طهران: قدمنا مساعدات مالية لكابل.. وسنقدم المزيد لتنمية أفغانستان

واشنطن تدين إيران.. وتعترف بما فعله كرزاي

الرئيس الأفغاني حميد كرزاي والرئيس الطاجيكي إمام علي رحمان في طريقهما إلى مؤتمر صحافي مشترك لدى زيارة الأخير إلى كابل أمس ( إ.ب.أ)
TT

ذكرت إيران أمس أنها قدمت «الكثير من المساعدة» لتسهيل «استقرار» أفغانستان، وأكدت عزمها على الاستمرار في ذلك, متجنبة بذلك الرد على السؤال عن المبالغ الكبيرة التي أقرت كابل بتلقيها من طهران. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية رامين مهمان باراست أمس: إن إيران «قدمت مساعدة كبيرة» لإعادة إعمار أفغانستان و«ستواصل» ذلك. وكان الناطق الإيراني يرد على سؤال حول إقرار الرئيس الأفغاني كرزاي بتلقي إدارته «أكياسا من المال» من طهران. وقال المتحدث: إن «إيران منحت الكثير من المساعدة في الماضي لإعادة إعمار أفغانستان وهذه المساعدات ستتواصل». ولم يذكر المتحدث الإيراني تحديدا دفع مبالغ كبيرة نقدا، بحسب معلومات كشفتها صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية، وأكدها أول من أمس الاثنين، الرئيس الأفغاني.

وكان الرئيس الأفغاني قد أقر بأن إدارته تلقت «أكياسا من المال» تضم 600 أو 700 ألف يورو من الحكومة الإيرانية، ومن «حكومات صديقة عدة» لم يسمها، مؤكدا أن الأمر يتعلق بـ«مساعدة رسمية». وأكد كرزاي أنها «مساعدة رسمية وتتسم بالشفافية». وقال المتحدث الإيراني إنه «يتعين على جميع الدول أن تساعد على إعادة إعمار البنى التحتية في أفغانستان»، مذكرا بأن «استقرار أفغانستان أمر بالغ الأهمية بالنسبة لجمهورية إيران الإسلامية, (الدولة المجاورة)».

وكشفت «نيويورك تايمز» السبت الماضي أن عمر داودزاي، مدير مكتب كرزاي، تلقى ملايين الدولارات نقلها السفير الإيراني في أكياس وضعت لاحقا في صندوق سري يستخدمه رئيس المكتب وكرزاي، لدفع مبالغ لنواب وزعماء قبائل وحتى مسؤولين في طالبان لضمان ولائهم. وأضافت الصحيفة نقلا عن مسؤولين أفغان وغربيين في كابل أن إيران تستخدم نفوذها لبث التفرقة بين الأفغان وحلفائهم الأميركيين والأطلسيين. وكانت السفارة الإيرانية في كابل قد وصفت صباح أول من أمس قبل صدور تصريحات كرزاي, معلومات «نيويورك تايمز» بأنها «خاطئة ومهينة وسخيفة». وردت الولايات المتحدة على تصريحات كرزاي، مؤكدة أن «كل الأسباب تدعو إلى القلق من محاولات إيران الرامية إلى ممارسة نفوذ سلبي في أفغانستان», حسبما أعلن مساعد المتحدث باسم البيت الأبيض بيل بورتن. وتتهم الولايات المتحدة، باستمرار، طهران بمساعدة حركة طالبان عبر تسليمها أموالا وأسلحة لمقاتلة القوات الأميركية وقوات حلف شمال الأطلسي المنتشرة في أفغانستان. وطالب نواب إيرانيون بمثول وزير الخارجية منوشهر متقي أمام البرلمان للإجابة عن تساؤلات بخصوص إرسال دعم مالي إلى حكومة الرئيس كرزاي من دون الحصول على موافقة مجلس النواب. وحث النواب الإيرانيون على ضرورة معرفة حجم الأموال التي أرسلت سرا إلى كابل خلال خمس سنوات, والقنوات التي أرسلت عبرها الأموال إلى مكتب الرئيس كرزاي. ونفى الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد هذه الاتهامات، مؤكدا من جديد أن السياسة الإيرانية تهدف إلى «تعزيز الاستقرار في أفغانستان» التي ينعكس الوضع فيها على جارتها الإيرانية. وكانت إيران، ذات الغالبية الشيعية، قد دعمت سقوط نظام طالبان السني المتشدد المعادي للشيعة في 2001، في هجوم شنه تحالف دولي بقيادة الولايات المتحدة. وأكدت إيران المرتبطة تقليديا بالمجموعات الشيعية والناطقة بالفارسية في شمال أفغانستان, استمرار دعمها لحكومة الرئيس كرزاي. واستثمرت إيران التي تستقبل على أرضها أكثر من مليوني لاجئ وعامل أفغاني, في عدد كبير من المشاريع الاقتصادية في أفغانستان، خاصة في مجال البنى التحتية، وصدرت منتجات بنحو مليار دولار إلى جارتها في 2009.

ومع مطالبات أميركية بالتحقيق في اعترافات الرئيس كرزاي بأنه تسلم «أكياس أموال» من الحكومتين الإيرانية والأميركية، ركز مسؤولون أميركيون على انتقاد إيران أكثر من كرزاي، ولم ينتقدوا ما فعله كرزاي، واعترفوا بأن كرزاي تسلم أموالا أميركية نقدا أيضا. ونقل تلفزيون «إم إس إن بي سي» على لسان جيوف موريل، المتحدث باسم البنتاغون، قوله إنه لم يستغرب أن مكتب الرئيس كرزاي يتسلم أموالا من إيران. وفي الوقت نفسه، قال المتحدث إن إيران تعمل على تقويض جهود القوات الأميركية وقوات «الناتو» في أفغانستان. وأضاف: «أعتقد أن سياسة إيران في أفغانستان تعتمد على المشي على جانبي الطريق. وظلت تفعل هذا لسنوات.

ومن جانب آخر، كما يوضح هذا التقرير عن الأموال الإيرانية، تحاول إيران في وضوح، كسب حكومة الرئيس كرزاي. وفي الوقت نفسه، تعمل على تدريب، وتسليح وتمويل وقيادة قوات معادية لحكومة كرزاي. وفي المؤتمر الصحافي اليومي، قال المتحدث باسم الخارجية الأميركية إنه يشك في «دوافع إيرانية لتوفير دفعات نقدية كبيرة» لمساعدين للرئيس الأفغاني.

وأضاف: «إننا سوف نترك لحكومة أفغانستان الحديث عن كيفية إنفاق المساعدات المالية التي تلقتها من بلدان أخرى. لكننا لا نزال نشك في دوافع إيران، نظرا لتاريخها في لعب دور مزعزع للاستقرار مع جيرانها. ونحن نأمل من إيران أن تتحمل مسؤولية القيام بدور بناء في مستقبل أفغانستان».

واعترف المتحدث بأن الولايات المتحدة سلمت الحكومة الأفغانية أموالا نقدا. لكنه قال إنها «تقلصت إلى حد كبير من الناحية العملية في السنوات الأخيرة». وأضاف: «في المراحل الأولى من وجودنا في أفغانستان، أحضرنا معنا الكثير من المساعدات النقدية». وقال المتحدث إنه لا يمكنه أن يستبعد إمكانية أن بعض الأموال الأميركية لا تزال تسلم نقدا إلى مسؤولين أفغان.

وقال نائب المتحدث باسم البيت الأبيض: «أعتقد أن لدى الأميركيين والعالم بأسره كل الأسباب للقلق من محاولات إيران الرامية إلى ممارسة نفوذ سلبي في أفغانستان». وأضاف في تصريح للصحافيين على متن الطائرة الرئاسية التي أقلت الرئيس باراك أوباما من واشنطن إلى رود آيلاند (شمال شرقي الولايات المتحدة): «من واجب الإيرانيين، وكل الجيران هناك أن يحاولوا أن تكون أفغانستان بلدا سلميا ومستقرا. وألا تكون بلدا يستطيع الإرهابيون أن يجدوا فيه ملجأ، وأن يستخدم للتخطيط لاعتداءات».

وفي الوقت نفسه، وصفت مصادر أميركية اعتراف الرئيس الأفغاني حميد كرزاي أول من أمس بأن إدارته تلقت «أكياسا من النقود» من الحكومة الإيرانية، وأن ذلك كان «مساعدة من دولة صديقة» بأنه «لغز» لا بد من التحقيق فيه.

وفي مؤتمر صحافي أول من أمس، أكد كرزاي أن إيران قدمت أموالا نقدية، معتبرا في الوقت نفسه أنه ليس في ذلك ما يعد أمرا غير شرعي. وقال: «الحكومة الإيرانية تساعدنا مرة أو مرتين سنويا وتمنحنا 500 ألف أو 600 ألف أو 700 ألف يورو في كل مرة». وأضاف «أنها مساعدة رسمية. ورئيس مكتب الرئاسة عمر داودزاي السفير الأفغاني السابق في طهران يتلقى أموالا من الحكومة الإيرانية بناء على أوامري». وأكد «كل ذلك يتسم بالشفافية. وصحيح أن المال يصل في أكياس». وتابع كرزاي: «إن دفعات أموال نقدية تصل من الكثير من البلدان الصديقة لمساعدة مكتب الرئيس. وهذا أمر كنت بحثته مع الرئيس (السابق جورج) بوش في كامب ديفيد». وكانت «نيويورك تايمز» قد نقلت عن مسؤول غربي قوله: «يوجد صندوق أموال رئاسي. ومهمة داودزاي هي خدمة مصالح إيران». وقالت الصحيفة، نقلا عن مسؤولين لم تكشف هوياتهم: إن المال الإيراني يهدف لضمان ولاء داودزاي، السفير الأفغاني السابق لدى إيران، والمعروف أنه يدافع لدى كرزاي باستمرار عن الخط المتشدد المناهض للغرب.

وقال مسؤول غربي في كابل للصحيفة: إن كرزاي يستخدم الأموال لسد احتياجات حزبية، وكذلك لـ«شراء» أصوات نواب وقادة متمردين. وأضاف المسؤول: «أكثر ما يثير الاهتمام هو اللعبة المزدوجة التي يمارسها الإيرانيون، حيث إنهم يساعدون ماليا الحكومة، لأنهم لا يريدون رؤية طالبان تعود إلى السلطة. ويساعدون من جانب آخر حركة التمرد، لا سيما من أجل عرقلة مشاريع الأميركيين في هذا البلد». وأشار مراقبون في واشنطن إلى أنه، ومنذ نهاية 2001 تنفق الولايات المتحدة، والمجموعة الدولية سنويا مليارات الدولارات في مشاريع تنمية في أفغانستان. غير أن عددا من الخبراء وأعضاء الكونغرس كانوا قد انتقدوا طرق استخدام هذه المساعدات المالية. وقالوا إن جزءا منها يغذي الفساد، وبعضها ينتهي في أيدي المتمردين. وكانت صحيفة «وول ستريت جورنال» قد كشفت في نهاية يونيو (حزيران) أن أكثر من ثلاثة مليارات دولار خرجت بشكل غير شرعي من أفغانستان في السنوات الماضية، وأن جزءا كبيرا منها ذهب إلى دبي.