أسانغ يريد أن يرى أشخاصا يحاكمون في ملف العراق وقد يلجأ إلى كوبا أو روسيا إذا حاكمته واشنطن

قال إن على العالم أن يفهم أن البنتاغون يكذب باستمرار

TT

عندما أصبح هو القصة، وجد جوليان أسانغ أن الاهتمام به وبشخصه «مزعج وصعب»، حسب وصفه. فصاحب موقع «ويكيليكس» الذي تحدى الإدارة الأميركية كلها، ونشر نحو 400 ألف وثيقة أميركية سرية حول حرب العراق تظهر انتهاكات حقوق الإنسان التي مارسها الجيش الأميركي هناك، اكتسب سمعة بأنه لا يتمتع بالكثير من صفات التسامح عندما يتم التهجم عليه. ولم ينفع في إقصاء تلك القصص عنه انسحابه من مقابلة مباشرة على تلفزيون الـ«سي إن إن» عندما سألته المذيعة عن اتهامات الاغتصاب التي وجهت إليه في السويد.

وكما لم يتردد في الانسحاب من المقابلة، لم يتردد ليل أول من أمس أيضا في مهاجمة الإعلام «الرخيص» والصحافيين «الذين ينتهزون الفرص ويبحثون عن تأدية الخدمات وتدمير الأشخاص للحصول على قصة». وقال: «من السهل جدا أن تأخذ طرف القوي، لأنه إذا وقفت ضده سيكون عليك أن تواجه العواقب، ولكن إذا هاجمت ناشطا فمن سيقف بوجهك؟». كان يعلق على قصة نشرتها عنه صحيفة «نيويورك تايمز» وصفته فيها بأنه «ديكتاتوري» وأن تصرفاته تسببت في الانشقاق في صفوف مساعديه.

كان أسانغ يتحدث بشيء من الاسترخاء ليل أول من أمس في لقاء مع أعضاء «فرونتلاين كلوب» في لندن، وهو جالس إلى جانب أكبر مسرب وثائق في التاريخ الأميركي، قبله، دانيال ألسبرغ، الذي هرب وثائق عسكرية خلال حرب فيتنام عرفت بـ«وثائق البنتاغون». «الأشهر الثلاثة الأخيرة كانت الأصعب»، اعترف أسانغ وهو يتحدث عن التحديات التي واجهته عندما تلقى مئات آلاف وثائق حرب العراق، والضغوط التي تعرض لها لمنع نشرها. وأضاف، : «الهجمات علينا ستستمر على الأرجح... البنتاغون لمح إلى أنه يريد مقاضاتنا بموجب قانون التجسس الأميركي، والمدعي العام الأميركي قال إن المحاكمة ستكون قانونية...». أسانغ، وهو أسترالي، يمضي حاليا بعضا من وقته في لندن، بعد أن رفضت السلطات السويدية أن تمنحه أوراق الإقامة فيها. حياته يبدو أنها انقلبت رأسا على عقب بعد أن قرر نشر الوثائق الأميركية الأخيرة، ولن تزداد أيامه إلا تعقيدا في حال قررت الولايات المتحدة مقاضاته بجرم التجسس. لن يتمكن من العودة إلى أستراليا، الحليفة القريبة من الولايات المتحدة، التي لن تتردد في تسليمه إلى واشنطن في حال طلبت الأخيرة ذلك. كما لن يتمكن من العيش في بريطانيا للسبب نفسه.

ولكن أسانغ لا يبدو قلِقا من ذلك، فهو أكد أنه لن يتم تهديده بهذه الطريقة، وأنه سيستمر في «نشر الوثائق التي تعطى له وتتعرض لمحاولات قمعها، بمسؤولية». وحتى إن لديه أفكارا للأماكن التي يمكن أن يلجأ إليها في حال مضت واشنطن قدما في محاكمته. وعندما سئل: «أين ستعيش في حال استمرت البلدان برفض منحك إقامة»، ردّ: «هناك أماكن كثيرة في العالم يمكن أن أعيش فيها... أنا واثق من أنه يمكنني الذهاب والعيش في موسكو أو كوبا، ولكن ما الذي كنا سنقوله حينها عن الغرب إذا كان الصحافيون عليهم اللجوء إلى كوبا؟».

الهدف وراء ما يقوم به، رغم معرفته بالمخاطر، أكد أنه «الحقيقة». وقال: «الحقيقة ليست بحاجة إلى أهداف... لا نعرف أبدا النتائج ولكن الحقيقة يجب أن تظهر». وعندما سألته ماذا يطمح أن يحقق من خلال نشر هذه الوثائق، وهل يريد أن يرى أفرادا يحاكمون، ردّ: «الحقيقة والعدالة... تحدثت لـ(الصحافي سايمور) هيرش حول الأسباب التي تدفعه إلى نشر ما ينشر، وقال إنه يريد أن يحقق العدالة. بالنسبة إلينا فلدينا الفلسفة نفسها...». وأضاف: «وثائق حرب العراق تشكل أساسا جيدا للبناء عليه... أتمنى أن نرى نتائج ملموسة. نائب رئيس الوزراء البريطاني نيك كليغ دعا إلى فتح تحقيق... وأتمنى أن يكون هناك محامون في واشنطن يأخذون المبادرة ويخطون الخطوة التالية..». ولكن ألسبرغ، الذي هرب وثائق البنتاغون قبل 40 عاما ويبلغ اليوم من العمر 79 عاما، قال إن ما يريد أن يراه يتحقق من هذه التسريبات، «ليس العقاب أو المحاكمة»، بل «وضع حد لهذه الانتهاكات». وأضاف: «ادعت إدارة أوباما أنها أوقفت التعذيب وأغلقت معتقل غوانتانامو، ولكنها ما زالت تسلم أشخاصا ليصار إلى تعذيبهم... لقد قمت بالتصويت لأوباما وأتوقع أن أصوّت له مرة ثانية، ولكن أريد أن نصل إلى مكان حيث رؤساؤنا لا يكذبون علينا، وبما أنني عجوز جدا لا أعتقد أنني سأرى ذلك يتحقق في حياتي». وتابع يقول: «لست مهتما بالعقاب والمحاكمة، ما أريد أن أراه هو أن تتوقف هذه الانتهاكات ويتحمل الأشخاص مسؤولية أعمالهم، ليس فقط لأنها غير قانونية وغير أخلاقية، ولكن أيضا لأنها تعرض حياة جنودنا للخطر. وقول البنتاغون إن نشر هذه الوثائق هو ما سيعرض الجنود للخطر، هو خبيث للغاية». لم يكن ألسبرغ وحده الذي هاجم البنتاغون، بل انضم إليه أسانغ الذي استهزأ برد فعل البنتاغون على نشر الوثائق. وقال أسانغ إن الناطق باسم البنتاغون جيف موريل قد طالب «ويكيليكس» بإعادة الوثائق التي تم تسريبها إليه حول أفغانستان والعراق، وأي وثائق أخرى متعلقة بالجيش الأميركي حصل عليها، وعدم نشر أي وثائق شبيهة في المستقبل. وعندما سئل عن التصرف غير المسؤول بنشر أسماء أفغان تعاملوا مع القوات الدولية في الوثائق حول أفغانستان، رفض تلك الاتهامات، وقال: «كان هناك الكثير من البروباغاندا في هذا الموضوع». وأضاف أن الناتو قالت للـ«سي إن إن» إنها «لم تجد أي أفغاني بحاجة إلى حماية بسبب نشر هذه الوثائق، أو أي أفغاني تعرض للقتل بسببها». وقال أسانغ إن على العالم أن يفهم «أن البنتاغون كان وسيستمر في الكذب حول الكثير من القضايا. إذا كان صوتهم الرسمي غير دقيق، إذن سنرى في المستقبل محاولات كثيرة لشن حروب». ولكنه استدرك بأن ليس كل العاملين في البنتاغون يكذبون، وأن «هناك أشخاصا طيبين، وهم الذين سربوا لنا هذه المعلومات».