حملة معاداة المهاجرين المسلمين تصل إلى «ضمير العالم»

دخول حزب قومي صغير البرلمان السويدي أعطى صورة أخرى عن بلد «التعددية الثقافية»

TT

في أعقاب انتخابات فاجأت الكثيرين داخل هذه الدولة التقدمية، دخل كنت إكروث ورفاقه عبر أبواب برلمان أشبه بقلعة، الشهر الحالي من أجل مهمة تهدف إلى الحد مما يصفونها بأنها أكبر مشكلة تواجه السويد: هجرة المسلمين.

ويعمل النواب العشرون التابعون لحزب الديمقراطيين السويديين، الذين يمثلون أول مشرعين يصلون إلى البرلمان عن حزب ظهر خلال عقد الثمانينات من القرن الماضي على يد قوميين بيض، من أجل وقف بناء أي مساجد جديدة وحظر النقاب ووقف الهجرة المقبلة من دول إسلامية.

ودق ناقوس الخطر مؤخرا بسبب الموجة المعادية للهجرة، حيث حذرت السلطات المقيمين «ذوي البشرة الداكنة» في مدينة مالمو الجنوبية من أن قناصا أو أكثر يستهدفون مهاجرين، مما أدى إلى مقتل شخص واحد وجرح ثمانية في 15 عملية إطلاق نيران منفصلة العام الحالي.

وأثار دخول الديمقراطيين السويديين البرلمان في انتخابات سبتمبر (أيلول) الماضي نقاشا محتدما داخل هذه الدولة المعروفة بأنها «ضمير العالم» بفضل مساعدة اللاجئين، وقوانين رائدة للمساواة بين الجنسين، وإعطاء حقوق للمثليين. ولكن حتى هنا، شق الديمقراطيون السويديون طريقهم إلى البرلمان من خلال الاستفادة من مشاعر معادية للمهاجرين، ومعادية للإسلام، تجتاح الكثير من الدول غرب أوروبا، ودفعت أحزابا قومية ويمينية إلى تحقيق أكبر مكاسب لها خلال أعوام.

ويزداد الغضب داخل دول مثل السويد بشأن ازدياد عدد المهاجرين المسلمين، وتردد البعض في الالتزام بالتقاليد المحلية، في ما يمثل اختبارا لحدود التسامح داخل بعض أكثر المجتمعات انفتاحا في العالم.

وعلى عكس الولايات المتحدة، التي يسيطر فيها اللاتينيون على النقاش المرتبط بالهجرة، تركز مشاعر القلق بين الأوروبيين على موجات من المسلمين مثل الأتراك والعراقيين والصوماليين وغيرهم، الذين أصبحوا القضية الأسخن خلال الانتخابات الأخيرة. وداخل النمسا، حقق حزب الحرية (أقصى اليمين) الشهر الحالي، مكاسب كبيرة في انتخابات إقليمية بعد حملة ضد الهجرة تضمنت لعبة على الإنترنت يطلق عليها «باي باي موسك» أو (وداعا للمسجد). وخلال هذه اللعبة يمكن للاعبين استهداف مآذن افتراضية داخل فينيا، وقرى ريفية بجبال الألب بكلمة واحدة هي «توقف».

ومع ارتفاع معدلات البطالة والخصم الكبير في النفقات في أعقاب الأزمة الاقتصادية، يلفت زعماء من يمين الوسط، ومن بينهم الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، الانتباه إلى التيار المتنامي المعادي للهجرة. ومن خلال إجراءات تضمنت حظر ارتداء النقاب، يتهم منتقدون ساركوزي بالسعي إلى الحصول على دعم المناصرين من أقصى اليمين الذين يدعمون جان ماري لوبن، وهو زعيم حزب الجبهة الوطنية الفرنسي، الذي حقق نتائج جيدة في سعيه للفوز بمنصب الرئيس عام 2002.

وفي الأسبوع الماضي، أصدرت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل أقصى عبارة لها حتى الآن في ما يتعلق بالمهاجرين. ولأسابيع، كانت ميركل توجه انتقادات لتيلو سارازين، وهو عضو سابق في مجلس إدارة البنك المركزي، أصبح بطلا شعبيا داخل ألمانيا، وألف كتابا يقول فيه إن المهاجرين الأكراد والأتراك في مرتبة دنيا من الناحية الجينية.

وأثار الكتاب أيضا نقاشا داخل ألمانيا بشأن عدم رغبة الكثير من المهاجرين، ولا سيما المسلمين، في الاندماج مع المجتمع. وبدت ميركل يوم الأحد الماضي في صف منتقدي الهجرة، وقالت في مؤتمر حزبي إن تجربة ألمانيا لبناء دولة «متعددة الثقافات فشلت فشلا ذريعا».

وتشهد الأراضي الليبرالية داخل اسكندنافيا وهولندا صحوة حزبية قومية. وفي الأسبوع الماضي، صعدت إلى سدة الحكم في هولندا حكومة محافظة بدعم من حزب «غيرت فيلدرز»، المعادي للإسلام، والذي يواجه المحاكمة لإثارة كراهية عنصرية ضد المسلمين. وفي مقابل دعمه، حصل فيلدرز على وعود بأن الحكومة الجديدة سوف تتخذ إجراءات جذرية من أجل الحد من الهجرة، وتقتفي أثر فرنسا في حظر النقاب.

وخلال الأشهر الأخيرة، عززت أحزاب قومية ويمينية من مواقفها أو باتت الآن في وضع يمكنها من زيادة نفوذها داخل الدنمارك والنرويج وفنلندا.

وفي الجنوب، حصل حزب رابطة الشمال داخل إيطاليا، وهي بالفعل جزء من الائتلاف الحاكم، ويعارض بناء مسجد داخل ميلان، في مارس (آذار) الماضي على مكاسب مهمة داخل فينيسيا وبيدمونت.

وتقول ليزا بجوروالد، وهي مؤلفة وصحافية في ستوكهولم، كتبت عن هجرة المسلمين: «يتشابه النقاش حول المهاجرين والإسلام داخل أجزاء كثيرة من أوروبا».

وارتفع عدد المهاجرين في السويد من 58 ألفا عام 2000 إلى 102 ألف العام الماضي، كان من بينهم لاجئون من الصومال والعراق. وبلغ السكان ذوو الأصول الأجنبية بين سكان السويد البالغ عددهم 9.3 مليون، ما يقرب من 1.3 مليون شخص.

وأدت هذه الزيادة إلى إثارة مشاعر العداء في مجتمعات مثل ألمغاردن، الضاحية التي تسكنها غالبية عمالية، وهي مليئة بالوحدات السكنية الإسمنتية والمتنزهات الخضراء خارج مدينة مالمو في جنوب السويد.

وتتزايد التوترات في هذا الجزء الأكثر محافظة من السويد. وعادة ما تتصادم الشرطة مع الشباب المسلم في أحد أحياء المهاجرين، وخلال أحد أعمال الشغب التي وقعت أحداثها العام الماضي أضرم عشرات من المراهقين الغاضبين النار في السيارات وحطموا واجهات المحال التجارية.

وبعد وقوع عدد من حوادث إطلاق النار في مالمو، حذرت السلطات المهاجرين بضرورة توخي الحذر. ولم تكشف الشرطة عن التفاصيل بشأن المشتبه فيهم، مشيرة إلى أنها تبحث عن مشتبه واحد على الأقل، وأن الجريمة تبدو ذات دوافع عنصرية.

وتحمل القضية ملامح شبيهة بحوادث مماثلة عرفت باسم حوادث إطلاق نار رجل الليزر، التي وقعت في عقد التسعينات من القرن الماضي خلال الفترة التي نجح فيها حزب يميني متشدد من دخول البرلمان السويدي.

وبدأت الأحداث في عام 1991 عندما قام جون أوسونيس، الملقب باسم «رجل الليزر»، نسبة إلى شعاع الليزر الأحمر في بندقية القناصة التي كان يستخدمها، بإطلاق الرصاص على 11 مهاجرا فقتل واحدا، قبل أن يلقى القبض عليه، ويحكم عليه بالسجن مدى الحياة عام 1994. ولم يحصل الديمقراطيون السويديون سوى على 2 في المائة من عدد أصوات الناخبين في ستوكهولم الليبرالية، لكنه حصل على 35 في المائة من أصواتهم في ألمغاردن.

ويقول جوناسون، (64 عاما)، ويعمل نجارا: «أنا منفتح على الهجرة، لكن هؤلاء الأفراد يأتون دون رغبة في الاندماج، أو الرغبة في تعلم اللغة السويدية أو أن يكونوا جزءا من المجتمع السويدي».

وحاول الديمقراطيون السويديون، كغيرهم من الأحزاب القومية في أوروبا، مسايرة التيار السائد، وتخلصوا من العنصريين السابقين والنازيين الجدد. فإكروث على سبيل المثال، أمه يهودية ويدعم إسرائيل. إضافة إلى ذلك، أشار إلى أن الديمقراطيين السويديين لم يعودوا يعارضون حقوق المثليين، واستندوا إلى ما يقوم به المسلمون ضد الشواذ في السويد لتعزيز موقفهم بشأن الهجرة. وتضاعف التأييد لهم منذ الانتخابات السابقة إلى ما يقرب من 6 في المائة من الأصوات التي حصلوا عليها في سبتمبر (أيلول) الماضي، مما سمح لهم بالوصول إلى البرلمان للمرة الأولى.

ولقي الديمقراطيون السويديون استنكارا لحالة الرهاب من الأجانب من جانب تحالف أقصى الوسط الحاكم، الذي تعهد بعدم التعاون مع أجندتهم. لكن على الرغم من ذلك، تعيد الحكومة التفكير في بعض نصوص سياسة الهجرة التي تعتبر من بين السياسات الأكثر ليبرالية في العالم.

جدير بالذكر أن السويد تبنت على مدى عقود «التعددية الثقافية» أو الإحساس بأحقية المهاجرين في الحفاظ على لغتهم وعاداتهم وقيمهم. لكن استطلاع الرأي الأخير أظهر أن 73 في المائة من السويديين يعتبرون عدم الاندماج مشكلة، ومن ثم سعت الحكومة إلى الإعلان عن إجراء جديد في ديسمبر (كانون الأول) المقبل يفرض على المهاجرين تعلم اللغة السويدية.

إضافة إلى ذلك، تدعم أحزاب التحالف الرئيسية حظرا أضيق نطاقا على الحجاب الكامل في المدارس، كما عارضت هذا الشهر توصية للمجلس بضرورة منح الأديان الرئيسية أوقاتا متساوية في خطط الدروس، قائلة إن المسيحية يجب أن تحتفظ بمكانة خاصة في المدارس السويدية.

ولا تزال أحياء مثل حي رينكبي، الذي تقطنه غالبية مهاجرة، يعاني الصدمة بعد نجاح الديمقراطيين السويديين.

لكن ألما آدان، المهاجرة الصومالية والمحامية الشابة، (32 عاما)، قالت إن على الجالية المسلمة أن تنتشر في الداخل السويدي. وألحت على ضرورة أن يستقر المهاجرون الجدد في أرجاء السويد، لا في أحياء مثل ريكنبي، وتعلم اللغة السويدية. وتحاول آدان من خلال ورشات العمل والاستشارات، مساعدة الشباب المسلم ضمنهم الأفراد الذين شاركوا في أعمال الشغب في الحي الذي تقطن به هذا الصيف، ودمروا مدرسة، وأضرموا النار في السيارات، ليشعروا أنهم في منزلهم الجديد.

وأشارت آدان إلى الدعم الذي يحظى به الديمقراطيون السويديون، وقالت إن التصويت: «كان من أجل الخوف. وأن المخاوف بين السويديين من أن دولتهم يستولي عليها الأجانب. لكن الأمر راجع إلينا كي نقول لهم إن الأمر ليس كما يعتقدون».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»