كل شيء هادئ على الطرف الجليدي في أفغانستان

الحرب بعيدة في ممر واخان.. ولا وجود لطالبان أو القوات الأميركية

TT

مع انطلاق الشاحنة نحو قرية نائية في أعماق شمال شرقي أفغانستان، قال الركاب لامرأة شابة إن بإمكانها خلع البرقع.

وشرحت المرأة، زارمينا نازاريا (26 عاما)، ممرضة، الأمر بقولها «تسود الحرية هنا». وبالفعل، خلعت البرقع وألقت به على المقعد الخلفي للسيارة. الملاحظ أن القواعد التي تنطبق على باقي أرجاء أفغانستان غالبا ما لا تكون لها قيمة تذكر داخل «ممر واخان»، وهي مساحة ممتدة من الأرض القاحلة على شكل إصبع تقع بين طاجيكستان وباكستان والصين، وتقطعها عن الأجزاء الرئيسية بالأراضي الأفغانية أسوار جليدية من سلسلة جبال هندوكوش. وهنا، يبدو العنصر الأساسي المستديم في حياة الأفغان - الحرب - فكرة قاصية مثل الرياح الموسمية.

من الغزو السوفياتي حتى الحرب الأهلية إلى سيطرة «طالبان» على السلطة إلى المقاومة ضدها، ظلت واخان بصورة كبيرة خالية من التوترات. لا يظهر لأي من أفراد طالبان أثر هناك، وينطبق الأمر ذاته على الجنود الأميركيين. ويجري تدريب القرويين بالمنطقة كي يصبحوا حراسا للحياة البرية الموجودة بها، وليس أفرادا مسلحين. ويتسم المذهب السائد من الإسلام في المنطقة (الإسماعيلية) بالاعتدال. أما زعيم هذه الطائفة، أغا خان، فهو ملياردير، وإحدى شخصيات المجتمع البارزة في باريس. ويتسلل بعض السائحين الأجانب إلى المنطقة، وبلغ عددهم قرابة 200 خلال فصلي الصيف بالعامين الماضيين. ويسير ممارسو رياضة تسلق الجبال ومحبو المغامرات على خطى مستكشفين أمثال ماركو بولو وسير أوريل ستين. هذا العام، قامت بعثتان من بريطانيا وبولندا بتسلق قمم جبلية يصل ارتفاعها إلى 200.000 قدم بالمنطقة.

وتعرض سكان المنطقة للتجاهل من جانب كابل منذ فترة بعيدة، وبالتالي فإنهم يفتقرون حاليا إلى أكثر الخدمات الأساسية. إلا أن المنظمات غير الحكومية لها حضور متزايد في المنطقة، حيث تجد أنه من الأيسر بالنسبة لها العمل هنا عن الأجزاء الأخرى من البلاد الأكثر عنفا. من ناحيته، قام غريغ مورتنسون، الذي شارك في تأليف كتاب «ثلاثة أقداح من الشاي»، ببناء 11 مدرسة بمنطقة الممر من خلال المنظمة غير الهادفة للربح التي يملكها «معهد وسط آسيا». ويتولى موظفون أجانب من «جمعية الحفاظ على الحياة البرية» اقتفاء أثر النمور الجليدية وتدريب الأفراد المحليين المعنيين بحراستها.

من جهته، قال مالانغ داريا، مرشد محلي للبعثات الاستكشافية كان ضمن فريق فرنسي - أفغاني تسلق نوشاق عام 2009، وهو أعلى قمة جبلية في أفغانستان ويبلغ ارتفاعه 24580 قدما «لم تكن هناك حرب ولا عنف في واخان. إن الناس هنا مسالمون وهادئون للغاية».

يذكر أن أكثر من 12.000 نسمة يعيشون داخل الممر الممتد لمسافة 220 ميلا، بجانب سلسلة من الأودية الواسعة والسهول الواسعة المرتفعة التي شكلها نهر بانغ. وتنتمي الغالبية العظمى من سكان المنطقة إلى عنصر «واخي».

من جهته، قال جون موك، بروفسور متخصص في شؤون جنوب آسيا بجامعة كاليفورنيا في سانتا كروز «يتميز الإسماعيليون برؤية عصرية. ويعمد أغا خان إلى الترويج للحداثة».

يذكر أن القرى التي يسكنها واخي توجد في أفغانستان وباكستان وطاجيكستان والصين. من الناحية المنطقية، ينبغي أن يشكل «ممر واخان» جزءا من طاجيكستان أو باكستان، لكن اتفاقا أبرمته بريطانيا وروسيا عام 1895 خلق منطقة عازلة تسيطر عليها أفغانستان للحيلولة دون تلامس الإمبراطوريتين.

وظل الممر منطقة لا تخضع لسيادة أي طرف، وهو منطقة نائية للغاية لدرجة أن سكانه لا يزالون يعيشون على اقتصاد المقايضة. خلال الصيف، يقايض السكان الخرفان والماعز وثيران التبت الضخمة، التي تمثل عادة كل ما يملكونه من ثروة، مع تجار يفدون على ظهور الخيل حاملين أقمشة وسلعا ترفيهية أخرى. ويكن بعض سكان المنطقة مقتا شديدا تجاه الغرباء، الذين يعيدون بيع الماشية بأضعاف ثمنها.

ويتولى الرعاة من الواخي رعاية قطعان من الأغنام، بينما تعمل النساء اللائي يرتدين أثوابا حمراء تقليدية في حقول القمح والشعير. ولا يرتدين البرقع إلا لدى توجههن إلى إشكاشيم، وهي قرية عند المدخل الغربي للممر ينتمي نصف سكانها إلى الطاجيك السنة. ويتحرك بعض التجار من واخي بحرية بين أفغانستان وباكستان.

في النصف الشرقي، ناحية الصين، يتحول الممر إلى تجويف قمري الشكل. ويطلق على هذه المنطقة «بامير الصغير»، ويقطنها نحو 100 من أسر القرغيزيين المرتحلة، تعيش داخل خيم جلدية على ارتفاع 13.000 قدم. وبالقرب من طاجيكستان، تعيش 140 أسرة من القرغيزيين في سهل يطلق عليه «بامير الكبير».. وتهب على المنطقة عواصف ثلجية في أغسطس (آب).داخل بوزاي غومباز، في قلب «بامير الصغير»، توجد مقابر تتخذ أشكالا أشبه بخلايا النحل بناها القرغيزيون وبجانبها مجموعة أسلاك شائكة صدئة خلفتها قاعدة عسكرية سوفياتية.

* خدمة «نيويورك تايمز»