الخوف والبؤس يتملكان هايتي بسبب الكوليرا

المستشفيات تعج بالمصابين.. وجمهورية الدومينيكان المجاورة تغلق حدودها

طفل هايتي مصاب بأعراض الكوليرا ينتظر دوره في مستشفى سانت مارك (نيويورك تايمز)
TT

داخل باحة مستشفى سانت نيكولاس، وخلف بوابة معلق عليها لافتة مكتوب عليها بخط اليد «حالات الإسهال الطارئة فقط»، يسود مشهد بائس لكنه منظم على غير العادة داخل مركز وباء الكوليرا المفاجئ الذي أصاب هذا البلد.

يرقد المئات من الأطفال والبالغين في كل مساحة متوفرة، يعانون من آلام اضطرابات المعدة الحادة أو من عرج بسبب الجفاف، يجلسون بجانب دِلاء بينما تنساب المحاليل في أوردتهم. الحياة تتأرجح بين كفتي ميزان، لكن لا يزال الهدوء الساكن والمخيف تقريبا مسيطرا على الأجواء.

ولهذا السبب برزت مارتيلا جوزيف، التي انسابت الدموع على خديها أثناء هدهدتها لابنتها ذات الملابس الوردية التي رقدت بلا حراك بين ذراعيها. وقالت مارتيلا وهي تنتحب بينما تسكتها زوجة مريض آخر: «لا أدري إن كانت ستظل باقية على قيد الحياة أم لا». وخاطبتها الزوجة قائلة: «لقد تمكنت من الوصول إلى المستشفى مما يعني أنك أنقذتيها».

ومن المؤكد أن العلاج ينقذ أكثر من 90 في المائة ممن يذهبون إلى المراكز الطبية، ولذلك ركز مسؤولون بوزارة الصحة أول من أمس على دعم المستشفيات المحلية وتشييد مراكز لعلاج الكوليرا في أنحاء منطقة أرتيبونيت، التي تعد من أكثر المناطق الموبوءة حتى الآن، حيث يجب مواجهة البكتيريا المسببة للمرض بقوة قبل انتشارها.

وقال منسق الشؤون الإنسانية لدى الأمم المتحدة نيجيل فيشير بينما كان واقفا خارج خيمة مرضى الكوليرا بمستشفى الحي في ليستير: «إنه خبيث ويمكن أن ينتقل». وأضاف: «لكننا تمكنا، على الأقل هنا، من السيطرة على الوضع من خلال التعامل مع كل حالة على حدة».

وأكد مسؤولو الصحة العالمية أنه كان من المستحيل التنبؤ بنمط ظهور الوباء. لكن يوم الاثنين كان يوما جيدا نسبيا، حيث تم تسجيل 6 حالات وفاة فقط بسبب الكوليرا خلال 24 ساعة. وقد توفي أكثر من 200 جراء الإصابة بعدوى بكتيرية حادة في الأيام القليلة الأولى لظهور الوباء. وبلغ عدد حالات الوفاة 259 حالة بينما بلغ عدد المصابين 3000، جميعهم في منطقة أرتيبونيت باستثناء 450 حالة.

ورغم دور سانت مارك المحوري في هذا الوباء ورغم اللافتة الجديدة التي علقت على مدخل المدينة والتي تقول «اغسل يديك»، لا تعد المدينة مدينة أشباح حبس سكانها في منازلهم. حيث تجد في الشوارع فتيات مرتديات زيهن المدرسي عاقدات شعورهن بالشرائط وباعة جائلين يروجون لبضاعتهم بصوت صاخب كالمعتاد. وفي مدخل مستشفى سانت نيكولاس تتردد رسالة ضد وباء الكوليرا بإيقاع غير متناغم عبر مكبر صوت، تقول: «لا حياة من دون صحة ولا صحة من دون نظافة».

وتطالع بركة المياه الراكدة النتنة زوار المستشفى عند دخولهم، الذين يخطون على بساط غُمر في الكلور ويغسلون أيديهم حتى يتمكنوا من الدخول. ويتردد ما يقرب من 600 مريض مصابين بإسهال حاد وقيء على مستشفى سانت نيكولاس يوميا. وتساعد مؤسسة «أطباء بلا حدود - إسبانيا» في التعامل مع عدد الحالات الكبير في المستشفى، التي تديرها حكومة هايتي ومنظمة «بارتنيرز إن هيلث»، ومقرها ولاية ماساتشوستس الأميركية.

وفي جميع أنحاء باحة المستشفى والعنابر المحيطة يرقد المرضى على مقاعد خشبية وأسرّة نقالة وعلى الأرض بينما يسكب الممرضون المحاليل المضاف إليها الكلور على المنطقة المحيطة بهم. ويبعد أقارب المرضى، قريب واحد فقط مسموح له بزيارة المريض، الذباب ويمسحون جباه المرضى ويسكبون محاليل معالجة الجفاف في أفواههم.

وتحدثت غيردا بيير وهي تحرك قلادة بأصابعها دون تأثر بينما تصف كيف بدأ ابنها غاسنر، ذو الأربعة أعوام، في التقيؤ بعد منتصف الليل. وجلس غاسنر على مقعد خشبي وعلى رأسه منشفة مبتلة ورسم على وجهه المجهد ابتسامة شاحبة. وقالت بيير، وهي تلقي نظرة خاطفة بطرف عينيها على رجل تعثر في الباحة وسقط: «لقد توفي الكثير في حيّنا من الإسهال والقيء، لكنني غير قلقة فقد أحضرته إلى هنا بأسرع ما يمكن».

تصل الطواقم الطبية والمساعدات من جميع أنحاء العالم لدعم حكومة هايتي، التي ما زالت تعاني من آثار الزلزال المدمر الذي ضرب البلاد في يناير (كانون الثاني) الماضي. وزاد عدد الأطباء والممرضين في البعثة الطبية الكوبية المتمركزة منذ فترة في المستشفى الأهلي بمدينة ليستير، على بعد نحو 20 ميلا شمال سانت مارك، ليصلوا إلى 28 فردا. وتبني القوات البوليفية في الجوار عيادة لعلاج الكوليرا تحتوي على 100 سرير.

وقال فيشر الذي يعمل لدى الأمم المتحدة: «هذا مثال على العمل الجيد». وأضاف: «لقد فحصوا 400 مريض وحدثت 10 حالات وفاة». وقالت متحدثة برفقة فيشر تدعى إيموجين وال إنها توترت بسبب وجودها في منطقة لم تتأثر بالزلزال الذي حدث في يناير الماضي، ولكنها مع ذلك تشاهد معاناة لا تتعلق بتلك الكارثة. وتتساءل: «ألا ينبغي أن يأخذ هذا البلد وقتا للراحة؟».

ترقد هيرسي فانيل (63 عاما) على عربة معدنية مكشوفة ذات عجلات في إحدى الخيام بأناقة واضعة حقيبتها على صدرها ويتدلى خرطوم ينقل محلولا عبر الوريد إلى ذراعها النحيفة. ترجح ابنة أخيها رويمين فانيل أن تكون عمتها قد أصيبت بالعدوى من جراء الشرب من نهر أرتيبونيت، الذي يعد مصدر المياه في حيهم والذي يعتقد الآن أنه ملوث بوباء الكوليرا. وأضافت فانيل: «لقد امتنعنا عن فعل هذا منذ بدأنا نرى الناس يموتون».

ودفع انتشار وباء الكوليرا في هايتي، الدولة المجاورة لها، جمهورية الدومينيكان، إلى إغلاق معظم حدودها. ويعيش أكثر من مليون شخص من هايتي ويعملون في جمهورية الدومينيكان التي تتقاسم مع هايتي جزيرة هيسبانيولا. وذكرت تقارير أمس أن الحكومة في سانتو دومينغو أمرت بإعادة مواطني هايتي المصابين بالمرض إلى بلادهم لتلقي العلاج.

* خدمة «نيويورك تايمز»