أكاديمي كردي لـ«الشرق الأوسط»: أنقرة عمقت علاقاتها مع كردستان بعد قناعتها بعدم فاعلية الأحزاب التركمانية

تزايد الاستثمارات التركية في كردستان يمهد لمزاحمة الدور الإيراني في العراق

TT

ازدياد حجم التبادلات التجارية التركية مع العراق، وارتفاع وتيرة استثماراتها في إقليم كردستان يمهدان حسب بعض المصادر الأكاديمية هنا في كردستان لتعاظم الدور السياسي التركي على الساحة العراقية، ويرى أحد الخبراء في الشؤون التركية» أن تركيا بعد أن وصلت إلى قناعة مطلقة بعدم قبولها في الاتحاد الأوروبي، أخذت تتجه نحو الشرق لاستعادة نفوذها السياسي القديم، وأنها وضعت لذلك استراتيجية جديدة لتطوير علاقاتها مع الشرق بدأتها بدول الجوار، ومهندس هذه الاستراتيجية الجديدة هو أحمد داود أوغلو وزير الخارجية الحالي، الذي بات مقتنعا تماما باستحالة قبول تركيا في المنظمة الأوروبية، ولذلك انتهجت حكومة حزب العدالة والتنمية برئاسة رجب طيب أردوغان بتأثير منه سياسة خارجية جديدة تستند على الانفتاح الكامل على الشرق، وهذه سياسة أفادت العراق وإقليم كردستان المجاورين لتركيا خاصة في مجال العلاقات الاقتصادية والتجارية التي وصلت أرقام تبادلاتها إلى مستويات عالية جدا. وفي الأسبوع الماضي زار رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي تركيا التي هي واحدة من أكبر شريكين تجاريين للعراق وذلك في إطار جولة لحشد التأييد الإقليمي لمسعاه لرئاسة الحكومة العراقية لولاية ثانية.

ولا يزال العراق بلا حكومة جديدة بعد سبعة أشهر من إجراء الانتخابات حيث يتنافس الشيعة والسنة والأكراد على السلطة.

وجاءت زيارة المالكي لتركيا بعد يوم من فوز شركة النفط التركية «تباو» بصفقات لتطوير اثنين من ثلاثة حقول للغاز طرحها العراق في مزاد ويقول محللون إن هذا مؤشر على طموحات أنقرة في أن تصبح جسرا للطاقة بين أوروبا والشرق الأوسط.

وفي حين أن تركيا لا تملك أي احتياطيات تذكر من النفط والغاز فإنها تسعى إلى استغلال وضعها الجغرافي بين أوروبا والشرق الوسط واسيا الوسطى وروسيا.

ويرسل العراق ربع صادراته من النفط عبر خط أنابيب كركوك - جيهان الذي ينتهي على ساحل تركيا المطل على البحر المتوسط.

ويعتزم العراق مد خط أنابيب جديد وقال إنه يمكن أن يمد أوروبا بخمسة عشر مليار متر مكعب من الغاز من خلال تركيا عبر خط أنابيب نابوكو المزمع إنشاؤه وتبلغ تكلفته 11 مليار دولار.

وبحسب حيدر مصطفى مدير الاستثمارات في «هيئة استثمار إقليم كردستان» فإن حجم الاستثمارات التركية عموما وصلت إلى حدود 621 مليون دولار لتحتل المرتبة الثالثة في حجم الاستثمارات الأجنبية بكردستان، منها 540 مليون دولار في قطاع الإسكان» ناهيك عن ارتفاع ملحوظ في حجم التبادلات التجارية التي وصلت إلى حدود ثلاثة مليارات دولار من مجموع سبعة مليارات دولار هي حجم تبادلاتها التجارية مع العراق.

هذا التطور المتواصل في حجم الاستثمارات التركية وتبادلاتها التجارية يثير ارتياح المسؤولين المحليين وقيادة إقليم كردستان التي عانت طويلا من المشكلات وسوء العلاقات مع جارتها تركيا بسبب مواقف القيادة الكردية من مشكلة العمال الكردستاني التي كانت تتحكم بعلاقة تركيا مع الإقليم، ولكن هيمن ميراني وهو أستاذ في العلوم السياسية بجامعة صلاح الدين في أربيل، يرى «أن تركيا التي فقدت الأمل تماما من انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي، أعادت النظر في علاقاتها الخارجية، ففي حين كانت سياساتها الخارجية السابقة تتجه نحو تمتين العلاقة مع الدول الغربية بهدف الدخول إلى الاتحاد الأوروبي، وصلت أخيرا إلى قناعة مطلقة بصعوبة أو باستحالة قبولها في الاتحاد، ولذلك اعتمدت سياسة خارجية جديدة تستند على الانفتاح على الشرق، وتحديدا على الدول المجاورة لها، ومهندس هذه السياسة كان أحمد داود أوغلو وزير الخارجية الحالي الذي كان كبير مستشاري رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان، فهو الذي وضع أسس استراتيجية جديدة للعلاقات الخارجية تستند على الانفتاح على الشرق بغية استعادة الدور الإقليمي لتركيا، ولذلك نرى أنه في أعقاب اعتماد هذه السياسة الجديدة التي صاغها أوغلو في كتاب نشر مؤخرا بعنوان (العمق الاستراتيجي) تحسنت علاقات تركيا مع إقليم كردستان بشكل إيجابي وبوتيرة سريعة جدا، وتمثل ذلك في تدفق الاستثمارات الاقتصادية في الإقليم وتعاظم حجم التبادلات التجارية، وانعكس ذلك أيضا على تحسن العلاقات السياسية بين تركيا والإقليم، وسقطت معها التابوات السابقة التي اعتمدتها الحكومات السابقة بسبب مشكلة حزب العمال الكردستاني».

وفيما إذا كانت هذه المحاولات التركية ستؤدي بشكل أو بآخر إلى وجود منطقة نفوذ تركية داخل إقليم كردستان وبالتالي استخدام ذلك النفوذ للتأثير على سياساتها خصوصا مع وجود أقلية تركمانية مدعومة من قبل تركيا؟ قال ميراني «في السنوات السابقة ركزت تركيا دعمها للجبهة التركمانية، ولكن ظهر أن الجبهة التركمانية فشلت في تمثيل الشعب التركماني، وأن الانشقاقات المتتالية التي حصلت فيها أضعفت هذه الجبهة إلى حد كبير، وأقنعت تركيا بعدم فاعلية دورها في العراق، ولهذا اتجهت القيادة التركية إلى تمتين علاقاتها الاقتصادية والسياسية مع القيادة الكردية في إقليم كردستان بدل التعويل على جبهة لا تستطيع أن تحافظ على تركيبتها.

=