سلطان بن سلمان: تقارير فنية «غير منصفة» كادت تحرم الدرعية بإرثها التاريخي من الاعتراف الدولي

قال في حوار مطول لـ«الشرق الأوسط» إن دخولها في قائمة التراث العالمي لا يفقد السعودية سيادتها عليها * رئيس هيئة السياحة: نهتم بمواقع التاريخ الإسلامي لأن الإسلام انطلق من هذه الأرض وليس من سطح القمر

الأمير سلطان بن سلمان رئيس الهيئة العامة للسياحة و الآثار (تصوير: خالد الخميس)
TT

كانت إجاباته تسبق أسئلتنا.. ولأنه رجل لا يتحفظ في إعطاء الأجوبة، فكان لزاما ألا نتردد في الإكثار من الأسئلة. كشف لأول مرة عن أن الدرعية، عاصمة الدولة السعودية الأولى، كادت ألا تدخل في قائمة التراث العالمي. وتحدث عن أن تقارير فنية وصفها بـ«غير المنصفة» كادت تعصف بملف الدرعية، لولا الرد القوي للهيئة العامة للسياحة والآثار على ملاحظاتها، والوقفة التي أبدتها الدول الصديقة لبلاده، التي توجت بحصول عاصمة الدولة السعودية الأولى بما تحتويه من إرث ثقافي وعمراني وسياسي على الاعتراف الدولي، بما لا يفقد المملكة سيادتها على هذا الموقع المهم.

بصراحة وجرأة، عهدتا عنه، تحدث الأمير سلطان بن سلمان، رئيس الهيئة العامة للسياحة والآثار في السعودية، في حوار مطول لـ«الشرق الأوسط» عن الكثير من القضايا. استخدم لغة حادة تارة، وأخرى تفاؤلية تارة أخرى. ولأن الفضل لا بد أن يعود لأهله، لم يغفل الأمير أن يذكر كل من تعاون معه منذ أن تولى زمام الأمور في الهيئة، سواء كان ذلك على صعيد تشجيع السياحة الداخلية أو الحفاظ على الآثار.

كان شجاعا لدرجة أنه لم يستثن نفسه والمسؤولين في هيئة السياحة والآثار من الاشتراك في مسؤولية عدم إقبال المواطنين السعوديين على زيارة المواقع التاريخية والأثرية التي تزخر بها البلاد، حتى إنه قال إن 99 في المائة من السعوديين لم يزوروا قط مدائن صالح، وهو موقع تراث عالمي لا يقل أهمية عن موقع «البتراء» الموجود في الأردن.

وفي ملف المواقع التراثية المرتبطة بالتاريخ الإسلامي، تحديدا، يحاول البعض أن يصد عن زيارة تلك المواقع لكي لا تتحول إلى مزارات. لكن رئيس الهيئة العامة للسياحة والآثار في السعودية، قلل من شأن هذا الأمر، وقال: «المواطن السعودي صمد أمام أمور أكثر إغراء وإغواء للإنسان في دينه من رؤية موقع أثري». وأوضح أن اهتمام هيئة السياحة والآثار السعودية بمواقع التاريخ الإسلامي، ينبع من أن تلك الأحداث وقعت على أرض الجزيرة العربية، ولم تحدث على سطح القمر، لافتا إلى أنه من غير المعقول أن يدرس الطالب السعودي الهجرة النبوية والوقائع التي رافقتها من الكتاب والصورة فقط، وهي أحداث عظيمة كان مسرحها أرضه.

كثيرة هي القضايا التي تم تناولها في حوار «الشرق الأوسط» مع الأمير سلطان بن سلمان، الذي تحدث فيه عن استمرارية أعمال التخريب والنبش التي تطال المواقع الأثرية، وتحقيق هيئة التحقيق والادعاء العام في قضايا رفعتها هيئة السياحة والآثار ضد عدد من المواطنين والمقيمين على خلفية تداول الآثار من دون وجه حق، إما في قضايا سرقة أو بيع أو تهريب إلى خارج البلاد.

وبطبيعة الحال، فإن الحوار لم يخل من توجيه أقصى الانتقادات وأكثرها حدة لما آلت إليه حال بعض المواقع الأثرية المهمة في السعودية، كموقع جبل أحد، الذي قال إن العشوائيات تنتشر حوله، أو جدة التاريخية التي قال إنه يخجل حينما يسير في أزقتها، وقصر خزام الذي شهد توقيع اتفاقية النفط بين حكومة المملكة مع شركة «أرامكو»، الذي وصف وضعه بـ«غير اللائق» بمكانته التاريخية، مؤكدا اهتمام الملك عبد الله بإنشاء متحف للتراث الإسلامي فيه، وجعله موقعا وطنيا يوثق لمرحلة النقلة التنموية في المملكة، مما جعل الهيئة ترفع مشروعا متكاملا لتطويره بالتنسيق مع أمير منطقة مكة المكرمة.. وإلى نص الحوار..

* بداية بودنا أن نبدأ من حيث الحدث الأكثر أهمية، وهو دخول الدرعية (عاصمة الدولة السعودية الأولى)، وتحديدا الطريف، قائمة التراث العالمي، فما دلالات هذا الاختيار؟

- هذا الاختيار كانت له عدة دلالات، أولا القرار الذي كان أهم من الاختيار، وهو قرار الدولة بأنها تعتني بموقع تراثي وطني سياسي له مكانة مهمة في تاريخ المملكة، وفي الواقع له انعكاس كبير على حاضرها، هذا قرار مهم جدا، وليس وليد اللحظة أو مرتبطا بملف تسجيل الدرعية في قائمة التراث العالمي، وإنما هو سابق لذلك، من خلال المحافظة على الموقع الذي يعود لما يقارب الثلاثمائة عام، فالاهتمام بدأ بعناية المواطنين والدولة لهذا الموقع الذي يمثل تجسيدا للعلاقة بين المواطنين بالدولة، إذ هو مولد الدولة السعودية الأولى، كما أنه يرمز للصمود، فكان حرص المواطنين على إبقائه، وما صاحبه من اهتمام من الدولة على المحافظة على الموقع بنسيجه العمراني متكاملا، مرورا بمراحل امتلاك الدولة للموقع وتعويض مالكيه من المواطنين، للتأكد من عدم إهمال الموقع أو تغيير هويته العمرانية، وتوجت هذه العناية بصدور أمر ملكي كريم بتشكيل لجنة تنفيذية عليا لتطوير الدرعية، برئاسة الأمير سلمان بن عبد العزيز، أمير منطقة الرياض، منذ عدة أعوام، ووضعت أسس مشروع كبير لإعادة تأهيل الأحياء التاريخية في الدرعية، وتطويرها لتكون متاحة للزوار، ولتعود الحياة إليها عبر توظيف عراقتها التاريخية والعمرانية لتكون نقطة جذب لأنشطة ملائمة لقيمتها، مثل المتاحف المفتوحة والمتخصصة، والمراكز العلمية، وموقع التنزه والترويح، وغيرها من الأنشطة التي شملها مشروع التطوير الكبير الذي تقوم عليه الهيئة العليا لتطوير الرياض بتنسيق تام مع الهيئة العامة للسياحة والآثار وعدد من الجهات الحكومية، وهو مشروع ممول من الدولة وله اعتمادات مالية مهمة جدا، ويسير العمل فيه وفق جدول زمني دقيق، ويفترض الانتهاء من كامل المشروع خلال العامين المقبلين،، ليؤدي هذا العمل عند اكتماله إلى بروز موقع حضاري تراثي مهم يعكس حقبة تاريخية تعتبر محورية بالنسبة للمملكة العربية السعودية، مما يجعله ذا قيمة تاريخية استثنائية، وليس فقط موقعا تراثيا عابرا، أو موقع بناء وتشييد.. المباني الطينية والمباني التراثية وإعادة تأهيلها لا شك مهمة جدا، ولكن موقع الدرعية فيه قيمة مضافة تتمثل في الدلالات التاريخية التي يمثلها، وسيتم العمل على إبراز الموقع وتطويره ليكون رمزا لاهتمام الدولة بالتراث العمراني الوطني.

كما أن تسجيل الموقع في اليونيسكو له دلالة أيضا من ناحية القرار نفسه، ذلك أن السعودية أقرت مبدأ تسجيل المواقع التاريخية والتراثية المميزة ضمن قائمة التراث العالمي، للتأكيد على توجهها بتقديم نفسها للعالم بما يتناسب مع ما تكتنزه أرضها من غنى حضاري يؤكد عمق جذورها، وأنها ليست بلدا طارئا على التاريخ، بل هي محور للحراك الثقافي الاقتصادي والإنساني منذ القدم، ومكانتها اليوم تقوم على ما كانت تحتله منذ بدايات التاريخ، وازدادت أهمية بأن شرفها الله بأن يكون الحرمان الشريفان على أرضها، وجعل موقعها مهبطا للوحي وموئلا لأفئدة الملايين من المسلمين، ثم هي اليوم بما تمثله من ثقل سياسي، وثبات اقتصادي تؤدي أدوارها في طليعة دول العالم، ومن مكة تحديدا، وهي التي كانت محور تلاقي طرق التجارة والقوافل، وقد شبهتها في كلمتي بجامعة أكسفورد بالإنترنت في ذلك الوقت، لأن رسالة الإسلام انطلقت عبر الكلمة وعبر القوافل والحركة التجارية الضخمة جدا التي كانت تعبر مكة وتتلاقى فيها، لذلك لم يكن عفويا انطلاق هذا الدين العظيم من هذه الأرض المباركة، لذلك فمن الجريمة أننا نحن سكان الجزيرة العربية نلغي هذه الحضارات ولا نبرزها وهي ليست هامشية، وحينما أتى الإسلام لم يلغها، بل هذب الناس، ودعم ما يوجد بالجزيرة العربية أساسا من أخلاق كريمة وقيم مميزة، والرسول - صلى الله عليه وسلم - أشار إلى ذلك في عدة مواقع، فلذلك من الواجب علينا بعد خدمة الإسلام والحرمين، المحافظة على هذه المكونات حتى نعكس عظمة الإسلام ونبرهن للعالم دلالات خروج الإسلام من أرض هذه الجزيرة التي تعاقبت عليها الحضارات وطرق التجارة، واستطاع الإسلام أن يقنع أهل تلك الحضارات ويقترع الحجج ويهيمن على الفكر السائد، وما بقي اليوم من مواقع أثرية هي الشواهد على تسلسل تلك الحضارات، وموضوع الدرعية كان ولا يزال مدار اهتمامي الشخصي منذ مدة طويلة تسبق إنشاء الهيئة وتشرفي برئاستها، فقد كتبت للأمير سلمان منذ عام 1416هـ، حيث كنت مهتما بقضية التراث، فأعددت تقريرا كاملا عن واقع الدرعية وما تحتاجه لتنهض، فكان تفهم الأمير سلمان كبيرا جدا، حيث شكل لجنة تشرفت برئاستها وقمنا بدراسات آنذاك ورفعنا تقريرا متكاملا عن الموضوع.

* استكمالا لما سبق، بودنا أن نعرف كيف تم تسجيل الدرعية على قائمة التراث العالمي، وهل كان طريقها مفروشا بالورود؟

- طبعا موضوع تسجيل مواقع سعودية في قائمة التراث العالمي التابعة لمنظمة «اليونيسكو» بدأ قبل إنشاء الهيئة العامة للسياحة والآثار وقبل أن تتسلم الهيئة الملف، إذ بدأ عندما قدمت وزارة التربية والتعليم في وقت سابق طلبا للدولة بتسجيل المواقع الأثرية على قائمة التراث العالمي، وهذا الموضوع لم يلق موافقة في ذلك الوقت، أو حتى يأخذ حقه من التداول المنطقي، وأيضا الحقبة الزمنية لم تساعد، إذ كان التركيز منصرفا عن مواضيع الآثار، بالإضافة إلى عدم الوضوح لمعاني وتبعات تسجيل المواقع، وسيادة الدولة عليها، وخلافه، ثم بعد إنشاء الهيئة عملت على هذا الموضوع بتوجيه من الأمير سلطان بن عبد العزيز ولي العهد، حينما كان رئيسا لمجلس إدارة الهيئة، وقدمنا له ملفا كاملا عن الموضوع، واقتنع به قناعة كاملة وقرر مجلس إدارة الهيئة هذا المبدأ، ورفع للدولة، وصدر قرار بإنشاء لجنة برئاسة الأمير سلطان وبعض الوزراء، وبعد سنتين أو 3 سنوات، مرر هذا القرار بتوافق كامل، وواضح اليوم أن الدولة لا تفقد سيادتها على مواقع التراث العالمي، بل هي قيمة مضافة، وتضيف غطاء حماية على هذه المواقع، بحيث يكون هناك اعتراف دولي بهذه المواقع، ولم يكن يعقل أصلا أن المملكة التي تزخر بهذا التراث العظيم لم يكن فيها موقع واحد مسجل على قائمة التراث العالمي، فهناك دول أصغر من المملكة حجما وأقل عمقا تاريخيا، وتعاقب الحضارات فيها كان على نطاق ضيق جدا بحقب زمنية متقاربة، ولها عشرات الموقع على قائمة التراث العالمي. لذلك بدأنا بتسجيل موقع مدائن صالح، على اعتبار أن ملفه كان جاهزا، ثم الدرعية هذا العام، وكاد موقع الدرعية ألا يسجل على قائمة التراث العالمي، وهذه معلومة جديدة، لأن التقارير التي رفعتها لجنة التقييم التي أتت وعاينت الموقع لم تكن واقعية وأغفلت حقائق ومعلومات مهمة، فخرجت بنتائج غير منصفة، إلا أن الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، فقد عملت هيئة السياحة والآثار على الدفاع عن الملف المقدم وتوضيح بعض جوانب الإشكال التي أثارها تقرير لجنة التقييم، فكان رد الهيئة عليها قويا ومنطقيا جدا، وأذكر أن هذا الصيف شهد عملا مكثفا عند انعقاد جلسات مركز التراث العالمي التي التأمت في البرازيل لمناقشة المواقع المرشحة للدخول في القائمة، وقد عمل وفد الهيئة مع وفد من الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض ومندوبية المملكة في «اليونيسكو» للرد على تلك التقارير، وكنت حاضرا عبر المكالمات الهاتفية المستمرة مع الوفد الموجود في البرازيل، فكان ردنا واضحا وقاطعا بالنسبة للملاحظات.

والدرعية اليوم في اعتقادي مع ما يتوفر لها من قرارات حماية بدأ بلا شك من الأمر السامي الكريم بتسجيل الموقع، وكذلك الأمر السامي الكريم بتشكيل لجنة تنفيذية لتطوير الدرعية، برئاسة الأمير سلمان، وتضامن الوزارات، والمشروع الذي تقوم به الهيئة العليا لتطوير الرياض مع هيئة السياحة بالموقع، وتطوير موقع وادي حنيفة - وهي البيئة المحيطة بالدرعية - أصبح موقعا يشهد نوعا فريدا من التكامل.. ولقد أصررت على ألا يؤجل تسجيل موقع الدرعية وأن يقدم الملف في موعده المحدد الصيف الماضي، وذلك ما أكدته لزملائي الذين ذهبوا للبرازيل، وكنت أيضا جاهزا للحضور في أي وقت متى ما استدعى الأمر، وأكدت لهم أن الموقع سيفرض نفسه ولن نفكر في سحب الترشيح وإعادته في وقت لاحق، وحقيقة أقدر موقف البرازيل التي احتضنت المؤتمر هذا العام، ووزير خارجية البرازيل، ومندوبها في اليونيسكو وكذلك دور مملكة البحرين التي مثلت الدول العربية في لجنة التراث العالمي، وما لقيه الملف من دعم كبير من وزير الخارجية السعودي، الأمير سعود الفيصل، وسفراء الدول الصديقة هناك، إذ وقف الجميع موقفا قويا، حقا لم يكن موقفا مجاملا للمملكة، وهو موقف نبع من تقدير للسعودية وتقدير للموقع، وأحقية الموقع، والحمد لله تم تسجيل الدرعية دون الحاجة للتصويت، وهناك دول محدودة كانت لديها ملاحظات شكلية وغير مؤثرة، إلا أن التسجيل مر بشكل مميز، والآن الدور أن نثبت للعالم تميز هذا الموقع، وأن المملكة قادرة على تحقيق الخطط التي رسمتها لتطوير الموقع والمحافظة عليه بشكله الأصيل وفتحه للزوار بشكل لائق، وذلك ما نتطلع له مع اكتمال مشروع التطوير الذي تدعمه الدولة. وسننطلق بإذن الله لتقديم ملف جدة التاريخية لقائمة التراث العالمي، خلال العام المقبل، وملف جدة معقد أكثر بكثير من ملف الدرعية، فمشروع جدة لا يزال متأخرا، والاهتمام بهذا الموقع ليس جديدا أو وليد اللحظة، فقد بدأنا به مع الأمير ماجد بن عبد العزيز، رحمه الله، منذ أكثر من 25 سنة، وللأسف جدة التاريخية لم تأخذ حقها من الاهتمام، بصفتها موقعا ذا أهمية تاريخية عالية جدا، كآخر مدينة تاريخية متكاملة على البحر الأحمر، وكرمز وطني، وليست رمزا لجدة أو لأمانة جدة أو لهيئة السياحة، بل هي رمز وطني، ولكن وجدت من الإهمال في حقها ما لا يصدقه العقل، الأمير ماجد رحمه الله، كان قد أسس برنامج الملك عبد العزيز لحمايتها، واعتنى بها بشكل قوي، والأمير عبد المجيد رحمه الله، أدى دورا كبيرا في ذلك، والأمير سعود بن عبد المحسن، والأمير مشعل بن ماجد محافظ جدة، والآن الأمير خالد الفيصل أمير منطقة مكة المكرمة الذي يعي بحسه الوطني والثقافي الكبير أهمية المنطقة التاريخية في جدة، ويسعى لتعديل واقع المنطقة المتردي، وقد نتج عن جهوده الحثيثة تأسيس شركة لتطويرها، إلا أن العمل لا يزال بطيئا إلى حد ما، ونحن نخاف على جدة التاريخية أن تندثر بعد أن اندثرت منها مجموعة كبيرة من المباني، وجدة التاريخية خسارتها ستكون خسارة وطنية وستكون خسارة لاقتصاد جدة. لقد كنت قبل رمضان في إسبانيا بدعوة من شركة الفنادق التراثية الإسبانية، لكي نستطلع برنامج التعاون معهم في إنشاء فنادق تراثية بالمملكة، فزرت مناطق بشمال إسبانيا، وأتيت لمدن مثل سلمنكا وزمورا وليون، وهي مدن تاريخية مميزة تمت المحافظة عليها وتنميتها حتى صارت مواقع جذب للسياح من جميع دول العالم، وموردا اقتصاديا مهما لإسبانيا، وسكان هذه المدن وبلدياتها وجميع المؤسسات فيها تتضامن للمحافظة عليها والإبقاء على وجهها التاريخي الذي يشكل أساس تميزها، وكان معي أصدقاء إسبان فقلت لهم لا بد أنكم فخورون بأنكم إسبان، ترون هذه المدن وهي جميلة في أجمل حلة، والناس فيها تعمل وتتاجر وفيها جامعة سلمنكا وهي ثالث أقدم جامعة في أوروبا، فلذلك نحن اليوم لا بد حينما نسير في أزقة جدة التاريخية أو الدرعية، أن نكون فخورين كمواطنين سعوديين بأننا نسير في مواقع رائدة كهذه، إلا أن جدة التاريخية عندما تسير فيها اليوم، تخجل من الوضع الذي هي عليه، لذلك فالتحول الذي يجب أن يحدث فيها يجب أن يحدث بسرعة، ونأمل على الرغم من صعوبة القضية وتعقيدها، أن نسجل جدة التاريخية على قائمة التراث العالمي في عام 2011 أو عام 2012.

* هل تتوقعون أن تواجهوا صعوبات في تسجيل جدة التاريخية كالصعوبات التي واجهتموها في تسجيل الدرعية؟

- وضع جدة التاريخية مختلف جدا وأصعب بكثير من الدرعية التاريخية، فجدة التاريخية تتوزع بين ملاك كثر، ونحن وضعنا الحلول كلها لقضية إحلال الملاك وقضية إشراكهم وتعويضاتهم وخلافه، وأمانة جدة تعمل معنا في هذا الجانب، ولكن لا يزال العمل يسير ببطء وما زلت أخشى من المزيد من الخسائر، لا قدر الله، جراء الحرائق والأمطار وغيرها، الآن بدأنا، بحسب قرارات اللجنة مؤخرا، فذهبت مجموعة من الدفاع المدني وهيئة السياحة والبلدية، لاستطلاع تجارب دول متقدمة في مجال الحماية من الحرائق في المناطق التاريخية، وأصبح هناك برنامج تدريبي متكامل، وقد بادرت الهيئة لتأسيس مكتب للآثار خاص بالموقع، كما سعت الهيئة لدى أمانة جدة لافتتاح بلدية فرعية خاصة بجدة التاريخية، وهو ما تجاوبت له أمانة جدة بكثير من الحماس، وتم افتتاح بلدية جدة التاريخية، والآن شركة تنمية المنطقة التاريخية أسست، وننتظر قرار الأمير خالد الفيصل، أمير منطقة مكة المكرمة، لتباشر أعمالها، وهو مهتم بملف جدة التاريخية، وهو رجل حاسم، وآخر مكالمة لي معه عندما قمت ومحافظ جدة بمباشرة حريق جدة قبل الصيف الماضي، قال لي كلاما أكد فيه أهمية العناية بهذا الموضوع وعدم التهاون أو التأخر لتعديل الوضع المتردي، ونحن ننتظر وضع حجر الأساس لهذا المشروع في الأشهر القريبة المقبلة.

* تتمتع السعودية بإرث تاريخي وتراثي كبيرين، فما الأماكن التاريخية المحتمل أن تنافس السعودية عليها مستقبلا في قائمة التراث العالمي، خلافا لجدة التاريخية التي أشرت إليها سابقا؟

- طبعا، نحن الآن في مجلس إدارة الهيئة اعتمدنا المجموعة الثانية من المواقع الجديدة التي سنرفعها للدولة قريبا، وليست فقط للمواقع الأثرية، لكن من ضمنها مواقع طبيعية بالتنسيق مع هيئة الحياة الفطرية، وأيضا أحد مواقع النقوش الصخرية، فالمملكة تزخر اليوم بأحد أهم المواقع العالمية للنقوش الصخرية، وستباشر الهيئة جدولة المواقع واستكمال ملفات تسجيلها بناء على الخبرة التي اكتسبتها حال موافقة الدولة على القائمة.

* هل لدى الهيئة العامة للسياحة والآثار استراتيجية واضحة للمحافظة على المواقع الأثرية المهمة الموجودة على الأراضي السعودية؟

- طبعا، نحن لدينا نظام الآثار القائم، وهناك نظام جديد للآثار، وهو في آخر مراحله لخروجه إلى مجلس الشورى الموقر، ومجلس الشورى، كما تعرف، الأسبوع الماضي أقر نظام السياحة العام، وهو أحد آخر الأنظمة التي عملت عليها الهيئة من عشرات الأنظمة، فهذا الشيء يجب أن تراه الناس لكن الأنظمة كثيرة وتنظيمات جديدة، فنظام السياحة الجديد سيطور التعاملات التي تحكم العملية السياحية، وتنظم العلاقات بين أطراف العملية السياحية كلها، فيما يتعلق بالإيواء والسفر والسياحة بشكل متكامل. نظام الآثار الجديد أخذ أبعادا جديدة، وهو نظام محدث عن النظام الذي صدر قبل 40 سنة وأكثر. نظام قوي فيه عناصر جديدة، وأضيف إليها التراث العمراني الذي كان مغيبا عن المعادلة. وفي الوقت نفسه صدرت عن الهيئة العامة للسياحة والآثار ووزارة الداخلية والبلديات، أوامر قوية وصارمة فيما يتعلق بالمواقع التراثية والأثرية وحمايتها، ونحن بلا شك نعاني من ميزانيات ضئيلة جدا، وحقيقة فهي لا تتناسب أبدا بما تزخر به هذه المملكة من إرث تراثي وحضاري ونحن اليوم نعمل مع قرابة 14 فرقة دولية لاستكشاف الآثار، بعد أن أصبح لدينا الخبراء السعوديون الذين يعملون أيضا، فنحن لا نستطيع فتح المجال للخبرات الدولية التي لديها اختصاصات ومجالات حقب تاريخية محددة دون أن يكون معها خبراء سعوديون يستفيدون ويشاركون بشكل فاعل، فأصبح كل فريق يضم من 20 إلى 30 سعوديا، وبالتوازي مع هذا التوسع في الاكتشافات يزداد القصور في مجال الحماية، ولذلك نحن الآن بدأنا بشكل مواز العمل وإطلاق الحملات التوعوية، وستنطلق قريبا حملة كبيرة في المدارس بالتعاون مع وزارة التربية والتعليم، لإحداث نقلة نوعية فيما يتعلق بإبراز البعد الحضاري في السعودية، وهو البعد الرابع المغيب عن تاريخ المملكة العربية السعودية، المواطن اليوم لا بد أن يشعر بأنه هو الذي يملك هذه الثروة الوطنية وهو الذي يحافظ عليه، وما يقال اليوم بأنه من وجد أثرا فهو حلال عليه فهذا غير صحيح، المواطن مطالب بحماية تراثه، والقضاء يحاسب على التعدي على الآثار ولدينا قضايا منظورة اليوم، فعلى كل من يجد قطعة تراثية أو أثرا في مكان ما، نصيحة ألا يحفرها أو يستخرجها، فعليه أن يحدد مكانها وأن يبلغ الجهة المختصة بالآثار عنها، ولا يحاول استخراجها، ولو استخرجها أو أبقاها لديه أو حاول بيعها، فعليه أن يعرف أن النظام اليوم يحاسب على ذلك ويعاقب عليه، بعقوبات مالية والسجن، وتعتبر سرقة لأحد الممتلكات الوطنية، وهو محرم، ليس قانونا فقط ولكن شرعا أيضا. نحن لا نريد أن نتعامل بنظام العقوبات، فحملتنا لإحداث نقلة لدى المواطن بأن يعرف تراث وطنه وآثاره الوطنية ويتعامل معه من منظور جديد إن شاء الله.

* يبدو أنك تستشرف ما نود أن نسألك عنه، فنحن فعليا لدينا سؤال حول ما إذا كانت الهيئة العامة للسياحة والآثار تلاحق المتعدين على الآثار، فهل لك أن تضعنا بحجم تلك القضايا؟

- الهيئة بلا شك متضامنة مع الجهات الأمنية. نحن ليس لدينا جهاز أمني، ولا نريد أن يكون لدينا جهاز من هذا النوع، نحن نعتز بشراكتنا مع وزارة الداخلية التي يرعاها الأمير نايف بن عبد العزيز، وهي شراكة قديمة ومنضبطة، وهناك مشاريع للتعاون في مجالات الأمن السياحي وحماية المواقع الأثرية، وغيرها، فمجال الآثار له نظام يحكمه، وهناك جهات أمنية تباشر مهامها في حال التبليغ عن السرقات والمكتشفات التي يتناقلها المواطنون، نعمل عن طريق الداخلية مع الإنتربول الدولي، وهذا حصل في كثير من القضايا، ليس فقط في الملاحقة بل تتبع هذه القضايا بالطرق المعتمدة والمعروفة، وأحيانا هناك مهام تقوم بطريقة سرية بالكامل في تتبع الأمور بشكل منظم، ونعمل مع التحقيق والادعاء العام فيما يتعلق بانضباطية رفع القضايا على المواطنين والمقيمين المتهمين في قضايا الآثار. فالآثار تعتبر الطرف المدعي في مثل تلك القضايا، وهناك نظام يحكم هذه الأمور، وليس لدينا اليوم قضايا كثيرة في هذا الجانب، هي قضايا محدودة.

* هل هي منظورة أمام القضاء السعودي الآن؟

- حاليا.. القضايا منظورة أمام هيئة التحقيق والادعاء العام، ومن ثم تحال لهيئة النظر في قضايا الآثار المشكلة بأمر من المقام السامي الكريم لتصدر أحكاما تتراوح بين السجن والغرامة والمصادرة.

* كانت المواقع التاريخية والآثار في السابق، تتعرض - كما هو معلوم - لعمليات تخريب وهدم وحفر وخلافه.. وفي ظل تسلمكم لملف الآثار، بعد نقل التخصص للهيئة، هل لا تزال مثل هذه التعديات موجودة أم لا؟

- ما زالت مثل هذه القضايا موجودة، وحقيقة هناك بعض المواطنين أحيانا يكون لهم ضلع في ذلك. لكن أيضا هناك مواطنين يسرقون البيوت، وهناك مواطنين يسرقون السيارات وهناك مواطنين يخربون المباني. فالمواطن السعودي ليس معصوما، وفي مجال الآثار ليسوا معصومين كذلك، ولكن نجد أن هناك من غير المواطنين متعاونين معهم، ونحمد الله أن فئات ضعاف النفوس قلة. وهناك أيضا من المواطنين من يدخل بمسارات ليست صحيحة، بحيث يغرر بشراء موجودات وكنوز وخلافه، وهي في الأساس ليست موجودة.

* تقصد أن هناك دوافع وأهدافا ربحية من هذا الموضوع؟

- هي في الأساس ليست موجودة، فالمواطن يتورط في شراء بعض الموجودات وكذا، وهي أشياء ليست موجودة أساسا، أو تباع أشياء مزيفة وخلافه. فلذلك أحيانا يأتينا مواطن ببعض القطع الأثرية، أو يقدم قطعة أثرية ويقول إنه وجدها، ويريد من الآثار أن تتأكد من كون القطعة تاريخية أم لا، وهو غير ذلك، فأنا أحذر المواطنين من هذا الجانب أيضا، لأن قطاع الآثار قطاع واع، ويتعاون بشكل وثيق مع الجهات الأمنية والجمارك وغيرها، ولنا أساليبنا، ونحن نعرف الأساليب الدولية في التعامل مع هذه القضايا، فالمواطن يجب أن يكون واعيا جدا، وأن يكون الحامي الأول لآثاره الوطنية، ويبلغ الجهات الرسمية عن أي تحركات، وهذا الحمد لله حدث في العام الماضي والأعوام التي سبقته، بحيث يأتي المواطنون بصفة سرية خاصة، ويبلغون وتتم المتابعة لعمليات شراء وبيع أو تهريب، واليوم النظام الدولي أصبح نظاما مكشوفا. وتسلمنا أيضا قطعا مهربة من دول شقيقة من العراق ومصر واليمن وأعدنا تسليمها للجهات المعنية في هذه الدول، وهناك تعاون دولي كبير في هذا المجال.

* هل لدى الهيئة العامة للسياحة والآثار، قائمة بعدد المواقع الأثرية الموجودة في السعودية؟ وهل لديكم نية للقيام بمشروع مسح شامل للمواقع الأثرية التي تحتضنها البلاد؟

- ليست لدينا قائمة بكل المواقع الأثرية الموجودة المستكشفة التي نعرفها، والآن فتحت مواقع جديدة كثيرة، بالتعاون مع الفرق الدولية التي بها خبراء دوليون في حقب تاريخية، وليس لدينا فيه معرفة، ضمن إجراءات جديدة منضبطة، فأصبحنا نفرض على هذه الفرق أن تصرف وتنشر معلومات وتدرب، وليست عملية استكشاف منفلتة «تعال احفر واذهب»، بل الاستكشاف يتم وفقا لبرنامج يهدف لتهيئة الكثير من المواقع لتكون قابلة لاستطلاع المواطنين عليها، وتنشر نتائج تلك الاستكشافات العلمية على الإنترنت. وما استكشف في العامين الماضيين أكثر بكثير مما استكشف في الآثار من 20 سنة ماضية. ونكتشف الحمد لله آثارا جديدة ومهمة، وسنعلن قريبا عن بعض الآثار المهمة التي سيتم الإعلان عنها للمرة الأولى، ونحن ندرس إقامة معرض وطني سنوي عن الآثار المستكشفة، ترافقه محاضرات وندوات يقدمها كل الخبراء الذي يعملون معنا من المواطنين وغيرهم، بالإضافة إلى عرض القطع الجديدة. وكذلك نعمل على السجل الوطني للآثار، وكذلك نعمل على المسح الوطني، والمسح يحتاج لميزانية كبيرة، والمملكة قد تستغرق من 10 إلى 20 سنة، حتى نستطيع أن نعمل مجسات وأبحاث الأقمار الصناعية، والأبحاث التاريخية المعمقة، وهي عملية كبيرة ومعقدة في بلد غني بشكل لا يتصوره عقل إنسان بالآثار والموجودات الأثرية، خاصة بحكم طرق التجارة في البر والبحر أيضا، وقد وجدنا خلال هذا العام آثارا مهمة في منطقة ما تحت الماء، وذهب فريق الغواصين بالتعاون مع الجهات المختصة، وعثرنا على آثار من طرق التجارة من السفن التي تعبر من البحر الأحمر داخل حدود المملكة، وتسقط منها بعض الآثار أو نتيجة لغرق بعض السفن، وهذه كلها ضمن المكنون الوطني. لذلك نحن أمامنا تحد كبير لحماية الآثار الوطنية واستكشافها والتعلم منها وعرضها، والآن نحن في المتحف الوطني لدينا معرض جاهز للآثار الوطنية المستعادة. وخادم الحرمين الشريفين، يحفظه الله، وولي العهد والنائب الثاني، جميعهم مهتمون باستعادة الآثار الوطنية من خارج المملكة. الآن نحن جهزنا هذا المعرض ونأمل افتتاحه هذا العام إن شاء الله.

* يوجد في أراضي البلاد عدد كبير من المواقع الأثرية الدينية، هل للهيئة العامة للسياحة والآثار دور في إدارة ملف المواقع الأثرية الدينية، من ناحية حمايتها، والحفاظ عليها، وترتيب مواعيد للزيارة لها؟

- لعلك تعني المواقع الأثرية المتعلقة بالتراث الإسلامي، دعنا نسميها بهذا المسمى، هي محمية كاملة من الدولة، وصدر فيها قرار تاريخي من خادم الحرمين قبل سنتين وفر لها الغطاء الكامل من الحماية وعدم التعرض لها، ووضع القرار تطورا كبيرا جدا، فيما يتعلق بالتنسيق بين الهيئة والمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية ووزارة الشؤون الإسلامية والوزارات الأخرى والبلديات وغيرها، ووجه الملك الهيئة بإجراء مسح كامل للمواقع الإسلامية في مكة المكرمة والمدنية المنورة، وتم ذلك ورفع للدولة، لذلك في اعتقادي أن ذلك القرار قرار تاريخي، حسم هذا الأمر تماما. ونحن ننظر للمواقع المتعلقة بالتاريخ الإسلامي على أنها أهم مواقع بالنسبة لنا، وليس فقط للهيئة بل هي أهم مواقع بالنسبة للوطن، لأن التاريخ الإسلامي حدث هنا، فلم يحدث على سطح القمر، حدث في أرض الجزيرة العربية، فهذا الجزء الأهم من تاريخنا الذي يجدر أن يشهد منا العناية الكبرى، ونحن نتعامل في ذلك الموضوع بشكل قوي جدا مع وزارة الشؤون الإسلامية فيما يتعلق بالمساجد التاريخية، فالمساجد من اختصاص وزارة الشؤون الإسلامية، والآثار والتراث العمراني من اختصاص الهيئة. ونحن لا ننظر للمساجد على أنها مزارات سياحية، لكن لها جانبا تراثيا عمرانيا مهما وجميلا، وله قيمته الجمالية التي تعبر عن التميز الحضاري في بعض الأزمنة، بالإضافة إلى جانبها الديني الذي يعد الأساس، ولكننا ننظر إلى مواقع التراث الإسلامي على أنها مواقع ثقافية مهمة، مثل موقعي أحد وبدر ومواقع مهمة في المدينة المنورة وطريق الهجرة الذي يصنف ضمن 12 طريقا تعمل عليها الهيئة، كدرب زبيدة، وطريق الوحدة الوطنية الذي سار فيه الملك المؤسس عبد العزيز بن عبد الرحمن، طيب الله ثراه، ووافق عليه رئيس مجلس إدارة دارة الملك عبد العزيز، وبدأنا ننطلق في تطويره كتجربة ثقافية متكاملة، وطريق الحج الشامي، وطريق الحج اليمني، وخلافها، لذلك طرق الهجرة من أهم الطرق التي نعمل عليها الآن. نريد المواطن المسلم المعتز بإسلامه الواثق بنفسه أن يعتز بهذه المواقع ويعلم أن العناية بها وإبرازها للمسلمين سيزيد من التصاقهم بتاريخهم، ولا يجب تغليب الخوف من الممارسات الخاطئة لإهمال تلك المواقع وتغييب تاريخنا العظيم. والهيئة تتعامل مع قضايا الآثار الإسلامية وفق المنظور الشرعي الذي تقوم عليه الدولة في كل شؤونها، وحرص القيادة وتوجيهها بتطبيقها، ونحن نسترشد بالعلماء الموثوقين ونحرص على ألا تكون هذه المواقع مسرحا لممارسات تخالف الشريعة في ظل عدم فتحها وتوفير الفرق التي ترشد الناس المتعطشين للممارسات الصحيحة، ولا أجد مبررا للخوف من فتح هذه المواقع والعناية بها، فالجميع اليوم معرض للمغريات وما يمكن أن يجرح دينه أو يغري أي إنسان في دينه أكثر بكثير من رؤية موقع أثري. اليوم الإنترنت مفتوح والتلفزيون مفتوح والسفر مفتوح. واليوم لدينا قرابة الـ100 ألف مبتعث سعودي في الخارج ضمن برامج الملك عبد الله للابتعاث، للدراسة في دول العالم. يسافرون لدول غير مسلمة، ولم نستسلم للنظرة المتخوفة أو المبالغة في أن هذا الأمر قد يكون له تأثير سلبي على عقيدة المواطنين!، بالعكس، فالآن يعيش بيننا 7 ملايين وافد، ورقم كبير منهم ليسوا مسلمين، ولكنهم يعيشون بيننا ويقدمون خدمة لبلادنا وهم جزء من هذه المنظومة الاقتصادية والثقافية ولم يكن لهم تأثير على معتقدات المواطنين، ولم يغيروا وجه المملكة الإسلامي المشرق، بل العكس حدث، فاليوم لا يعقل أن يدرس الطالب السعودي الهجرة النبوية والوقائع التي حدثت فيها فقط من الكتاب والصورة، في البلد الذي على أرضه تمت هذه الأحداث. أنا في رأيي أن هذا سوف يعزز بشكل كبير انتماء المواطن لدينه واعتزازه به وانتمائه لوطنه. أنا ذهبت مع ابني سلمان قبل عدة سنوات، عندما كان صغيرا يدرس في المرحلة الابتدائية، لموقع معركة أحد في المدينة المنورة، وكان معه اثنان من زملائه، وقفنا في موقع غزوة أحد فقال لي: هذا ليس جبل أحد لأننا درسنا شيئا مختلفا، وفي كتابنا المدرسي صورة جبل صغير، فقد رأى شيئا مبهرا أمامه، إلا أن فهمه لغزوة أحد تم تصحيحه، ورؤيته لتسلسل الأحداث تصححت، إلا أن المؤلم أن موقع أحد اليوم بهذه الحال التي هي عليها اليوم، مناطق عشوائية مبنية حوله، موقع ليس فيه متحف يعرض القصة، ونحن في هذا الصدد، نعمل مع أمانة المدينة المنورة على إيجاد متحف كبير بأحد، وكذلك الحال غير اللائقة لموقع بدر ومواقع السيرة والهجرة النبوية، نحن اليوم بلد واثق. أنا من الناس الذين تخرجوا في الولايات المتحدة الأميركية ودرسنا هناك عشرات الألوف من السعوديين، ولم يعد منا أحد وهو مشكك في دينه، بالعكس، فلقد زاد اعتزازنا بديننا وزادت قوة إيماننا، لذلك فالناس اليوم يجب أن تنظر للأمور بشكل مختلف تماما. في هذا العصر في عهد الملك عبد الله وولي العهد الأمير سلطان، فهما في الحقيقة يسابقان الزمن كما حصل في عهد الملك عبد العزيز. وأنا أستذكر مرة رأيت الملك عبد الله في بداية توليه الحكم، ألقى كلمة في الديوان الملكي يحث المسؤولين والمواطنين الحاضرين على بذل المزيد لتطوير بلادهم وفكرهم، وذكرتني بأفعال الملك عبد العزيز، رحمه الله، وكلماته التي كان ينظر إليها على أنها تسبق زمانه الذي يعيش فيه، وكنت عندما قدمت رسالة الماجستير، كتبت فيما يتعلق بالانتقال السياسي للملكة العربية السعودية، وكان جزء يتعلق بانتقال البادية، كتبت بأن قيادة المملكة ممثلة في الملك عبد العزيز تسبق عصرها، وأنها أسرع من المواطنين في طلب التطوير، عندما كانت المدارس تفتح للجنسين بوتيرة أسرع من التردد الذي عاشه بعض المواطنين لإلحاق أبنائهم وبناتهم بالمدارس النظامية، كل هذا يعتبر سابق لعصره، فقيادة السعودية دائما أسرع من المواطنين، تسبقهم في فتح النوافذ والأبواب وتستشرف المستقبل، الملك عبد الله بن عبد العزيز، اليوم عندما فتح باب الحوار الوطني وفتح باب حوار الأديان، وفتح أبوابا جديدة من العلم والبحث العلمي وتلاقى المواطنون على مواضيع فيها اختلافات، هو يستشرف المستقبل الجديد، لأن العالم يعيش في وضع مختلف تماما. السياحة الوطنية جزء مهم من هذه المعادلة. المواطن بدأ ينظر إلى وطنه بطريقة مختلفة تماما. ويبدأ يستشرف هذا الوطن العظيم ثقيل الوزن، نحن ننظر للمملكة العربية السعودية على أنها ليست دولة عابرة، بل دولة ثقيلة الوزن، دولة الحرمين ومهد الرسالة العظيمة، وأصبحت محورا أساسيا في تعاطيات الدول على مستوى العالم، فيما يتعلق بالقضايا الخطيرة التي يشهدها العالم. وأيضا دولة ثقيلة بالنسبة للاقتصاد العالمي، فهي اليوم مكنون النفط والطاقة العالمية، هل تعتقد أن العالم ممكن أن يعيش اليوم من دون هذه الطاقة التي تمد الاقتصاد العالمي كله، من يعتقد ذلك فهو مخطئ. وهي أيضا دولة لها حراك سياسي ضخم جدا على جميع المستويات. المواطن السعودي بالإضافة إلى ذلك يجب أن يعرف أن بلده بلد حضارة وتاريخ ويستشعر في تعاملاته اليومية وفي حركاته كل يوم بينه وبين المواطن الآخر، وفي تنقلاته وفي احترامه للمكان، وفي احترامه لملبسه ومظهره وهندامه وتعامله مع الأجنبي الذي يعيش في بلده، يستذكر أنه من هذا البلد ذي الوزن الثقيل. اليوم نحن نعيش في عصر ذهبي، والعصور الذهبية تتعاقب على هذه البلاد. لذلك السياحة الوطنية اليوم، من أهم قضاياه بالنسبة لي شخصيا، خلافا للقضية الاقتصادية وفرص العمل الكبيرة جدا، فهي أن نعيد الناس إلى السياحة في بلادهم، ليستمتعوا فيها ويعرفونها.. فأنا دليل سياحي، وأخجل حينما أذهب مع ضيوف أجانب في جولاتي ويكون معي مواطنون من بلدي ولم يزوروا هذه المواقع ولا يعرفون عنها شيئا. فهناك قصور في هذا الجانب. والمواطن السعودي للأسف محروم من زيارة المواقع التاريخية والأثرية، وأنا أركز على كلمة «محروم»، لأنه لا تتوفر فيها خدمات ولا وسائل النقل أو استراحات الطرق، ونأمل أن تتغير هذه الحال قريبا.

* بصراحتك المعهودة، ولو أنك أشرت إلى هذا الموضوع في إجابتك السابقة، ولكن كيف ترى تفاعل المواطنين السعوديين مع المواقع الأثرية الموجودة في السعودية؟ وكيف تقيم ذلك بالنسبة لإقبال غير السعوديين على زيارة تلك المواقع؟

- اليوم حينما لا يزور المواطن المواقع الأثرية، فهذا لا يحسب عليه بل يحسب علينا نحن، مثلا موقع «الفاو» الذي تسمع عنه، كنت أمس، في نقاش مع زملاء لي فيما يتعلق بتفعيل الاتفاقية مع وزارة التربية والتعليم، في تطوير البعد الحضاري للمملكة في التعليم. في حقيقة الأمر نحن لدينا فرصة ذهبية اليوم بوجود أخي الأمير فيصل بن عبد الله بن محمد، وزيرا للتربية والتعليم، وهو يعد رجل ثقافة من الطراز الأول، ويعرف عن الآثار أكثر مما أعرف أنا، وقد زار آثار المملكة كلها بالسيارات وصور كثيرا منها، وهو يعتبر مستشاري في كثير من القضايا، كما أن وجود زميلي الأخ فيصل بن معمر، نائب وزير التربية والتعليم، الواعي بأهمية التراث الوطني، ومنسوبي وزارة التربية والتعليم، فهناك فرصة ذهبية، لأنه لدينا أيضا إرادة في الهيئة حول هذا الموضوع، بأن نحدث نقلة في المدارس تجاه هذا الموضوع، فكان من ضمن النقاش أن قلت لكل من الدكتور علي الغبان، نائب رئيس الهيئة للآثار والمتاحف وهو زميل الحروب في ملف الآثار منذ 10 سنوات، والدكتور سعد الراشد، عضو مجلس إدارة الهيئة، الذي كان يتولى وكالة الآثار بوزارة التربية والتعليم، فلم أقل لهما إن المواطنين اليوم محرومون من زيارة الآثار وأنها غير مهيأة، وإنما أشرت لهما إلى موضوع الفاو، فهو موقع تاريخي وصدرت عنه دراسات كثيرة، وأخذت آثاره ونقلت إلى قبو في جامعة الملك سعود والجامعة تعمل معنا على إظهارها وبعضها نقل إلى بعض المتاحف، فقلت لهما: لو تذهبان اليوم إلى موظفي الآثار - أنا دائما حينما أريد أن أتحدى الناس أتحداهم في عقر دارهم - فقلت لو نختار عشوائيا من موظفي الآثار 20 شخصا، لوجدت أن اثنين منهم بالكثير يعرفون الفاو وأهميتها أو زاروا الموقع، فما بالك بعامة المواطنين. لذلك اليوم، أنا لا أقبل بالأمر الواقع، أنا كل يوم أستيقظ صباحا أسأل ما الأمر الواقع كي نتكيف معه إيجابيا أو أن نغيره للأفضل. اليوم أمامنا تحد كبير. مثلا: مدائن صالح، العالم كله سمع عنها وسجلت في قائمة التراث العالمي، ولضعف الإمكانيات المالية لا يزال المشروع لم يكتمل، وإن شاء الله ينتهي هذا العام لتهيئة الموقع والمتحف هناك، والمطار أيضا سيفتتح هناك. هذا الموقع لم يزره ربما 99 في المائة من المواطنين السعوديين، وهو موقع تراث عالمي لا يقل أهمية عن موقع البتراء في الأردن الذي صنف مؤخرا كإحدى عجائب الدنيا السبع. المتاحف المنتشرة في أنحاء المملكة الآن ضعيفة جدا، وأنا أسميها مخازن ولا أسميها متاحف، هي في الواقع بنيت كمكاتب ووضعت فيها بعض القطع، وبعض القطع مستنسخة. هذا العام وقعنا عقود إنشاء 5 متاحف جديدة، كما قدمنا لوزارة المالية مشاريع إنشاء 6 متاحف جديدة ضمن ميزانية الهيئة للعام المقبل و3 متاحف رئيسية، كما نعمل على تهيئة بعض المواقع المهمة وتحويلها لمتاحف متخصصة مثل قصر البديعة في الرياض، الذي وافق الأمير سلمان رئيس الهيئة العليا لتطوير الرياض، على مشروعه، فهذا الموقع الذي كان الملك عبد العزيز يقضي فيه أجمل الأيام، وتملكه الآثار، رمم بطريقة بدائية في السابق، لكن الآن هناك مشروعا متكاملا لتأهيل قصور الدولة في عهد الملك عبد العزيز، قدمناه للدولة، ومن ضمنه قصر البديعة الذي يرمم من جديد، وليكون فيه متحف الصور التاريخية للمملكة، وتكون تحت الحدائق المحيطة به متحف متكامل للصور التاريخية، التي لدى مكتبة الملك فهد الوطنية، فأنت كمواطن سيمكن لك أن تدخل وتجد الصور معروضة بأسلوب إلكتروني حديث، لتعيش تجربة مع الصور التاريخية التي هي الآن مخبأة في الأدراج وفي الأرشيف الذي لا تستطيع أن تصله. الموقع الثاني هو قصر خزام في جدة، الذي وقعت فيه اتفاقية النفط بين حكومة المملكة و«أرامكو»، إنه في وضع مزر الآن، وفي وضع خرب. كما قدمنا الآن مشروعا متكاملا لتطوير الموقع بتوجيه من خادم الحرمين الذي يهتم شخصيا بتطويره، وإعادته كمتحف وطني للتراث الإسلامي بالتنسيق مع أمير منطقة مكة المكرمة.

ولدينا أيضا الموقع الثالث، وهو قصر السقاف في مكة المكرمة، الذي أمر الأمير سلطان بن عبد العزيز بنقله إلى الهيئة، وهناك معاملة بهذا الأمر، وقدم من ماله الخاص مليوني ريال للإنقاذ العاجل، وهو القصر الذي كان يسكنه الملك عبد العزيز في مكة المكرمة، وتم تحويله إلى متحف ضمن مشروع حضاري متكامل. أكرر مرة أخرى أن ضعف الموارد المالية هو أبرز المعوقات أمام التحول في إبراز البعد الحضاري لبلادنا من منظور متكامل، والهيئة قدمت مشروعا متكاملا للبعد الحضاري، يشمل الحماية والتثقيف والنقلة الذهنية للمواطنين خاصة في المدارس، ويشمل المتاحف الجديدة، وتطوير المتاحف القائمة، ويشمل منظومة جديدة من إخراج الآثار الوطنية من المخازن ووضعها في المتاحف، قصور الدولة السعودية الأولى، الآن رمم جزء كبير منها، ولكن لضعف الموارد المالية لا نستطيع أن نحولها إلى مواقع تراثية. هناك اليوم قصور للدولة في الدوامي والخرج ولينة، وعشرات القصور، لا بد أن تتحول إلى مواقع تسهم في اعتزاز المواطنين بمشاركة آبائهم وأجدادهم في ملحمة التوحيد التي شكلت هذه البلاد العظيمة، وتم تهيئة هذه المواقع لتعرض فيها الصور التاريخية للموقع نفسه والوثائق التاريخية ولتتحول إلى موقع ثقافي، يتضمن الفعاليات الثقافية والمحاضرات، فيصبح بمقدور طلاب المدارس بدلا من أن يدرسوا تاريخ بلادهم في الفصل، أن يخرجوا لمواقع الدولة السعودية، ويطلعوا على الوثائق والصور التاريخية، وهناك أيضا مشروع خاص بالموانئ القديمة على البحر الأحمر، نعم مشاريعنا متأخرة، ولكن لضعف التمويل، ولذلك نحن أمامنا تحديات كبيرة لحماية الآثار واستخراجها وعرضها، وهذا لا يحدث بالتمني بل يحدث بمشروع متكامل يمول. نحن اليوم أيضا نتقدم الآن لإنهاء دراسة تتعلق بالموارد المالية لهيئة السياحة، ومن ضمنها تفعيل دور المتاحف بجلب الموارد المالية لتشغيلها.

* بودنا أن ننتقل لملف أكثر إثارة، وهو ملف الآثار المهربة والمستردة، في ظل التجهيزات القائمة لاحتضان السعودية لمعرض مهم عن الآثار المستردة.. بودنا أن تطلعنا على التجهيزات الخاصة بهذا المعرض؟

- عملنا الآن بشكل هادئ. وتم استعادة نحو 12 ألف قطعة، تختلف أهميتها. والمعرض الجاهز الآن سوف يعرض أبرزها، وهناك تنسيق كبير مع وزارة الخارجية ومع عدة جهات، ووجدنا إقبالا كبيرا من الناس الذين خرجوا من المملكة وأخذوا معهم آثارا كثيرة، لأنها لم تكن محمية أساسا. فوجدنا أنهم احتراما لهذا البلد بدأوا يعيدونها. وفي مؤسسة التراث الخيرية التي أسستها قبل تولي مهام هيئة السياحة والآثار، استعدنا آثارا من توماس بارجر أحد العاملين في شركة «أرامكو» في مرحلة سابقة، وهي ستعرض من ضمن المجموعة، لكن الآن هناك مجموعات كبيرة أتتنا من أفراد من الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا.

* يعني هل نقلوها معهم إلى بلدانهم بعد انتهاء فترة أعمالهم في السعودية؟

- نعم نقلوها معهم، كما تعلم كانت هناك فرق تنقيب في مواقع التعدين وفرق تنقيب البترول. اليوم الأوروبيون والأميركيون وغيرهم من الجنسيات يتنقلون في الصحراء التي تتمتع بها السعودية، فيجدون بعض الآثار لأن لديهم خبرة في هذا المجال،. نحن لدينا حملة كبيرة تستهدف المقيمين الذين يعيشون في بلادنا، وهناك تعاون كبير في هذا المجال ليقدموا لنا معلومات عن الآثار التي تصادفهم، فأصبح هناك تنظيم لهذا الأمر، كما أن هناك تنظيما مع الجهات التي تحفر في المواقع بهدف التعدين، وهناك تعاون مميز مع وزارة البترول والثروة المعدنية ووزير البترول، وبالإضافة لكونه مهندسا فإنه رجل مثقف ووطني، فهو يساعدنا كثيرا، وشركة «أرامكو» تساعدنا أيضا، وشركات «التعدين» نعمل معها الآن، بأنه في المراحل الأولية لاستكشاف الآثار تكون الهيئة موجودة في وقت قصير، لكي نعرف، فلا يعقل تسليم الموقع لشركة أجنبية وفيها خبراء من جميع الجنسيات، وأحيانا يتسرب مع الخبراء علماء آثار يبحثون عن الآثار دون مشاركة من الهيئة وإجراء مسح سريع للموقع قبل استلام الشركات له ونعتمد على أنه إذا وجدوا شيئا نتسلمه، هذا خطأ. الآن أصبح التنظيم يتيح للهيئة استطلاع الموقع بشكل سريع لا يعطل الدورة الاقتصادية. ونحن نعمل كذلك مع جميع الجهات الحكومية وفقا لهذا الأسلوب الذي يؤكد أهمية الآثار وأنها ثروة وطنية تحرص الدولة على حمايتها، وأذكر هنا أنه قبل شهرين تلقيت كتابا من محافظ هيئة الإسكان يذكر فيه أن الهيئة ستبدأ في العمل بمشروع كبير جدا في أحد المواقع، وبعث لنا للتأكد أن الموقع المحدد لا يحتوي على آثار، وبعثنا لهم فريقا متخصصا عمل خلال أسبوعين لاستكشاف الموقع، وبلغناهم بأن هذا الموقع لا توجد فيه آثار تمنع مباشرة العمل في المشروع، لكن إذا وجدت هناك آثار، فالمشروع تحت مراقبة هيئة الإسكان، والجهة المشرفة عندهم عليها أن تبلغ هيئة الآثار، هذا هو الوضع الذي يجب أن يكون عليه العمل مع جميع الجهات الحكومية.

* هل هناك جهاز دولي مختص يتم اللجوء له في مسألة البحث عن الآثار المهربة إلى الخارج؟

- نعم، في قطاع الآثار هناك وحدة خاصة بهذا الجانب، وحدة للأمن، ووحدة للتعاون الدولي، ونحن نعمل مع الداخلية ومع الإنتربول، ونعمل مع الجمارك بشكل مكثف، وصدر أيضا قرار إضافي تعزيزي من وزير الداخلية، وأيضا قرار من مصلحة الجمارك، بألا تخرج آثار حتى ولو كانت جهة رسمية، اليوم نظامنا لا يسمح بأن تخرج آثار من المملكة إلا بأمر سام، هذه سيادة، والأمر السامي يجب أن يصدر قبل خروج الآثار، فمثلا آثار المملكة التي شاركت في متحف اللوفر وغيرها، صدرت بأمر سام، فلا يمكن اليوم ولا يجوز حتى للجهة الرسمية أن تخرج أي أثر من المملكة إلا بأمر سام وبموافقة الهيئة العامة للسياحة والآثار، ثانيا اليوم جميع الآثار المستخرجة في السعودية والمحفوظة حاليا لدى الجهات الحكومية والجامعات وغيرها، هي أساسا ملك للآثار، فهي ملك وطني، قد تكون معارة أو موجودة في مكان أو متحف معين، هي ضمن الملكية الوطنية، فمن يجد آثارا سواء كانت جهة حكومية أو جامعة أو أفرادا فإنها لا تملكها، ونحن سعيدون بالعمل مع جامعة الملك سعود وجامعة حائل وجامعة جازان في مجال الآثار، ونريد أن يكون بجامعة تبوك أيضا قسم للآثار حتى تتحرك في أعمال البحث وتهيئة الناس ليكونوا خبراء في مجال الآثار بمناطقهم.

* قبل أن ننتهي باللوفر، هناك سؤال، فهل لعبت السعودية دورا في مساعدة العراق كدولة جوار لاسترداد آثارها في أعقاب سقوط النظام العراقي السابق؟

- هذا العام تم بشكل رسمي تسليم مجموعتين من القطع الأثرية العراقية للمتحف العراقي، ونتابع هذا الملف بشكل مكثف مع زملائنا وإخواننا في العراق مثل الدول الأخرى، وما يأتينا منهم، وما يقبض عليه في منافذ المملكة بالتعاون مع الجمارك، وأن نقيم القطع، وأحيانا نطلب خبراء من الدول المعنية بأن يأتوا ويعملوا معنا على تقييمها، ونأتي عبر الإجراءات الدولية، ونسلمهم إياها، طبعا هناك تعاون مكثف وكبير، وهم يتعاونون معنا في المقابل والدول الأخرى، حينما يخرج من المملكة شيء، بالإضافة إلى مشاركة مسؤولين من الهيئة في اللجان المشكلة لإعادة الآثار العراقية.

* أخيرا.. كيف تقيم الأصداء التي عكسها الحضور المتميز لمعرض «روائع المملكة» في الخارج، وما محطته المقبلة؟

- معرض اللوفر يختلف عن المعارض الأخرى، بأنه معرض انطلق لأول مرة في عقر دار الحضارة الغربية في فرنسا، وهذا أتى عقب أن أقام اللوفر عرضا في المملكة لموجوداته الإسلامية، وأهمية المعرض أنه أتى في أهم مواسم السنة وأكثرها زوارا لمتحف في فصل الصيف، وبرعاية كريمة من خادم الحرمين والرئيس الفرنسي، وانطلق بشكل قوي، وهذا المعرض أهميته تكمن ليس فقط في كثافة الحضور التي أبلغني عنها رئيس المتحف لواريت، خلال اتصال هاتفي قبل أيام، وذكر فيها أنه مع كثافة الحضور تمنوا لو أن مدة المعرض تمتد، إلا أن التزامنا بنقل المعرض لدولة أخرى حال دون ذلك، كما أن الفعاليات التي صاحبت المعرض مثل مجموعة محاضرات ذهب فيها الكثير من الزملاء من المراكز العلمية، بالإضافة إلى معرض كتب تاريخية وأفلام وثائقية. أهمية المعرض إضافة إلى ذلك تجلت في أنها المرة الأولى التي تقوم فيها المملكة بعرض هذا الجانب من التاريخ الحضاري من حضارتها العظيمة على العالم. الذي سمعنا أن الجماهير تفاجأوا حينما عرفوا بهذا البعد المغيب تماما وهو البعد الحضاري، والتراكم التاريخي الذي يميز المملكة أيضا. المملكة اليوم ليست بلدا طارئا على التاريخ أو أنها وجدت من لا شيء، فسياستها التي تمارسها اليوم في المجال الدولي أو القيم التي تعكسها في تعاملاتها، أو حتى الخطاب السياسي للمملكة، لم يأت مخترعا، بل أتى على تراكم من الحقب التاريخية والتراكم الثقافي. لذلك فالمملكة يجب ألا ينظر إليها على أنها دولة ذات خطاب طارئ وتحركات مفتعلة أو أنها تمارس دورا فرضته بحكم موقعها الاقتصادي كما يحدث في دول أخرى، فالمملكة تمارس دورا طبيعيا، خاصة في المجال الدولي وحوار الأديان وقيادتها لدول كثيرة في مجالات كثيرة، والدور الذي يمارسه اليوم قائد الأمة الملك عبد الله، يحفظه الله، امتداد لدور تاريخي ودور موروث، والمواطن السعودي هو الوريث في هذا الدور، لذلك أتى هذا المعرض ليعكس هذا الجانب، وبالتحديد البعد الحضاري، ويوضح أن هذا الدور ليس طارئا وليس مفتعلا، وليس دورا بحكم أننا نملك مخزونا نفطيا أو ماليا، ولكنه دور طبيعي. الدور الريادي الذي تمارسه السعودية اليوم على المحور الدولي والقضايا الدولية كلها، وما يوجد بها اليوم من نهضة ضخمة جدا، هو دور طبيعي وامتداد، وقائد هذه البلاد العظيمة الملك عبد الله يتحدث بلغة مستمدة من عمق التاريخ وليست لغة مفتعلة، وهو امتداد لما قام به أجداده مؤسسو هذه الدولة منذ بدايتها.