كوشنير: من المستحيل التأثير على المحكمة الدولية

قال: أنفي الكلام المنسوب إلى ساركوزي عن «تسوية» * مصادر فرنسية لـ«الشرق الأوسط»: بري لم يطلب إعادة النظر بالمحكمة

رئيس الحكومة الفرنسية، فرانسوا فيون، يرحب برئيس المجلس النيابي اللبناني، نبيه بري، لدى وصوله أمس إلى مقر رئاسة الحكومة الفرنسية في «أوتيل ماتينيون» في باريس (أ.ف.ب)
TT

أربع رسائل وجهتها فرنسا إلى اللبنانيين وعبرهم إلى الفرقاء الإقليميين في اليوم الأول من الزيارة التي يقوم بها رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري إلى باريس.

وبانتظار لقاء بري الرئيس نيكولا ساركوزي صبيحة الغد في قصر الإليزيه، فإن الاجتماعين الرئيسيين اللذين عقدهما بري مع وزير الخارجية برنار كوشنير في مقر إقامته صباحا ومع رئيس الحكومة فرنسوا فيون في قصر ماتينيون مساء، شكلا فرصة لفرنسا لتضع حدا وبشكل قاطع ونهائي للتكهنات والتأويلات التي تكاثرت في اليومين الأخيرين إزاء موقفها من المحكمة الدولية.

كانت بعض الصحف اللبنانية قد نقلت معلومات في اليومين الأخيرين تفيد بأن ساركوزي أبلغ الرئيس سليمان، في اجتماعهما في مدينة مونترو في سويسرا، على هامش القمة الفرانكفونية، استعداد فرنسا لقبول ودعم أي تسوية لبنانية حول المحكمة، ما يعني ضمنا الاستعداد للتخلي عنها أو التشكيك بها أو العمل على إلغاء القرار الظني.

وتكفل الوزير كوشنير بالنفي؛ إذ قال لعدد من الصحافيين عقب لقائه بري ما يلي: «أنا حضرت الاجتماع الذي حصل بين الرئيسين ساركوزي وسليمان (في سويسرا) ولم يحصل شيء من هذا القبيل». وبينما أكد كوشنير أن موضوع المحكمة أثير مع الرئيس بري، رأى أنه «من المستحيل التأثير عليها». وردا على الذين ينبهون من القرار الظني وما يمكن أن يأتي به من اتهامات لعناصر من حزب الله، دعا كوشنير إلى «الهدوء»؛ لأن «لا أحد يعرف ما سيتضمنه القرار الظني». وشدد الوزير الفرنسي على تمسك باريس بالعدالة الدولية وعلى قدرة المحكمة الخاصة بلبنان على العمل باستقلالية وعلى «مناعتها» وقدرتها على التصرف بعيدا عن الضغوط. وقال مصدر فرنسي: إن بري «لم يطلب شيئا بخصوص المحكمة» كما أنه «لم يستشف من كلامه ما يوحي بأنه يطالب بوضع حد لها».

ودعا كوشنير إلى التحلي بالصبر إزاء عمل المحكمة التي «تتقدم وفق سرعتها الخاصة».

ووفق المصدر الفرنسي، فإن بري «لم يخض في التفاصيل». ورجح المصدر أن رئيس مجلس النواب اللبناني ينتظر اجتماعه بالرئيس ساركوزي ليكشف عن كامل أوراقه وعن «الأفكار» التي في حوزته، خصوصا أنه أجرى محادثات مع الرئيس السوري بشار الأسد مؤخرا في دمشق وبالتالي هو على اطلاع على دقائق الموقف السوري. وباختصار، أراد الجانب الفرنسي التذكير بأن فرنسا التي كانت، مع الولايات المتحدة الأميركية، إحدى أكثر دولتين تأثيرا في عملية إنشاء المحكمة الدولية الخاصة بلبنان ودعمها، لم تغير مواقفها ولم توح لأحد بأن مثل هذا التغيير ممكن.

أما بشأن «شهود الزور»، فقد وصفها كوشنير بأنها «مشكلة تابعة»، معتبرا أنها «ليست الأساس»، واضعا حلها في إطار القضاء اللبناني من دون الخوض في التفاصيل.

وفي انتقاد مبطن للصحافة اللبنانية التي يبدو أن فرنسا تضيق ذرعا بما تروجه عنها، قال كوشنير: إن هذه الصحافة «ليست بمثابة الكتب المقدسة».

في سياق متصل، تبين من لقاءات الأمس أن مشروع عقد مؤتمر للسياسيين اللبنانيين في فرنسا على غرار مؤتمر سان كلو الذي التأم بدعوة فرنسية في شهر يوليو (تموز) 2007 ما زال مجرد فكرة، والدليل على ذلك قول كوشنير: إن المشروع «لم يبحث» مع بري. غير أن الوزير كوشنير وصف الفكرة بأنها «جيدة» وأنه لو طرحها على بري فإن الأخير «سيوافق» عليها. ويبدو أن رئيس مجلس النواب يريد أن «يسلف» باريس شيئا؛ إذ أفاد مصدر مقرب منه بأن الموقف العام هو «الترحيب» بأي مبادرة، ما يعني ضمنا الترحيب بالمؤتمر في حال تمت الدعوة إليه. وتتمثل الرسالة الثالثة بإعلان باريس وقوفها إلى جانب حكومة الرئيس سعد الحريري ودعمها له. وأعرب كوشنير عن «أمله» ألا تكون حكومة الحريري مهددة ونقل كلاما عن بري نفسه يقول: إن هذه الحكومة «غير مهددة» وإنه يتعين الالتزام بموقف يتسم بـ«الوفاء» إزاء الرئيس الحريري. ولمح كوشنير إلى الصعوبة الكامنة في العثور على بديل لها في حال استقالتها، وذلك عن طريق التذكير بالصعوبات التي واكبت عملية تشكيلها التي استغرقت 7 أشهر. وترى المصادر الفرنسية أنه يتعين «توفير كل الدعم الممكن للرئيس الحريري» الذي تصف وضعه بـ«الصعب» بالنظر إلى ما يلاقيه من مشكلات وانقسامات داخل صفوف.

وتعتبر فرنسا، وفق ما قاله وزير خارجيتها، أن الوضع في لبنان يتسم في الوقت الحاضر بـ«توتر نسبي قياسا للتوترات التي عرفناها في الماضي». وربط الوزير الفرنسي بين الوضع في لبنان والوضع في المنطقة فدعا اللبنانيين إلى الاقتناع بأن لبنان «لا يمكن فصله عن الشرق الأوسط»، متسائلا عن طبيعة العلاقة بين سورية والعراق وعن دور إيران. ويبدو أنه جعل مفتاح الخروج من هذه الحالة هو إقامة دولة فلسطينية.

ولم يفت كوشنير التنديد بزيارة الرئيس الإيراني الأخيرة إلى لبنان، التي جرت بشكل جيد من الناحية البروتوكولية، لكن «الكلمات التي قالها في الجنوب ليست لغة سلام».

وفي أي حال، يرى الوزير الفرنسي أن خروج لبنان من الوضع المتوتر الذي هو فيه يتطلب «أسابيع وربما يتطلب شهورا». وأشار إلى أن الدبلوماسية الفرنسية تمضي الكثير من الوقت في محاولة تهدئة التوتر في المنطقة «خصوصا في لبنان».

أما بالنسبة لسورية ولعلاقات فرنسا بها، فقد وصفها كوشنير بأنها «جيدة». غير أنه رفض الخوض في التفاصيل أو تقويم الدور السوري في لبنان. وانتقد الصحافة التي «تريد منه أن يتدخل في شؤون لا يستطيع التدخل فيها».

ولم يفت الوزير الفرنسي التذكير بعلاقات الصداقة التي تجمعه ببري وبالذكريات المشتركة بينهما منذ الوقت الذي كان ينشط فيه كوشنير في العمل الإنساني.