع الأطر اللازمة لممارسة الحقوق بما يضمن الالتزام الكامل بصحيح مفهومها وعدم تجاوزها انحدارا إلى فوضى غير مأمونة العواقب». وقال إنه «من مراجعة الأحداث التي تلاحقت في الآونة الأخيرة، قد كشفت بوضوح عن قصور واضح في إدراك ماهية تلك الحقوق وحدودها وإغفال للواجبات واستيعاب المحاذير، وبات التمادي في الممارسة الخاطئة شأنا ملحا يستوجب التصدي له بالردع والتصحيح. وإذا كان البعض قد توهم الحنو والحكمة والتغاضي عن المحاسبة عن بعض الأمور تساهلا ووهنا، فإني أؤكد أن ما حفل به الشارع السياسي مؤخرا من سلبيات بات مصدر قلق للجميع بما يمثله من تهديد لأمننا الوطني ووحدتنا الوطنية على نحو لا يمكن التجاوز عنه».

وأضاف: «إذا كنا ندين ونرفض ما دأب البعض عليه من انتهاج أسلوب القذف والتجريح والإساءة إلى كرامة الناس واستفزاز مشاعرهم والتي لم يسلم منها أحد، فإن من دواعي الألم والأسف أن يأتي الخروج عن الأطر القانونية ممن يفترض فيهم المسؤولية والحكمة والقدوة».

وقال: «إن أمانة المسؤولية تستوجب منا المبادرة إلى اتخاذ حزمة من الإجراءات الجادة التي لن يستثنى منها أحد بما في ذلك إعادة النظر في بعض التشريعات التي تستهدف وضع حد لمظاهر الانفلات والفوضى والممارسات العبثية التي تهدد الأمن الوطني وتضمن إعادة الأمور إلى نصابها، تبيانا لمعالم الطريق الصحيح وعودة للنهج القويم الذي يحفظ لنا بلادنا وأولادنا حاضرا ومستقبلا، متمسكين بالعهد الذي عاهدنا عليه الآباء والأجداد بأن نتقي الله في وطننا، نصون سيادته ونحفظ وحدته ونعزز مكانته ورفعته، متبعين نهجهم متلمسين خطاهم، ذلك العهد الذي كان وسيظل نبراسا لنا ومبعث فخرنا واعتزازنا. إننا جميعا على إيمان ثابت بدولة الدستور والقانون والمؤسسات الراسخة، والكويت التي تجاوزت الكثير من المحن والأزمات والشدائد قادرة بعون الله ومشيئته، وبالفزعة الجامعة لأهلها الأوفياء، على مواجهة أي تهديد لمقومات أمنها الوطني ومنع أي خروج عن إطار الثوابت الوطنية وأحكام القانون».